ممدوح بيطار, سيريانو سيريانو :
خطأ العرب التاريخي منذ الفتنة الكبرى ,كان خلط الفقهي – الديني بالسياسي, الذي تجلى في شخصية الخليفة, الذي جمع بينهما في شخصه , في سياق تلك الخلطة او الجمع تمكن الفقه القديم من الهيمنة على الحاضر على يد احزاب وفئات مختلفة كالاخوان والبعث والعروبيين , كان الفقه الديني ذلك الطنبر الذي جره بغل السياسة , والسياسة كانت ذلك الطنبر الذي جره البغل الفقهي , النتيجة كانت ولحد الآن عدمية وسيئة ,عبث ,فشل ,تأخر ثم عنف وحروب لانهاية لها .
أساء الخلط والتشابك للسياسة وللفقه بأن واحد , وقاد بالنتيجة الى تحجر كل منهما , تحرك الفقهاء تارة لدعم شعارات سياسية مثل شعار امة عربية واحدة , الشعب العربي العظيم , بعث الأمجاد العربية من جديد ألخ , وتحركت السلطة السياسة تارة أخرى لتكريس مآرب الفقهاء , على سبيل المثال التأثير على قانون الأحوال الشخصية , او تدريس مادة الدين في المدارس , ثم ادخال المادة الثالثة من الدستور بخصوص دين رئيس الدولة ,اضافة الى التأكيد على أن الشريعة مصدر الدستورالخ ,أي أن تسيد الشرع الديني تم بمساعدة السياسة ,وتسيد رجال السلطة السياسة تم على يد رجال الفقه والشرع , بالنتيجة جمد كل منهما الآخر وأضر كل منهما بالآخر .
تناوبوا على ترويض الشعوب بموجات من التهم , فمن جهة السياسة كانت تهم الخيانة والعمالة والرجعية وبيع القضية والتخوين جاهزة الخ , من الجهة الفقهية -الدينية كانت هناك اتهامات مقابلة مضمونها التكفير والزندقة والردة والمروق وغير ذلك , كل ذلك كانت أصلا اتهامات فقهية جاهزة عبرت عن خلافات سياسية , ثم اتهامات الجهة الأخرى كانت اتهامات سياسية جاهزة عبرت عن خلافات فقهية ,نقد بعض الزعامات السياسية كان في جوهره فقهي ديني , الا أنه غلف بغلاف سياسي , فتلك الزعامة كانت سيئة سياسيا بسبب انتمائها الديني , هكذا عارض الاخوان أي زعامة لاتنتمي الى اتجاههم المذهبي!بدعوى اعتداء الزعامة على الحرية والديموقراطية , دون أن ينحرجوا من كونهم مبدئيا أول وأعتى أعداء الحرية والديموقراطية .
حتى ان مشكلة اسرائيل -فلسطين خضعت الى نفس المبدأ , يدعي العديد من رجال العمائم بأنه لاعلاقة للعداء مع اسرائيل مع احتلال فلسطين والاستيطان بها , انما مع بني قريظة واحفاد بني قريظة , انهم بذلك ينقلون الصراع من الماضي المذهبي الى الحاضر السياسي , وذلك على افتراض ان المشكلة الاسرائيلية – الفلسطينية كانت مشكلة سياسية أصلا , من جهة أخرى كان موقف الاخوان الداعم والمؤيد لاحتلال الشمال السوري من قبل الاردوغانية سياسي شكلا, أما في جوهره فقد كان فقهي ديني , فالاحتلال أمر سياسي ,بينما جوهر الولاء والبراء في قضية الاحتلال كان ديني , ترى المشكلة الفلسطينة -الاسرائيلية السياسيىة من قبل البعض من منظور الكفر والايمان , فمن أحتل فلسطين كانو كفرة , اضافة الى كونهم في المنظور السوقي قردة وخنازير .
فهم وحل مشكلة فلسطين يتطلب موقفا فكريا سياسيا عقلانيا اخلاقيا يمكن مناقشته , لايمكن مناقشة الخطاب الأبله بخصوص ابناء القردة والخنازير أو الكفر ,هذه مونولوجات تعود الى 1400 سنة , هدفها اثارة العواطف والعنصرية الدينية والعرقية , مونولوجات ليست من صناعة العقل , وحل المشكلة لايتم الا بالعقل!
يعتبر تشابك وتقاطع الفقهي الديني مع السياسي من أهم المشكلات في العالم العربي , فالفعل السياسي ليس من جنس الفعل الفقهي ويتناقض مع بديهياته ولا ينسجم معه , ولكنه تجذر في وجدان الانسان العربي بما يخص مفهوم الدولة الحديثة , الذي تجاذبته قديما مفاهيم حديثة بعض الشيئ نقلا عن الفارسية والبيزنطية , ومفاهيم قبلية بدوية بمسحة دينية ,الأمر بقي بخطوطه العريضة بعد ولادة الدعوة كما كان قبلها بدوي بامتياز .
ازمة الحاضر شبيهة بأزمةالماضي , ففي الماضي عجزت جلسة السقيفة عن اختراق حصون وحصار البدوية , مما قاد الى استيلاء القديم القبلي على عقول جماعة السقيفة وعلى مفهوم الأمة , وفي هذا العصر عجز الحاضر ان يثبت نفسه بأفكار وممارسات جديدة , مما مهد الطريق امام التراث القديم لاحتلال الحاضر, قديما كان هناك خوارج وحديثا هناك خوارج , هناك نوعا من الوفاء لما تراكم في العقول من ممارسات ماضوية قبلية عشائرية , مثل التطرف ومصادرة الحقوق والأفكار والحريات والرجوع الى النصوص لشرعنة ممارسات الشر .
يصاب الانسان بالاحباط بسبب الانحطاط , الذي ابتلى العرب به , انحطاط ألبس كل من الفقه والسياسة جلابية الآخر , الاجابة على السؤال السياسي أصبح فقهي ديني والعكس صحيح , فالتكبير يترافق مع طلقات المدافع كتوأم , كنزعة أو منظومة ثنائية , احبطت التقدم والحداثة وأحيت التأخر والتعاسة !