نعيش في هذا العصر حالة من التزاحم بين الأنبياء , فقسم منهم أتى مفروضا وفرضا بالسيف حتى في سياقه التاريخي , هؤلاء تعكزوا على ظاهرة المعجزات الخرافية ليبرهنوا عن أحقية وجودهم وسطوتهم وضرورة الامتثال لهم خوفا منهم , من ناحية أخرى استخدموا مبدأ الترهيب في حالة العصيان والتمرد عليهم .
هناك نوعا آخر من الأنبياء الذين استقبلتهم الحاجة الماسة لهم , انهم متعددون وكل منهم أضفى على الحياة البشرية ايجابية عظيمة لايمكن للأحياء الاستغناء عنها ,انهم نيوتن والكهرباء , انهم اولئك الذين اخترعوا السيارة والطائرة والتواصل الاجتماعي ثم الضمان الاجتماعي والصحي ,انهم أسبينوزا وهيجل ,ومن اخترع الحرف والعدد والعجلة والقانون من السوريين , انه النبي مارك ومعجزته في تأمين الاتصال بين البشر , صورة وصوتا وحرفا بدون مقابل , ذكر جميع أنبياء الحاجة يحتاج الى مجلدات !
هل هناك حاجة بشرية لمخلوق يقول لنا كيف نقتل ولماذا نقتل , اننا على علم ومعرفة بشرور القتل , والبشرية ليست بحاجة الى معلم في هذا الخصوص , خاصة معلم لمواد لم تكن يوما ما من اختصاص العقيدة التي يبشرون بها , انما من مهام علم الاجتماع الاقدم منهم ومن آياتهم , علم الاجتماع هو المؤسس والمنظم لاقامة مجتمعات الكرة الأرضية , وذلك قبل تواجد الدين والتوحيد بعشرات الآلاف من السنين .
جاؤونا بالتوحيد وسيفه , قال الموحدون ان التوحيد حركة اصلاحية, ولو افترضنا مقدرة التوحيد على الاصلاح في سياق تاريخي معين , فهل الاصلاح ممكن بالتوحيد في سياقات تاريخية أخرى , وماذا نفعل بهذا التوحيد الذي احتل عقولنا ؟ , ويصر على احتلال العقول حتى بعد انقضاء الحاجة الافتراضية له وبعد أن أصبح ضارا , هنا تحول التوحيد الى كارثة استعمارية لعقل لايسمح له بالتخلص من معذبه ومشوهه , ذلك بعكس النبي نيوتن أو النبي مارك فهل سيعترض نيوتن علينا لو فكرنا بالغاء الكهرباء من حياتنا ؟, وهل سيعترض النبي مارك علينا ان أقفلنا حساباتنا في دكانته , نيوتن وغيره وأمثاله هم انبياء الضرورة , واما انبياء الاحتلال القسري للعقل والفرض والترهيب فهم انبياء الضرر والاضرار بالعقل والحياة.
أنتج التوحيد شكلًا مسخًا للدولة,انها الدولة الشمولية التي غيبت الإنسان وجعلته كائنا هامشيا , تجري عليه أغلب العمليات السياسية الخارجة عنه وعليه, ويعمل على أن يتم إخضاع الدولة والمجتمع لخطة الله, أي أن جميع المؤسسات التي تشكل التنظيم السياسي للمجتمع يجب أن ترتكز على هذا النهج, بمعنى!على المجتمع أن يكون جزءًا من ترتيبة تخضع للدين , لقد طوب هذا الفكر المجتمعَ والدولة , لإرادة من خارجهما ولا تبعية الا لهما .
منطقا يجب على الانسان أن يصبو الى بناء المجتمع الضروري لاقامة الدولة , والدولة هي أمر ضروري ومنذ العديد من القرون , لا وجود لبديل لها آنيا أو على المدى المتوسط أو البعيد , تصطدم هذه المنظومة الاجتماعية -السياسية بالعديد من العقبات , العقبة الأولى هي خاصة دين الأنبياء السماوي , التي تعرف بأنها خاصة شخصية فردية ممثلة لوعي فردي متمايز بشدة عن الوعي الجماعي , اعتماد الخاصة الشخصية في بناء المجتمع يقود الى مجتمع الأفراد او بالأصح الى جماعة الأفراد , فالأفراد في منظومة الدولة هم أفراد في المجتمع , هذه الحالة هي النقيض من مجتمع الأفراد المتمثل بتقدم الانتماء الشخصي على بقية الانتماءات, انها دولة الاشخاص والأفراد, التي لايمكن لها أن تنجح ,والاندثار مصيرها الحتمي .