الشرف الذي انتحر في قندهار …!

 

ممدوح بيطار , ربا منصور :

         طوال سنين لم يتوقف المجتمع السوري عن تقديم المفاجأة تلوالأخرى , وكل مفاجأة كانت أسوء من سابقتها , انفلات الهمجية بما يخص القتل والتدمير والسحل والصلب والخطف والتعفيش كان مفاجأة كبيرة ألغت الكثير مما روج عن عقلانية المجتمع السوري , عودة مفاهيم سفر برلك بدون أي خجل واصطياد الناس لزجهم في أتون الموت كان مفاجأة من النوع المحزن ,احداث الحرب الأهلية برهنت ان الذي سمي وطنا كان ” شخصا ” ليس جديرا بالتضحية من أجله , , لا أعرف تمظهرا حضاريا لهذا الشعب في السنين الأخيرة ,شعب امتلك فائض من أسباب الثورة يثور , ثم يقضى على ثورته خلال شهور ,شعب مفصوم ومفطوم على الدجل ثم التلفيق والتصفيق نصف قرن للديكتاتورية ,لا نستغرب بعد الآن أي تظاهرة انحطاطية من قبل هذا القطيع !
يتسم معظم ما حدث في هذه البلاد بميزة “العنف” ,ان كانت همجية التحارب أو سوق شباب قسرا الى الحرب أو هروب الشباب الى دول مجاورة هربا من التجنيد الاجباري , وحتى الفساد هو عنف والمادة الثامنة كانت عنف , بيع النساء وتعدد الزوجات عنف لايوصف, أما العنف الذي نريد أصلا التحث عنه فهو عنف ممارسة جرائم الشرف , اليست مفاجأة عندما يقال بأن سويا تتصدر كل دول العالم بارتكاب جرائم الشرف , التي هي عنف حلال كما يقال !.
هل هناك مخلوق مؤنسن يمكنه اعتبار قتل المرأة على خلفية الدفاع عن الشرف أمرا أخلاقيا , وهل هناك من مخلوق مؤنسن يمكنه اعتبار القانون الذي لايعاقب مرتكب الجريمة كمجرم ,نعم !كل ذلك سوري والممارسة التي تتصدر بها سوريا العالم هي ممارسة سورية , والقانون الذي يشجع بشكل غير مباشر هذه الممارسة هو قانون سوري , لذلك يمكن القول بأن المجتمع السوري هو مجتمع “المفاجأة ” هو مجتمع التمويه والتزوير ,هو مجتمع تناقض القالب مع القلب,مجتمع البدلة الرسمية فوق الجلابية,مجتمع الغش والادعاء!! .
تنجم ممارسة جريمة الشرف عن غياب كامل “للشرف” عند مرتكبها ,عنف يشجعه خلل كبير في التوازن العقلي -الاجتماعي , تشجعه ثقافة التمييز بين البشر ووضع المرأة في مرتبة أدنى من مرتبة الرجل بدرجات ,تشجعه ثقافة الخرافة والتقاليد والأعراف العمياء , تشجعة نذالة الذكورية التي فشلت خارج منظومة البيت في التحول الى رجولة , لذلك على الرجولة التحول في البيت الى ذكورية حيوانية تريد الانتقام من المرأة لأنها تعلمت بعض الشيئ , ونهضت بعض الشيئ, وتحررت بعض الشيئ وتريد الاستقلال بعض الشيئ ,تريد البرهنة على أنها ليست “شيئ” يشترى ويباعع ويتم تزويجه قسرا ,المرأة وكل انسان لايقبل طوعا “تشييئه” والتعامل معه كبضاعة , الذكر الوحش يرى في تقدم المرأة تأخره وتناقص امتيازاته بخصوص تملكه للمرأة والوصاية عليها , محاولة تمردها على الحياة في القفص هو بمثابة الحكم بالتصفية التي يمارسها ذلك الحيوان المذكر في العديد من الحالات “مشهديا” وبكل فخر واعتزاز .
الخلفية الأكثر تواترا في جرائم الشرف هي زواج المرأة من رجل لاتريده منظومة الأسرة الأبوية , أو انشاء علاقة مع رجل خارج نطاق الزواج الرسمي , والقتل دفاعا عن الشرف يتم عادة من قبل أقرباء الضحية , الأخ يتصدر عادة قائمة المدافعين عن الشرف المعطوب , تصوروا تلك المعادلة .. أخ يذبح أخته من الوريد الى الويد لأنها تزوجت شخصا لاترغب الأسرة به ,كونها شخصيا ترغب به هو أمر لاقيمة له لأنها ليست “شخصا” وانما شيئ فقط .
لاتقتصرالكارثة على عملية القتل الفيزيائي بالذبح , هناك اشكال أخرى للفتك بالمرأة التي تعترض على وضعها في مرتبة أدنى من مرتبة الرجل ,هناك الاغتيال الاجتماعي والقتل المعنوي وقائمة طويلة من العقوبات التي يجب تطبيقها على المرأة المعترضة والمتمردة , فما يخص المرأة في تعريضها لعنف الاغتيال والتصفية هو فرع من فروع ظاهرة التعنيف التي تحاصر الانسان السوري من ستة جوانب على الأقل! القتل المعنوي هو بمثابة تمويت بطيئ للمرأة لتي يعتبرها المجتمع الجاهل “معطوبة “, يحاصرها ويذلها ويمتهن كرامتها ويدفعها بالنهاية الى وضع حد لحياتها .. انه الانتحار وكأننا في قندهار

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *