تاريخ العرب في مجال الجنس والجواري …


حسين باشا:

الذي يبحث في تاريخ العرب والمسلمين في الجزيرة العربية وما جاورها فيما يتعلق بانتشار ممارسة الجنس مع الجواري والإماء والسراري والقواني، يكاد يجزم أن هناك حقب طويلة من التاريخ حتى امد قريب كان فيها سكان هذه المنطقة غارقون في الجنس، والتعامل مع نيك الجواري والسبايا والتسري بهن هو في الأصل نوع من الدعارة والمجون والإباحية بطريقة التفافية، وما جعل هذه الممارسات تزدهر هو كثرة الفتوحات والغزوات الإسلامية على مناطق كثيرة في العالم، وكان من السهل جدا الحصول على السبايا من خلال هذه الحروب والغزوات… يا له من تاريخ تفوح منه روائح غير محببة، تاريخ ملطخ بالمجون والجنس والغلمان…

وما لفت نظري هو قول الجاحظ: كان ميل العرب للإماء أكثر من الحرائر لأن الجمال في كثير من نساء هذه الأمم المفتوحة أوفر، والحسن أتمّ فقد صقلتهن الحضارة وجلاهن النعيم، ولأن العادة أن لا تُنظر الحرة عند التزويج بخلاف الأمة، لذلك صار أكثر الإماء أحظى عند الرجل من أكثر المهيرات: إن الرجل قبل أن يملك الأمة قد تأمل كل شيء منها وعرف ما خلا خطوة الخلوة فأقدم على ابتياعها بعد وقوعها بالموافقة، والحرة إنما يستشار في جمالها النساء، والنساء لا يبصرن من جمال النساء حاجات الرجل ومواقفهن قليلاً. والرجال بالنساء أبصر قد تحسن المرأة أن تقول أنفها كالسيف وعينها عين الغزال، وعنقها إبريق فضة وشعرها العناقيد، وهناك أسباب أخر بها يكون الحب والبغض. ومن أقوال العرب الأمة تشترى بالعين وترد بالعيب، والحرة غل في عنق من صارت إليه، قال بعضهم وقد اشتهرت الأصقاع المختلفة بميلهم إلى أجناس مختلفة من النساء بحكم الجوار وبحكم ما كانوا يشترون ويأسرون فمن ذلك أن أهل البصرة أشهى النساء عندهم الهنديات وبناتهن، واليمن أشهاهن عندهم الحبشيات وبناتهن، وأهل الشام الروميات وبناتهن. سئل بعضهم عن ولد الرومية؟ فقال: صلف معجب بخيل، قيل فولد الصقلية؟ قال: طفس زنيم. قيل: فولد السوداء؟ قال شجاع سخي، قيل: فولد الصفراء؟ قال: هم أنجب أولاد وألين أجساد وأطيب أفواها، قيل: فولد العربية؟ قال أنف حسود. قال الجاحظ رأينا الخلاسي وهو الذي يتخلق من بين الحبشي والبيضاء، والعادة من هذا التركيب أن يخرج أعظم من أبويه وأقوى من أصليه ومتمريه ورأينا اليسرى من الناس وهو الذي يخلق من بين البيض والهند لا يخرج ذلك التاج على مقدار ضخامة الأبوين وقوتهما ولكنه يجيء أحسن وأصلح وكانت الخيزران سبية من خرشنة بلدة قرب ملطية ولدت موسى الهادي وهارون الرشيد ابني محمد المهدي. ويزيد بن الوليد بن عبد الملك أمه شاهفرم بنت فيروز ومروان بن محمد بن أمة كردية وأبو جعفر المنصور أمه بربرية تسمى سلامة، والمأمون أمه تسمى مراجل، والمعتصم أمه تسمى ماردة الواثق أمه تسمى قراطيس والمتوكل أمه شجاع. وسمت العرب ابن العربي إذا كانت أمه أمة، الهجيني، والهجيني المعيب، وكانت بني أمية لا تستخلف بني الإماء قال الأصمعي في تعليل ذلك: إن الناس يرون أن امتناعهم عن توليتهم استحقاراً لهم وهذا غير صحيح وإنما كانوا يمتنعون عن ذلك لأن بني أمية كانوا يرون أن زوال ملكهم على يد أبن أم ولد.

وفيما يلي اقتطف بعض القصص التي وردت في كثير من الكتب عن تعامل العرب والمسلمون بهذا الجانب الذي شهد ازدهارا منقطع النظير لدرجة أن بعض الحكام كان يمتلك العشرات منهن…

(وإذا كان التاريخ يذكرنا بالأتراك والعرب النخاسين الذين كانوا يجوبون خلال القرى الأفريقية ويخطفون الرقيق من فتيات وغلمان، فهناك من الغربيين من هو أشد قساوة في النخاسة من هؤلاء، فكم من فئة غربية عقدت الشركة ما بينها على الاتجار بالرقيق، وقد اتسعت تجارتهم فيه وكانت بضاعتهم تشحن من إفريقيا إلى البلاد الأمريكية، حيث تباع بأرباح كبيرة، وكم يلاقي الأرقاء في سبيلهم من الفظائع التي تقشعر منها الأبدان من فئات النخاسة الأشداء القساة وهنا نذكر من مصدر وثيق معاملة الرقيق الذي يشحنه النخاسون الغربيون إلى بلادهم وإلى أمريكا فقد روت بعض الصحف المصرية، إنه قد ظهر في لندن آخر كتاب اسمه (مجازفات تاجر رقيق في أفريقيا)ومؤلفه هو الكابتن (تيودو دكانوت) الإنكليزي تاجر ذهب وعاج ورقيق وقد كتب سنة 1854 ولكنه لم يطبع إلا في هذه الأيام وقد نشرت تلك الصحيفة المعلومات الآتية عنه.

الحصول على الرقيق: كانت الوسيلة العادية لاسترقاق الزنوج في أفريقيا هي اختطافهم بمختلف الحيل، وكان لتجار الرقيق عملاء كثيرون مهمتهم خطف الفتيات والغلمان الذين يرونهم صالحين للاسترقاق والذين يأمل منهم إذ يأتوا بأثمان غالية، غير أن وسيلة الاختطاف كانت فردية ولم تكن تأتي بالعدد الكافي من الأرقاء، حتى يشحنوا جملة واحدة في إحدى سفن الرقيق، ولكن ما كان بواسطة زعماء القبائل والملوك الذين يحكمون مناطق في أفريقيا يكون أعوداً على النخاسين إذ يقاطعونهم على كميات وافرة تسلم بأوقات وآجال معينة ويدفعون لهم دراهم سلفة على ذلك الحساب، وهذا هو الأمر الذي ينشأ منه على الدوام الاختلاف بين أولئك الزعماء والملوك ومواصلة القتال ما بينهم والغالب منهم يأسر خصمه ويغزو أرضه فيأسر كذلك نساء الأعداء وأولادهم ثم يبيعهم كلهم جملة إلى تجار الرقيق، وكان زعماء القبائل الإسلامية يبررون أسر خصومهم بأنهم من الوثنين غير أهل الكتاب فتجب محاربتهم وغزو بلادهم وامتلاك أسراهم (المذنبون يباعون رقيقا).

وإلى جانب الحرب والقتال كان هناك مصدر للرقيق وهو القضاء، فكل زعيم قبيلة هو قاضٍ بحكم مركزه، وباستطاعته أن يحكم على المجرمين والمرتكبين لأقل سيئة بالرق والبيع لتجار الرقيق، وكان هذا بطبيعة الحال أجدى من الحكم عليه مدة طويلة أو وجيزة بالسجن، وقد ذكر المؤلف لهذه المناسبة حادثة غريبة، وهي انه طلب نخاس يوما من أحد الملوك في أفريقيا أن يبيعه رقيقا، ولكن جلالته كان قد باع كل ما عنده من أسرى حرب أو مذنبين، فلجأ إلى حيلة يحصل بها على رقيق جديد، وكان قد سمع منذ زمن طويل شكاوي ضد عدة أناس في مملكته، فلم يعبأ بها لعدم أهميتها، غير أنه تذكرها واهتم بها في اللحظة التي طلب منه التاجر رقيقا يبتاعه، فجمع أولئك البائسين وحاكمهم وأدانهم ‏وحكم عليهم بالرق والتسليم إلى الرجل الأبيض، وتم كل شيء في نحو ساعة من الزمن.

الكشف على الأرقاء: وكان الأرقاء يكشف عليهم بمنتهى الدقة عند أماكن التصدير، فإن الرقيق المريض أو الهزيل ما كان يتحمل مشاق الرحلة إلى أمريكا، وإن تحملها ووصل سالما فإنه ما كان ليأتي بثمن يدعو إلى الرضا. وفي الكشف على الرقيق تفحص أسنانه وعضلاته وأعضاؤه وكل جزء من جسمه، وكان التاجر يحس جسم الرقيق بإصبعه ضاغطا بشدة في أماكن مختلفة منه ليثق من قوته، وربما كان نقص سن واحدة من الرقيق سببا برفض شرائه وتصديره، ولكن كثيرا ما كانت تتخذ حيلة عجيبة في هذا المجال، ومنها أن بعض العملاء كان يعطي الرقيق دواء فيتهيج تهيجا وقتيا، حتى يظهر وقت الكشف عليه وكأنه في خير وعافية، وقد رأى المؤلف في أولى رحلاته تاجر رقيق وهو يرفض شراء رقيق تبدو عليه الصحة فلما سأله عن ذلك قال له: إنه قد جرع دواء مهيجا ليستر مرضه ولكنه فطن إلى ذلك من أن نبضه أسرع من المعتاد وهذه شبيهه بالطريقة التي تتبع أحيانا في سباق الخيل إذ يحقن الجواد بمادة تهيجه وتجعله يسبق غيره.

وكان لهؤلاء الجواري أثر سيئ في الخلاعة المجون وانتشر عنهن شيء من الظرافة قلدهن فيها الناس كحب الأزهار وتعشقها، فقد كانت ميتما جارية علي بن هشام يعجبها البنفسج جداً. قال أحمد أمين في ضحى الإسلام: ونجح هؤلاء الجواري في أشعار الناس بالظرف والتزام حدوده، وكان للجواري فضل آخر وهو أنهن من أمم مختلفة، فهنديات وتركيات وروميات، وقد كان كل صنف يجلب وقد تكونت عاداته ثم أتين المملكة الإسلامية فنشرن عاداتهن ووقعت أبصارهن على عادات غيرهن فخضع ذلك كله لقانون الانتخاب، ويظهر أن الجواري كن أنشط من الحرائر في ناحية الإنشاء الأدبي وفي ناحية الإيحاء إلى الشعراء، ويرجع السبب في ذلك إلى النظام الاجتماعي. فقد كان الناس يغارون على الحرائر أكثر مما يغارون على الجواري ويحجبون الحرة، وكان أدب الجارية يقوم في سوق الرقيق بأكثر مما يقوم بدنها، والمال في كل عصر هو قوام الحركات الاجتماعية. لقد كانت الحروب في صدر الإسلام تكاد أن تكون دائمة، وكان النصر حليفا للمسلمين أينما توجهوا والبلاد المفتوحة والأمم المغلوبة للإسلام لا تعد، ولهذا كان الرقيق لا يحصى كثرة ومن أهم الغنائم التي تعود على الغانمين بالثروة الطائلة فإن مَنْ اُسِرَ من الكافرين المحاربين جاز للإمام أن يسترقه كما يجوز له أن يسترق أهل البلد الذي فتح بالحرب رجالا ونساءً، وهذا الرقيق يعدّ مالاً شأنه في ذلك شأن المتاع، فمن استرق في الحرب عد جزءاً من الغنيمة كالآلات الحربية والنقود والخيل، ومثله مثل كل شيء مقوّم، والإمام يأخذ خمسه للصالح العام والباقي يقسم على المقاتلين على تفاوت بين الفارس والراجل كما سنوضح ذلك في موضعه من هذا الكتاب. وقد كان الرقيق متنوعا مختلفا بتنوع الأمم التي اشتبك معها المسلمون في القتال ومنتشراً بين المسلمين، فقد كانت كيفية توزيعه على الغانمين من أعظم أسباب كثرته بين المسلمين وقد دخل في بيت كل منهم، ولما كان الرقيق ما لا تجري عليه العقود المالية من بيع وشراء وإجارة ورهن كان في متناول الناس جميعا، وقد أقيمت أسواق خاصة لبيعه وبذلك أصبحت البيوت الإسلامية وخصوصا بيوت الخلفاء الذين يندبون سماسرة لهم لشراء الجوار، كما يقول بعض كتاب عصبة الأمم تنتج من النسل ما يحمل خصائص الأمم المختلفة، فقد كان في بيت أبي جعفر المنصور أروى بنت منصور الحميري أولدها المهدي وجعفر الأكبر، وأمة كردية اشتراها وتسراها فولدت له جعفر الأصغر، وأمة رومية يقال لها قالي أولدها بنتا تسمى العالية، وكان للرشيد زهاء ألفي جارية، وللمتوكل أربعة آلاف سرية وكانت الجواري توزع على الفاتحين وتباع في أسواق النخاسين وتهدى كما تهدى الطرف اللطيفة. وذهب إعرابي إلى سوار القاضي فقال: إن أبي مات وتركني واخا لي، وخط خطين ناحية، ثم قال وهجينا لنا ثم خط خطا آخر ناحية ثم قال: كيف ينقسم المال بيننا؟ فقال: المال بينكم أثلاثاً إن لم يكن وارث غيركم. فقال له: لا أحسبك فهمت إنه تركني وأخي وترك هجيناً لنا؟ فقال سوار: المال بينكم سواء. فقال الأعرابي: أيأخذ الهجين كما آخذ ويأخذ أخي؟ فقال: أجل، فغضب الأعرابي، وقال تعلم والله إنك قليل الخالات بالدهناء.

وحكي الجاحظ قال: قلت لعبيد الكلابي وكان فصيحاً فقيراً؛ أيسرك أن تكون هجينا ولك ألف جريب؟ قال لا أحب اللؤم بشيء. قلت: فإن أمير المؤمنين أبن أمة؟ قال أخزى الله من أطاعه. ويقول الرياشي:

إن أولاد السراري كثروا يا رب فينا ربِّ أدخلني بلادا لا أرى فيها هجينا…

كان يتسرب سنويا عدد من الرقيق إلى بلاد العرب بطريق البحر الأحمر، وهؤلاء في بعض الأحيان يحملون جواز سفر من الحكومة الحبشية، فيسافرون كحجاج ليباعون في أسواق مكة المكرمة فاشتراهن الملك عبد العزيز وتسراهن وهو يستمتع بهن، وبينهن واحدة ولدت له أولاد وهي تقيم في القصر في القصر الملكي السعودي عدى النساء الشرعيات طائفة من الجواري السود اللواتي يدخلن في آية [وما ملكت أيمانكم] يفترشهن الملك وكذلك فهناك طائفة غير قليلة من السراري ويسموهن الكرجيات في مكة المشرفة فقد كان سوق النخاسة فيها دكة تسمى دكة العبيد وهي معروفة، يوقف عليها العبيد لعرضهم للبيع لقد غمر العالم الإسلامي بالسبايا، لكثرة الفتوحات والذين هم عنصر الغنيمة

ولما كانت أحكام الإسلام تجيز معاشرة الجواري (السراري) إلى جانب الزوجة أو الزوجات الشرعيات دون قيد ولا شرط، فقد كانت الجواري عنصرا هاما في حريم الخلفاء والأمراء والكبراء.
كان يتسرب سنويا عدد من الرقيق إلى بلاد العرب بطريق البحر الأحمر، وهؤلاء في بعض الأحيان يحملون جواز سفر من الحكومة الحبشية، فيسافرون كحجاج ليباعون في أسواق مكة المكرمة. وفي اليمن قبيلة تسمى بالزرانيق لها قلاع على سن البحر الأحمر، بارعة في القرصنة تهابها جميع قبائل اليمن تغزو المراكب الكبرى بسنابكها وتفتك بها، وهم النقطة الوحيدة التي يتهافت عليها النخاسون من الأقطار لشراء الرقيق.

[10] كان في بغداد شارع يسمى شارع دار الرقيق، انتهب في الفتنة بين الأمين والمأمون ونعاه الشاعر في قصيدة آخرها:

ومهما أنسى من شيء تولى فإنـي ذاكــــر دار الرقيق

[11] لقد غمر العالم الإسلامي بالسبايا، لكثرة الفتوحات والذين هم عنصر الغنيمة فيها فغصت قصور الخلفاء بالجواري والفتيات الحسناوات، حتى أصبحن في قصور الخلفاء في أواخر الدولة الأموية ذا مكانة عظيمة وتركن أثرا ظاهرا في الحياة الاجتماعية داخل البلاط وخارجه.

[12] قال ياقوت في معجم البلدان في ذكر (الجعفري) القصر الذي بناه المتوكل على الله من المعتصم بالله سنة 245هـ أن الدينار في أيام المتوكل خمسة وعشرين درهما فيكون كل مائة درهم بأربعة دنانير.

[13] وقد رأيت بخط الوالد رحمة الله، لقد غمر المجتمع الإسلامي بالسبايا بعد الفتوحات التي أهم عناصر الغنيمة فيها السبايا، فغصت قصور الخلفاء ورجال الدولة بالجواري والأقنان الحسان من أبناء البلاد المفتوحة، ومنهم أحيانا أبناء الملوك والأمراء. في أواخر الدولة الأموية كانت الجواري يثبتون في قصر الخلفاء مكانة هامة ويتركن أثرا ظاهرا في الحياة الاجتماعية داخل البلاط وخارجه، ولما كانت أحكام الإسلام تجيز معاشرة الجواري (السراري) إلى جانب الزوجة أو الزوجات الشرعيات دون قيد ولا شرط، فقد كانت الجواري عنصرا هاما في حريم الخلفاء والأمراء والكبراء، وكان الخليفة إلى جانب زوجته الشرعية، يحتفظ دائما في قصره بعدد كبير من الجواري الحسان اللاتي يخترن من بين السبايا أو يشترين بالمال، ويقمن في أجنحة خاصة بهن، وتجري عليهن النفقة الواسعة ويعشن في بذخ وترف، وقد تستأثر إحداهن أحيانا بعطف الخليفة وحبه فتغدو حظيته المختارة ويفضلها على سائر أزواجه وجواريه، وأحيانا يرزق الخليفة من حظيته ولدا، أو أكثر فتغدو أم ولد فهذه الدولة الأموية نرى أن بعض خلفائها يتخذون من نسل الجواري مثل يزيد بن الوليد بن عبد الملك، فقد كانت أمه فارسية من السبايا.

ونجد في الدولة العباسية ثبتا حافلا من خلفاء عظام ولدوا من الجواري، أولهم المنصور ثاني خلفاء بني العباس، فقد كانت أمه جارية تدعى سلامة. وكان للخليفة المهدي عدة جوارٍ شهيرات مثل رحيم التي رزق منها العباسة، والخيزران أم ولديه موسى الهادي وهرون الرشيد أعظم خلفاء الدولة العباسية. وكانت أم المأمون جارية تدعى مراجل، وكان المعتصم بالله والواثق والمستعين والراضي والمستكفي وغيرهم من خلفاء بني العباس جميعا من أبناء الجواري. ونجد بين خلفاء الأندلس عدداً من نسل الجواري، مثل عبد الرحمن الناصر أعظم خلفاء الأندلس فقد كانت أمه جارية أسبانية نصرانية تدعى ماريا، وكذلك هشام المؤيد بالله، فقد كانت أمه (صبح) الشهيرة (أورود) وهي جارية نصرانية بشكنسية (نافارية) لبثت زهاء عشرين عاماً تسيطر بنفوذها على حكومة قرطبة، وكانت اعتماد جارية المعتمد بن عباد وأم أولاده المعروفة بالبرمكية من أشهر نساء الأندلس وأسطعهن خلالاً. وفي مصر الإسلامية وصلت إحدى الجواري إلى ذروة الملك تلك هي شجرة الدر الشهيرة وهي الملكة الوحيدة التي تولت الملك بمفردها في تاريخ الإسلام كله. ونستطيع مما تقدم أن نقدر مدى ما انتهى إليه مركز الجواري في قصور الخلفاء من الأهمية والنفوذ، ولم يكن ذلك النفوذ سياسيا فقط بل كان اجتماعيا أيضا، وقد تعدى القصر إلى المجتمع الخارجي. فقد تحشد الجواري من مختلف الأمم ولا سيما الأمم النصرانية المجاورة مثل الدولة البيزنطية وأرمينية وبلاد البلقان وروسيا (أو بلاد الصقالبة ) وثغور الأدرياتيكك وجزر البحر الأبيض وأسبانيا ثم الأمم الإفرنجية القاصية ويؤتى بهن أيضا من الهند وتركستان والحبشة، وكان فيهن الأجناس الممتازة التي كانت تتمتع بحضارة رفيعة كالروميات والإيطاليات والهنديات، ولهن أثر عظيم في بعض نواحي الحياة الاجتماعية الإسلامية فقد كان منهن أعظم الموسيقيات والمغنيات والراقصات، ولهن أثر عظيم في سلالة المجتمع الإسلامي الرفيع (الأرستقراطية)، وقد كان الكثير من الأمراء من أبناء الجواري الحسان ذوات الشمائل الجميلة والشقرة الباهرة والعيون الزرقاء. وتملأ أخبار الجواري النابهات فراغاً كبيرا في الأدب العربي، وتستطيع أن تقرأ في كتب الأدب العربي فصولا فياضة وفيها الكثير مما يلقي الضياء على مبلغ ما انتهت إليه الجواري من رئاسة في الفنون الجميلة، ويورد ابن بطوطة نبذاً شائعة عن جواري قصور الهند.

وقد كان للجواري أثر عظيم في سياسة القصور الإسلامية، ونستطيع أن نتصور ما كان يترتب على نفوذ جارية هي أم خليفة أو قرينة خليفة، وهن كثيرات كما قدمنا من الأثر في تدبير الشؤون العامة. نعم إن هذا النفوذ قلما ينتهي إلى حد التأثير في المبادئ الجوهرية لسياسة الخلافة، ولكننا نستطيع أن نلاحظ أنه كان يشتمل كثيرا من التفاصيل الهامة، ويؤثر في أحايين كثيرة في سير السلام أو الحرب. (ثمة ناحية أخرى كان للجواري فيها أثر قوي، ذلك هو ميدان التجسس، فيعهد إلى بعض الجواري البارعات في الحسن أن يقمن بأعمال التجسس على القصور الملكية، وكانت قصور بغداد والقاهرة والقسطنطينية كثيرا ما تلجأ إلى هذه الوسيلة للوقوف على ما تريد معرفته من أنباء القصور الخصيمة ومشاريعها. وقد ذاعت تجارة الرقيق في العصور الوسطى ذيوعا عظيماً، وكانت ثغور البحر الأبيض المتوسط وجزره أعظم مراكز هذه التجارة، وكان الرقيق من أسرى الحرب أو الغزوات الناهبة يحمل آلافاً مؤلفة إلى ثغور مصر والشام، فيحمله التجار إلى أقاصي البلدان الإسلامية في أفريقيا وآسيا، وكان أقطاب هذه التجارة الممقوتة يبذلون عناية خاصة لتعليم الجواري الحسان وتثقيفهن في مختلف الفنون وإعدادهن للخدمة الرفيعة في قصور الأمراء.

وفي الغرب لم يبلغ شأن الرقيق هذا المدى من الأهمية والانتشار، ولم تبلغ الجواري مثل هذه المكانة في القصور، ذلك أن الرق لم يزدهر في العصر القديم في الغرب، إلا عند اليونان والرومان، ثم الأمم البربرية التي اقتسمت تراث روما واقتبست نظمها وشرائعها، كالواندال والقوط والإفرنج. وفي عصر الإمبراطورية الرومانية، كانت قصور القياصرة والكبراء تغص بالرقيق من الجنسين، والجواري الحسان يقمن في القصر بالدور المريب، نفسه فمنهن الحظايا والراقصات والمغنيات بيد أنهن لم يبلغن من الوجهة الاجتماعية في القصور الرومانية أو الإفرنجية ما بلغته في قصور المشرق، بل كن يعدن دائما جنسا منحطا مريباً ويعاملن في الغالب باحتقار وخشونة، وقلما يعدن موضع الثقة أو يسمح لهن بمزاولة النفوذ. ومنذ القرن التاسع غدا الرق من الأنظمة المكروهة، وخفت وطأته نوعاً ما وبقي رائجا بين القبائل الجرمانية التي ما زالت تسودها الوثنية والبداوة.

وفي الدولة البيزنطية لم يكن الرق نظاما مشروعا من الوجهة الدينية، ولكنه كان موجودا من الوجهة القبلية بصور مخففة، والجالس على عرش قسطنطينة كثيراً ما يهدي إلى الخليفة أو السلطان عدداً من الجواري الحسان حين تصفو العلائق بينهما، ويرد الخليفة أو السلطان الهدية بمثلها، والشأن كذلك في الدول الإيطالية، لا يعترف بالرق فيها كنظام مشروع، وإن كان البنادقة والجنويون لبثوا مدى عصور من أنشط تجار الرقيق ووسطائه. ونلاحظ أن النصرانية لم تجز تعدد الزوجات ولا التسري، ومن ثم كان اقتناء الجواري لغير أغراض الخدمة المنزلية أمرا محرما من الوجهة الدينية، ولا نكاد نسمع منذ القرن الحادي عشر بتجارة الرقيق في الغرب، ولكنها استمرت بعد ذلك في الشرق قرونا، وازدهرت أيام الحروب الصليبية على يد البنادقة والجنويين وكان معظم الجواري الحسان يؤتى بهن في تلك العصور من بلاد الصقالبة (السلافيين) والمجر ومن بعض القبائل التركية البدوية في القوقاز وتركستان، ثم يحملن تباعا إلى ثغور الشام ومصر والمغرب.

وفي القرنين 17،18 نشطت تجارة الرقيق مرة أخرى، من جراء الحملات البحرية الناهبة، التي كان ينظمها خوارج البحر المغاربة، على جزر البحر الأبيض وثغور النصرانية، واستمر الرقيق نظاما مشروعا في أمم الشرق حتى أوائل القرن التاسع عشر، فلمّا اضمحلت الأمم الإسلامية، وأخذت أوربا تغزوها بنفوذها، اجتمعت الدول الأوربية على مقاومة الرق وإلغائه. وبدأت إنكلترا بذلك فألغي الرق بقانون برلماني في سنة 1834م وعدّ جريمة يعاقب عليها بالموت، وحذت باقي دول أوربا حذو إنكلترا، وأصدرت قوانين مماثلة، وانتهت الدولة العلية بالموافقة على هذه الخطوة. فألغي الرق رسميا في أراضيها، ولكنه استمر بعد ذلك، حتى أواخر القرن الماضي، وكانت الجواري السلافيات والتركيات يمثلن إلى هذا العهد حريم الأمراء الشرقيين. ويقص علينا الأستاذ أحمد شفيق باشا في مذكراته ص90، إن الخديوي إسماعيل ترك في قصوره حين تخلى عن العرش، عددا كبيرا من الجواري الشركسيات، وأن ولاة الأمر لبثوا مدى يعملون للتخلص من هؤلاء الجواري بتزويجهن بموظفي القصر والمتصلين به وترتيب النفقات لهن، ولا يزال يعيش نساء كثيرون من أبناء هؤلاء الجواري.

تتشابه أسواق النخاسة في كيفية عرض البضاعة من أقدم العصور إلى الأزمان الأخيرة. كان النخاسون الرومان يوقفون الأرقاء على حجر مرتفع بحيث يتيسر لكل واحد أن يراهم ويمسهم بيده ولو لم يكن له رغبة في الشراء، وكانت العادة عندهم أن المشتري يطلب رؤية الأرقاء عراة تماماً، لأن بائعي الرقيق كانوا يستعملون وجوها كثيرة من المكر، لإخفاء عيوب الرقيق الجسمانية كما هو معروف عند بائعي الخيل. وفي الأزمان الأخيرة في بلاد السودان أعدت مصلحة النخاسة بيتا واسعا يجتمع إليه باعة الرقيق ويعرضون فيه الجواري صفوفا مترتبة، وينسقوهن إلى درجات مختلفة في الاتفاق في السن والشكل وباقي المزايا المرغوبة. فيقفن بإزاء الجدران وبعضهن عاريات الأيدي أو عاريات الصدور والساقين، وبعضهن بلباس كامل وهن السراري، فإذا جاء لابتياع جارية فحصها فحصاً دقيقا من قمة رأسها إلى أخمص قدميها كما تفحص البهائم عند ابتياعها فيفتح فمها ليتحقق انتظام أسنانها ويكشف عن صدرها وظهرها، ثم يأمرها أن تخطو ذهابا وإيابا ليرى مشيتها لئلا يكن فيها عوج، يخاطبها ليسمع كلامها مخافة أن لا تحسن اللسان العربي، فإذا تحقق لباقتها سامها من البائع ليطلب البائع ثمناً فيطعن المشتري في أوصافها تخفيضا من قيمتها فيشكو من اعوجاج أسنانها وانحناء ظهرها وسوء نطقها، ويدفع لها ثمنا قليلا فيعمد البائع من جهة أخرى إلى بيان مزاياها الحسنة، فيذكر من أوصافها ما لا يليق ذكره هنا. ومما يقلل من قيمة الجواري شخيرهن أو ميلهن إلى السرقة فإذا تقررت الصفقة تكتب ورقة البيع ويدفع الثمن، فتصبح الجارية ملكاً للمشتري وكانت أثمانهن تختلف باختلاف جمالهن وصحتهن وعمرهن، فالجارية العجوز في السوق السودانية كانت تساوي خمسين ريالاً وكانت المتوسطة ثمانين إلى مائة ريال والفتاة التي سنها بين الثامنة والحادية عشر من مائة إلى مائة وستين ريال والسرية تساوي ما بين مائة وثمانين إلى سبعمائة ريال، أما الأرقاء من الرجال فيمتنع بيعهم إلا إذا شهد شاهدا عدلٍ أن الرق المعروض للبيع ملك صريح للبائع ويسجل ذلك، ثم لا يحل ذلك السجل إلا بشهادة العتق كما هو معروف في بلاد اليمن، فقد كانت الحكومة التركية هناك تمنح الجواري والعبيد شهادات العتق ليخلصوا رسميا من ربقة الرقية وكان السادة الأدارسة وغيرهم من ملوك اليمن يوم كان الأتراك حكام البلاد يعتدّون هذه الشهادات، وقد رغب التعايش في زمانه بمنع بيع الرقيق الذكر وتوسل لذلك بما اشترطه من الشروط التي لا يمكن تحصيلها في الشهادة على رقيته.

هكذا كانت تعرض البضاعة في أسواقها وقد شاهدها كثيرون على دكة العبيد في مكة المشرفة، أما أسواق النخاسة فمنها أسواق أثينا في الحكومة اليونانية القديمة وقد كانت أسواقاً عظيمة يباع فيها العبيد ويشترى، وفي أغلب المستعمرات اليونانية. توجد أمثال هذه الأسواق ومنها أسواقاً قبرص وساموس وصاقص كانت أسواقاً قديمة لبيع الرقيق لقربها من موارده لا تزاحمها في ذلك أسواق أثينا ومنها سوق روما الكبير الذي كان يباع فيه الرقيق بالمزاد، ومنها أسواق موزنبيق الرائجة بضاعتها التي يقصدها النخاسون من البلاد البعيدة لابتياع الرقيق، ومنها أسواق لندن وليفربول المعروفة، ومنها أسواق أم درمان الكبرى وكان موقعها في جنوب بيت المال. ومنها سوق الرقيق في جدة، وكان موقعه على بعد خمسين مترا من دار القنصلية البريطانية، ومنها سوق عرد في تهامة وهو سوق عظيم للرقيق، ومنها سوق واشنتجون وبنايته اليوم البرلمان، ومنها سوق سيرط وكانت تقام للنخاسة سوق كبرى فيها، وكان السيرطيون ذوا ولع باقتناء الرقيق ولما زلزلت سيرطا سنة 464ق.م أنتهز عبيدها الفرصة وخانوا أسيادهم وكادوا يخربون المدينة ثم اعتصموا في جبل اتوي، ولم يقدر السيرطيون أن يخضعوهم واستعانوا بالأثينيين عليهم فأخضعوهم وسلموا على شرط أن يسمح لهم أن ينزحوا مع مالهم فساعدهم الأثنيون وأسكنوهم في توبكوس على الشط الشمالي من خليج كورتشوس وصاروا أعوان أثينا في حروبها، ومنها ما كان في مكة المشرفة فقد كان سوق النخاسة فيها دكة تسمى دكة العبيد وهي معروفة، يوقف عليها العبيد لعرضهم للبيع، ومنها سوق تونس التي يجلب إليها العبيد من أوساط أفريقيا، ومنها سوق القاهرة بمصر عند باب زويلة أيام دولة المماليك، وفي العهد الحديث كان للرقيق وكالات أشبه بالبيوت لا ينقطع فيها البيع بأثمان معلومة، ومنها سوق ميدي وهي مركز مهم لتصدير الرقيق إلى عقبة اليمن والعسير وجدّة[10].

قال الريحاني: وإذا أراد أحد السادة الأدارسة شراء جارية حسناء يجيء إلى ميدي فلا تضل خطاه ومناه: والمعتمد البريطاني له صفة رسمية في الرقابة على النخاسة (قال): وقد رأيته استحضر نخاسا فسأله كيف السوق؟ فقال: واقفة، ثم سأله جارية للريحاني فأجاب لا يوجد اليوم ولا واحدة لا عندي ولا عند أصحابي، السوق واقفة ولم يدخل سنبوك واحد منذ شهرين وطلب منه أن يفتش ولو على دنفلية والثمن غير بخس؟ فأجاب أنه لا يوجد في ميدي الآن شيء من ذلك

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *