من الصعب تحقيق تطور ديموقراطي دون انسنة المجتمع , والأنسنة لاتعني رقيا صناعيا أو تقدما علميا , وانما تعني حصر التفاعلات الاجتماعية بين البشر فقط , اذ أن هذا الحصر يمثل الركن الأساسي لتحقيق مبدأ المساواة , التي تعتبر القاعدة الأساسية , التي يمكنها تأسيس بنية ديموقراطية ..الديموقراطية هي من صنع البشر ولهم , ولا يمكن لمجتمع منفصم بين آلهة أو أشباه آلهة وبين البشر أن يحقق تقدما ديموقراطيا , لأن الركن الأساسي لمجتمع الآلهة-البشر يعتمد على قاعدة اللامساواة بين الآلهة والبشر ,واللامساواة الشاقولية بين البشر والآلهة , تنعكس على العلاقة الأفقية بين البشر , منتجة لامساواة بين البشر …وبالتالي لاديموقراطية .
لقد كان الأستاذ متقلون موفقا في في دمجه لعبارة “الديموقراطية بدأت من مدينة آثينا , عندما أصبح الاله انسانا” في عنوان مقاله المنشور في هذا الموقع الكريم , العبارة تقول لقد انطلقت الديموقراطية في أثينا عند اختفاء علاقة اللامساواة الشاقولية , أي عند اختفاء الآله عن طريق أنسنتهم وتحولهم الى بشر , وبذلك تفعلت المساواة الأفقية بين البشر وبدأت الديموقراطية , لاديموقراطية بين الله والبشر , لأن الله لايساوي نفسه مع البشر .
هناك تعابير شائعة في مجال الفلسفة… فلسفة التأزم وهناك تأزم الفلسفة , ومن الممكن استنساخ ذلك وتطبيقه على موضوع التأزم الذي بحثه الدكتور متقلون ,فهنلك تأزم الحضارة , وهناك حضارة التأزم , والديموقراطية , التي هي من أهم مكونات الحضارة , تعثر بنائها بشدة في مجتماعاتنا , فهل سبب تعثرالبناء الديموقراطي هو تراكم الأزمات (التأزم المزمن ) ؟ , أو أن سبب تراكم الأزمات (التأزم المزمن) هو تعثر الديموقراطية , الذي سببه تقاسم البشر لمسؤولية تنظيم حياتهم مع الآلهة وأشباههم ؟؟
أميل الى الاعتقاد بنوع معين من السببية , نوع يجعل من التازم نتيجة لتعثر وتعذر الديموقراطية , في مجتمع يتقاسم مع الآلهة المسؤولية على تنظيم وتطوير حياته , التأزم هو تعبير عن تراكم الأزمات , والتراكم يحصل عادة عند عدم وجود المقدرة على معالجة أزمة أو مشكلة حدثت , حيث تبقى الأزمة معلقة بدون حل ويحدث التراكم , فحل الأزمات يتطلب قوى مجتمعاتية , من أهمها قوة الديموقراطية , أما عندما لايوجد مجتمع بالمعنى التعاقدي التضامني التكافلي , وعندما تتواجد جماعات متعددة متفرقة هائمة لارابط تعاقدي تضامني تكافلي بين بعضها البعض الا الجيرة والقرب الفيزيائي والولاء للاستعمار الالهي , يتعذر بناء ديموقراطية , وبالتالي تفتقر هذه الجماعات الى القوة والتي تمكنها من حل الأزمات , والاستعمار الالهي , الذي ليس بالضرورة استعمار سماوي , وانما في معظم الحالات أرضي (تأليه) , هو الصخرة التي تتفتت عليها الفكرة الديموقراطية وعليها يتهدم كل مشروع ديموقراطي .
لايوجد تطور مجتماعاتي دون الاصطدام بعثرات , تسمى مجازا أزمات , ولا توجد عثرات داخلية فقط , وانما خارجية أيضا , وكل العثرات هي داخلية – خارجية خاصة في زمننا هذا ..زمن التشابك والتداخل ..الحبكة الاقليمية هي جزء من الحبكة العالمية , لذا لا أستطيع أن أفرق بين الفشل في علاج قضية فلسطين مثلا وبين الفقشل في ايجاد حل لأي عثرة أو مشكلة أخرى .. اقتصادية كانت أو سياسية أو غير ذلك , حل كل أزمة كبيرة أو صغيرة يتطلب توظيف القوى المجتمعاتية , ومن أهمها القوة الديموقراطية , حيث تدعي الأنظمة العربية انها تخلت عن الديموقراطية طوعا , أو أجلتها لأجل غير مسمى , قاصدة تحرير فلسطين أولا , وبعد التحرير تتفرغ الأنظمة للبناء الديموقراطي !!تذهب الى الحرب بدون سلاح لتنتصر ! وبعد الانتصار تقتني السلاح ..كيف تستقيم معالم هذا التفكير مع بعضها البعض ؟؟
بشكل عام يمكن القول , ان التأزم ليس سببا لانعدام الديموقراطية , وانما نتيجة لانعدام الديموقراطية , وانعدام الديموقراطية هو أحد أهم أسباب التأزم , مع العلم على ان بعض معالم العلاقة بين السبب والنتيجة تختلط مع معالم الدورة المعيبة ..فالتأزم الذي يصل الى درجة عالية جدا يصبح عائقا للبناء الديموقراطي , مع العلم على أن التأزم هو أصلا نتيجة لفقدان البناء الديموقراطي ,بالرغم من كل ذلك لا أستطيع الجزم باستحالة الديموقراطية في الشرق العربي مستقبلا, مشروع الديموقراطية هو مشروع صعب جدا .
كانت تلك بعض الخواطر حول بعض أفكار مقالة الدكتور متقلون المشكورة .
عزيزي الدكتور (m.bitar) أعتذر أني تأخرت بالعودة الى مادتك ولكني مشغول جدا هذه الأيام نظرا بأننا بمرحلة الامتحانات الجامعية. أطلعت د. رياض متقلون على ما كتبته عن مادته ( بعنوان :ديمقراطية المأزوم الفــوضـــى أم ديمقــراطيـــة الأزمـــات؟ “لأن الديمقراطية بدأت في مدينة أثنيا اليونانية عندما أصبح الإله إنسانا. ) وأعتقد أنه يحضر متابعة أو ردا على مادتك. مع الاحترام والتقدير.