الفشل المزدوج

يقلم :جورج بنا

بالرغم من وجود تفاوت  مؤكد  بين توحش داعش  ووحشية الأسدية  , حيث ان داعش تتمتع  بمركز متقدم جدا منالتوحش  حش  مقارنة بالأسدية  , الا أن الفرق  بينهما هو كالفرق بين السرطانات الخبيثة   المختلفة ,  بعضها أخبث  من البعض الآخر ,  الا أنها بالاجمال سرطانات مميتة , لذا  لايمكن  القول  على أن اقتلاع داعش   لصالح بقاء الأسدية يقي من  الموت  ,كما انه من غير  الواقعي  نفي  العلاقة  السببية بين داعش والأسدية  , فبقاء النظام يعني  بقاء داعش  أو شبيه لها , فالسلطة الأسدية  بانحطاطها  وديكتاتوريتها  كفيلة بتفريخ  العشرات  من داعش وأمثالها , ولا  توجد   أي امكانية    لانقاذ سوريا الا   باقتلاع  الأسدية أولا  أي بالقضاء على  فقاسة التفريخ  , حيث يصبح بعدها اقتلاع داعش  مسألة  أسابيع أو شهور .

ما أسهل  الكلام  وما أصعب التنفيذ  , فاقتلاع  السلطة الأسدية  ليس بتلك السهولة  , ولو فرضنا جدلا  على أن ذلك ممكن  خلال السنوات القادمة  عندها سيصبح  اقتلاع   داعش وشركائها  بعد اقتلاع السلطة  أسهل نسبيا  ,  الا أن كلا الأمرين  يحتاجان  الى دعم خارجي  حاسم  , وبدون هذا الدعم   , الذي  يجب ترجمته بصراحة ووضوح  على أنه تدخل  خارجي   سوف تستمر الحرب  الى اللانهاية  أي الى نهاية وجود سوريا كدولة ..الأفغنة أو  الصوملة  هي النهاية الحتمية في هذه الحالة .

لقد افلس التنديد  بالتدخل الخارجي كما أفلس  الترويج  لثقافة الممانعة والمقاومة  , وفقدت السلطة  كامل مصداقيتها   بتكفير  وتخوين  من طالب ويطالب به , فالسلطة ترفض التدخل الخارجي لصالح الثورة  , الا أنه  تأتي بالتدخل الخارجي الذي  يعمل لصالحها  , ولا حاجة لذكر أسماء الجهات  الخارجية التي  أتت بها السلطة  ولا تزال تأتي بها حسب الحاجة  , فالسلطة لاتخجل  من أي ممارسة  تؤمن لها البقاء  ولو على كومة من الأنقاض ,اضافة الى حزب الله   وفيلق القدس   والعراقيين واليمنيين  والايرانيين ..الخ  هناك مرتزقة روسية  وأكرانية مأجورة ,  وعدد  من يتدخل لصالح السلطة من الخارج  أكبر بكثير من عدد من يتدخل  مباشرة في الحرب الى جا نب الثورة  (يقدر عدد الأجانب  الذين يحاربون في سوريا ال جانب الثورة بحوالي ١٢٠٠٠  محارب ) .

فشل الأسدية  هو فشل أكثر من مزدوج , لقد فشلت طوال نصف قرن   بممارسة حكم  مطور للبلاد   , فشلت في الوقاية من الفساد وفي مكافحته أيضا  , وفشلت  في  تطوير البلاد ديموقراطيا  وفي تحقيق ادنى حد من العدالة الاجتماعية  , خربت البلاد قبل أن  تتم داعش تخريبها  , قضت على الحريات بالكامل ذلك قبل  قبل ولادة ابنتها داعش بعقود عيدة  , مارست العنصرية قبل  داعش , ومارست الطائفية قبل داعش  , تنكرت  عمليا   للديموقراطية  كما  تتنكر داعش لها , واذا كان على  مسيحيي الرقة والبوكمال  وغيرهم من المدن  دفع الجزية , فقد كان على الشعب السوري بمعظمه دفع  جزية  عملاقة  بشكل  براطيل  وبواسطة الفساد  الذي أكل الأخضر واليابس , واذا كان على معظم  مسيحيي الرقة الهروب الى أوروبا خوفا من داعش   , فقد كان على  معظم   مسيحيي سوريا أيضا  الهروب الى أوروبا  خوفا من الأسود  المتوحشة ,   لقد شكل  مسيحيو سوريا عام ١٩٤٦  ٢٥٪ من سكان سوريا  واليوم لاتتجاوز نسبتهم ٥٪  , داعش عنصرية  , والسلطة أكثر عنصرية  , ومن يشك في الأمر عليه  بسؤال مواطن كردي   ليحدثكم  عن  التهجير   القسري  على أساس عنصري , ليحدثكم عن   الحصار الأبدي   بالحزام العربي  وحول الحزام العربي  أتى الحزام العلوي .

فشلت الأسدية  في كل شيئ  اقتصاديا  وسياسيا  واداريا , قضت على المدارس  وعلى  العلم   وأفرغت المدارس من مهماتها  وحولتها  الى  مراكز لاطلاق المسيرات   وللشبيبة  والبعث  والهتافات  والزغاريد  وتمجديد   القائد الخالد  ومن بعده  القائد المؤيد  ,  ومن  كان له امكانية  التعرف على طريقة  امتحانات الشهادة الاعدادية والثانوية  يعرف  القصد مما قيل , حيث لم تكن هناك امتحانات   لاختبار معارف الطلاب  العلمية  , وانما  لممارسة التنقيل  والغش  , ومهما كانت جحشنة ابن   أمين الشعبة أو الفرع كبيرة   فانه سينجح  وبعلامات  عالية  , ولم  يقتصر الأمر على أمين الفرع  أو على  من يعمل في سلك المخابرات أو الأمن  والتهريب  , لقد كان النقل والتنقيل شاملا   وكاملا ..ديموقراطية التنقيل!!!

أما الفشل الثاني  والذي يمثل  ضرورة ملحة  لترحيل الأسدية  فهو عدم مقدرتها  على السيطرة على البلاد تنظيميا واداريا ,لقد ألغت الأسدية القانون وفي  سوريا الآن  تحكم  الميليشيات   , ولكل ميليشيا  اعرافها  ودساتيرها, وحتى الميليشيا المؤيدة  لها استقلاليتها  الكاملة  على شرط ممارستها الدفاع عن الأسد , الشبيحة  تشبح وتعفش  وتقتل وتسرق وتنهب   , ومن مجريميها شكل الاسد جيشا (جيش الدفاع الوطني) , ومن تعفيشها  عمرت الأسواق  ببضائعها ..  كل انسان سوري يستطيع  شراء  غنائم حرب الشبيحة ,  وفي طرطوس على الأقل  هناك العشرات من المحلات  التي تبيع  ماتم سرقته من حمص وحلب   وبدون أي خجل  وبدون أي خوف من الملاحقة  وبدون زيارات  من  أجهزة التموين  أو الجمارك ,  أما عندمايأتي المواطن الى البلاد من الخارج بمناسبة عيد مثلا ومعه  خمسة  احذية جديدة كهدايا  للأقرباء  والأصحاب  , فعليه ” بالترسيم” , وفي احدى  المناسبات بلغت كلفة   الترسيم الرسمي ١٠٠٠٠ليرة , والغير رسمي  ٣٠٠٠  ليرة , أي أن الدولة تأخذ ١٠٠٠٠ ليرة  ورجال الجمارك ٣٠٠٠ ليرة , وقد برر رجال الجمارك  اللطفاء موضوع ال ١٠٠٠٠  ليرة  بتفادي  التحصيل على الحواجز فالأحذية  مجمركة  والايصال جاهز  ولا لزوم للدفع مجددا  على كل حاجز .

أين هو المنطق  في التعاطف مع نظم خربت البلاد  وقتلت البشر  وسجنت مئات الألوف   ومات عشرات الألوف تحت التعذيب   ثم نهبت  الثروات  ومارست الطائفية والعنجهية والديكتاتورية   وأفرغت المدارس من  مهماتها التعليمية   ثم عزلت البلاد وشرشحتها  خارجيا  حيث ارسلت الزعران  ليمارسوا عمل السفراء ..السوقي يوسف الأحمد  يسبسب  في الجامعة العربية   ويسميها الجامعة العبرية , والآخر  بهجت سليمان  سارق المليارات  سبسبب في الأردن  حتى وصل الأمر به الى الطرد  , وقبله تم طرد  نائب وزير الخارجية من لجنة حقوق الانسان  , كذلك  تم طرد وزير الخارجية   وتهريبه من باب الفندق الخلفي في جينيف  , وعن تجارة الشنكليش  والحشيش   وعرق الريان في  السفارات  بباريس ولندن  فحدث ولا حرج , وهل يصدق ذو عقل  على أن ٨٨٪ من الشعب ينتخبهم ؟

لقد دمر الأسد البلاد   ولا تزال  شبيحته تتحدث عن مسيرة الانتصارات التي بدأها عام ٢٠٠٠  , على من   انتصر الأسد وداعش تسيطر على نصف البلاد ؟

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *