الآنسة حليمة والمسيرة الميسرة

نسمع كثيرا في هذه الأوقات عن المسيرات السورية , من مليونية الى أكثر أو أقل , وبغض النظر عن اشكالية العدد الذي يمكن مطه حسب المزاج والضرورة , الا أن كيفية تنظيم المسيرة وتسييرها يبقى اختصاصا سوريا وستالينيا بامتياز . واليكم بعض ملاحظاتي :
السلطة بحاجة الى الشارع , لذا يجري تنظيم المسيرات , وتنظيم المسيرات يقتضي طرح أكبر عدد من المسييرين في الشارع , والمسييرين هم موظفي ومستخدمي الدولة , ومن أهم هؤلاء وأكثرهم عددا وأقلهم قدرة على التملص هم طلاب المدارس والتلاميذ , حيث يجري نقل هؤلاء الى مكان المسيرة , وحيث يطلب من التلاميذ وغيرهم ترديد هتافات معينة , ولا يزال صدى أصوات اطفال مدرسة ابتدائية يدوي في أذني … الله ..الله ..قادر , يحمي بشار وماهر !.
الاعلام الرسمي يقول بلهجة لاتعرف الخجل .. انطلقت جماهير الطلاب معبرة عن وفائها للقائد سيد الوطن , ومستنكرة الهجمة الاستعمارية خاصة تلك التي نظمها الحمار حمد والجزيرة الخنزيرة , وقد عبر تلاميذ المدرسة (الابتدائية ) بكل وضوح عن موقفهم السياسي من الأزمة الحالية وعن سرورهم بحزمة الاصلاحات التي أطلقها الرئيس بعد ستة أيام من بدأ الاحتجاجات .
حسب تعريف ادارة المدارس , فان عدم المشاركة في المسيرة هو خيانة للوطن , وعدم المشاركة يعني العقوبة , والآنسة حليمة مدرسة الرياضة في مدرسة اعدادية , والتي هي ماديا أكثر يسرا من غيرها , تعرف كيف يمكن تفادي السير في المسيرة , تتمارض وتطلب احالة للفحص , ثم تذهب الى مستوصف الدولة , حيث يقبض الطبيب من تحت الطاولة 300 ليرة سورية , ويكتب لها تشخيصا لمرض ما ومدة تمارضها ثلاثة ايام , واذا ارادت ان تتمارض لفترة أطول , يجب احالتها الى اللجنة , حيث تصبح الرسوم اكبر .. 1000 ليرة سورية وحتى أكثر في هذه الأيام , والسبب هو ارتفاع الأسعار ..مازوت بندورة وغيرهم من المواد …اسعار المرضيات معروف عند الآنسة حليمة وغيرها من الأوانس . شهر من التمارض يكلف 3000 ليرة سورية , من يدفع يستطيع الذهاب الى بيته ..مريض !
اما عن العواقب النفسية التربوية لتسيير التلاميذ وللقضاء على عقلهم , فالنظام غير مهتم كثيرا , المهم هو النجاح بقذف هؤلاء الى الشارع وتصويرهم واستخدامهم دعائيا حسب الطلب والحاجة ..والى مسيرة أخرى باذن الله واذن ميسر ومسير المسيرات .
ومن يجول في شوارع دمشق يجد الكثير من الاعلانات التي كتب عليها ..انا مع القانون ..همي همك !! ثم يرى قوافل من المحجبات (منديل أبيض وكبوت أزرق ,قبيسيات ! ) وهم يحملون اللافتات المستنكرة للجامعة العربية والمؤيدة للرئيس وللنظام , ويقع في الكثير من الاستغراب ..هل في هذه الممارسة احترام للقانون وللانسان ؟ هل يمكن اعتبار ذلك اغتصابا للطفولة , وهل يستطيع طفل بعمر تسعة أو عشرة سنوات أن يكون له رأي سياسي , وهل يمكن للطفل استيعاب وفهم مشاكل البلاد؟ , وهل تعطيل المدارس , والتجول في الشوارع هو خدمة للوطن ؟ واذا كان الجواب بالنفي , فلخدمة من يقوم النظام بسلب الأطفال طفولتهم ,

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *