هناك من ينفجر عاطفيا بمجرد طرح موضوع يتضمن نقدا للعروبة وللغزوات , بالنسبة لهؤلاء تمثل العروبة وغزوات بدو الجزيرة تحت الراية السوداء أمرا مقدسا متعضيا في جسد ووجدان ونفس العروبي البدوي , لقد قيل ان دوافع اي نقد في هذا المجال ليست سوى الكره والحقد , والبعض طور هذه الفرضية بالتماهي مع المظلومية المؤسسة على جحود وعدم اعتراف من بقي على قيد الحياة من شعوب المناطق المفتوحة بالجميل العروبي البدوي , الفضل للتسامح البدوي ببقاء البعض من الأمازيغ والأكراد وغيرهم على قيد الحياة , اذ ليس لناكر هذا الجميل الحق بالحياة على أرضه وفي بلاده , التي تحولت بحكم مفهوم الحق البدوي وأعراف غنائم الحرب الى أرضهم وبلادهم , أصلا لاحق لك بشيئ , فالمكرمات الفتوحية والعهدة العمرية أمنت لك المأوى والاقامة في بلادك , وماذا تريد ياناكر الجميل أكثر من ذلك ؟؟, الأفضل لو دفعت الجزية وأنت صاغر وعن يد وتقيدت ببنود العهدة العمرية, كل ذلك أفضل بدرجات من بتر رأسك! . هذا هو ضميرهم , أي المركب الفكري والنفسي والأخلاقي , الذي علينا أن ندرك من خلاله مفهوم الحق والباطل , أي العالم والغير بشكل عام , سمحنا لبعضكم بالبقاء على قيد الحياة , لذا فمن واجبكم , ليس فقط الاعتراف بالجميل , وانما الانصياع لأسيادكم , اننا الغلبة الغالبة والى الأبد !!.
أميل الى الاعتقاد بأن الاخونج اي البدوية العروبية من حيث المسلكية والخلفية الفكرية عبارة عن فئة مستقلة , كالعديد من الطوائف والمذاهب والفئات الأخرى , طائفة غاصبة متأزمة , ومصدرا لانفعالات غريبة عجيبة , هذه الطائفة البدوية ترفض الغير , وتعتبر نفسها متفضلة عليه , لأنها طائفة الحضارة الورائية , فمن لايتقبل مايريده الاخونج يجب محاربته بالسيف عند الضرورة والمقدرة , لكن السيف صدأ ولم يعد يعمل , لذلك يجب اخضاع الآخرين بوسائل أخرى مثل التهديد والاستعطاف , كتذكير سكان البلاد المفتوحة , بأن بقاء المشركين على قيد الحياة مرهون بارادة المؤمنين وتسامحهم , لذا اياكم والتمرد او العصيان , حبل التسامح مع الجاحد قصير …احذروا قد اعذر من أنذر!!! هذه هي الفاشية اللفظية التي لاتختلف عن الفاشية الدموية بشيئ .
لالزوم للتحدث باسهاب عن الفاشية الدموية والعنف الجسدي , الذي تمت ممارسته من قبل الفاتحين بشغف شديد , ذبح مئات الألوف وتلوين مياه الأنهار بالأحمر من دمائهم لم يعد ممكنا كما كان في الماضي , السيف الصدئ لم يعد مسلولا كما كان في يد ابن الوليد ويد عقبة بن نافع , العنف الفاشي اللفظي الآن ممكن ,وله خلفيته الفكرية التي تسمح به , هذا اضافة الى كونه متجذرا في نفوس البعض, كمسلكية تعبيرية لممارسة العدوان على الغير, ثم استرخاص حياتهم وحريتهم, من حيث اعتبار هذه الحياة والحرية ملكا للفاتحين , قتل المشركين ذبحا كان الشيئ الطبيعي المفروض نصا وعقيدة , الاستنكاف عن قتل الآخر كان الاستثناء والشواذ , وممارسة الاستنكاف عن القتل كان مؤشرا لنوع من التكارم الغير مألوف في مجتمع البداوة , لابل يرى البعض بهذا الاستنكاف نوعا من التخاذل في الحرص على مصالح المؤمنين , أي أنه الخطأ بعينه , لو تم تطبيق مبدأ بني قريظة على جميع المشركين في البلدان المفتوحة, لارتاحوا في القبور واراحو المؤمنين .
للتذكير بالجحود والتنكر للجميل مهمة استعطافية , فالسيف لم يعد يفعل , والصدمة الحضارية , التي جلبت معها البرهان عن ضعف مطلق , افقد احفاد بدو الجزيرة التوازن , انهم يترنحون الآن مخمورين بالايمان والقطعية أمام قوة الغير, التي لاسبيل لمواجهتها , يترنحون أمام مذلة الجوع والفقر والاضطرار للتطفل على موائد الكفرة , بعد فقدان غنائم الحرب أصبح الوضع مذري , ولم يعد بامكان المكابرة تمويهه .
لم يبق سوى الاستعطاف , والمطالبة بتسهيل اجراءات اللجوء , المفارقة كمنت في كون ممارسة الاستعطاف فصامية , يهربون من واقع معيشي مؤلم ومجحف , ويريدون اعادة انتاج هذا الواقع المؤلم في البلدان والمجتمعات , التي لجؤا اليها , يعتبرون لجوئهم فتحا ونشرا للعقيدة الحنيفة , وجودهم على موائد الغير كان للهداية , كما عبر عن ذلك وزير اردني سابق (محمد القضاة ) بقوله لم نخلق للعمل , انما للهداية والتبشير بحياة من نوع الحياة التي هربوا منها .