ممدوح بيطار :
يعرف التاريخ منذ البدء وحتى غزوة اردوغان للشمال السوري , ثابت الصراع بين الشر والخير , لم يعتبر احتلال بلاد الغير واخضاع شعوب هذه البلدان لارادة المحتل , مهما اختلف وتباين مضمون هذه الارادة, يوما ما فضيلة وخير , فالاحتلال او الفتح كان دائما شر , أكده حتى الخليفة عمر بن عبد العزيز , عندما أمر بايقاف الفتوحات , ليس الا لأنها شر مارسه بقية الخلفاء , وبرره غيرهم بشكل غير مباشر مثل لوبون , يروى عن لوبون قوله بأنه لم يجد أرحم من الفاتحين العرب, لقد جمع لو بون الضديات مع بعضها البعض , وبذلك اغتال المنطق والأخلاق , منطقيا لايستقيم الجزء الأول من مقولته مع الجزء الثاني , فالفتح شر مطلق لايستقيم مع الرحمة , التي تعتبر خيرا مطلقا , الفتوحات واخضاع الغير بالسيف ينفي الرحمة بالمطلق ,احتلالات عمر ابن الخطاب اينما كانت هي شر مطلق متوج بانحطاط العهدة العمرية المطلق .
أما المشكلة مع الأخلاق فأوضح , من يمارس هذا الجمع بين الضديات , انما يروج للاحتلالات ويبررها , وبذلك يمثل نسخة بشرية اسوء من نسخة ابن الوليد او القعقاع أو هولاكو او بن نصير وغيرهم ,أساءت الفتوحات للآخرين , ولكنها أساءت للفاتحين بدرجة كبيرة , وللبرهان على ذلك يكفي القاء نظرة عابرة على حال احفاد الفاتحين هذه الأيام , انهم يعفشون كاستمرارية لعقلية غنائم الحرب , انهم بمنتهى التأخر وسوء الأخلاق كاستمرارية لسوء اخلاق الغزوات وانحدارها الحضاري , انهم عنفيون كاستمرارية لعنف الفتوحات , انهم جائعون لأنهم لايعملون , ولم يدركوا قيمة العيش من الانتاج (ثنائية العيش والانتاج), لقد سرقوا بحد السيف , لذلك كانت بيوت المال الأموية مليئة بالغنائم من مال وجواهر وغير ذلك وكانت ثروة المصطفى عملاقة ملياردية , ليس من العمل انما من السطو على مال وممتلكات الغير , بعد توقف الفتوحات حل بهم الفقر !
لا أختلف مع أحد حول وجود تباين بين الاحتلالات والفتوحات , اي تباين بين درجات الشر , هناك على سبيل المثال تباين كبير بين الانتداب الفرنسي وبين الاحتلال العثماني لسوريا , الا أن هذا التباين لايغير من طبيعة الشر , ولا يحول الشر الى خير , التباين هو في درجة الشر فقط , الاحتلال سرقة واغتصاب , انه شر مطلق , ولا تعرف السرقة والاغتصاب سياقا تاريخيا مبررا لها , لم تكن السرقة والاغتصاب استثناء , انما ممارسة مستمرة واجهتها وتواجهها لحد الآن ارادة الخير الممثلة بعدم ممارسة الاعتداء على الغير ,
الآن صدأت السيوف , ولم تعد لها تلك الفاعلية في السلب والنهب , لم يعد هناك سوى التطفل على الغير , يبدو وكأن التطفل ايضا على أواخره , لايطاقون بالرغم من التعاطف الشديد معهم بسبب جوعهم , هكذا تطور وجودهم في اوروبا كلاجئين , تحاول أوروبا التخلص منهم بشتى الطرق, لايعملون ويريدون البقاء على العلف والمعلف , ولم يدركوا ان أوروبا لاتتقبل حياة المعالف .
لقد كانت المعارك التي خاضها بدو الجزيرة مدفوعة من رغبة الاستيلاء على الغنائم والسبايا وتقسيمها مع المصطفى ثم مع الخلافة بنسب مغرية بالنسبة للبدوي الممتهن لكار التقاتل والقتال والسلب والنهب , رجال عاشوا ابدا على حافة الجوع , خرجوا من الصحراء الجرداء القاحلة بأفق ريعية مادية جديدة , النسبة المحترمة أربع أخماس لهم وخمس للمصطفى او الخليفة شجعتهم وأغرتهم , ولأنهم متمرسون على البطش والقسوة والاجرام والتنكيل والغلظة ثم البربرية , لذلك ابلوا بالاعداء ,الذين أهتموا بأمور حياتية أخرى وليس بالعسكرة والحروب والقتل بالدرجة الأولى , هكذا يمكن تفسير نجاحات هولاكو الحربية ونجاحات محمد الفاتح ثم ابن الوليد وابن نصير وابن زياد والقبائل الجرمانية وغيرهم من الجماعات البربرية .
الغزو لبى حاجات البدو الريعية , لذلك سمي اقتصاد المغازي , لم يحاربوا من أجل العقيدة والدين ,لأنهم في ذلك الوقت لم يفهموا الدين ولم يفهموا العقيدة , ولم يكن هناك كتب دين , ثم انهم كانوا اميون , ولم يكن بين الغزاة رجال دين ,شرخبيل لم يكن رجل دين , وخالد ابن الوليد كان رجل حرب وسيف واغتصاب فقط , غيرهم كان مثلهم,لقد استولوا بالسيف وابتلعوا حقوق واراضي الغير الحضرية , وتعاملوامع سكانها معاملة وحشية تعسفية (كتاب حسام عيتاني ), لم يأتوا الى بلاد الشام المتقدمة حضاريا عليهم بدرجات , كما تصفهم الكتابات التبجيلية , لنشر المساواة والحضارة بين الناس , وكيف يمكن تحقيق المساواة بين السارق والمسروق ؟؟ , بين المعتدي والمعتدى عليه , وبين المظلوم والظالم , الذي انحصرت خياراته بالنسبة للمظلوم بالأسلمة او دفع الجزية عن يد وهو صاغر أو المواجهة الحربية.
لايتغير أمر الاجرام وحتى لو صدقنا مسألة نشر الرسالة , انها عندئذ رسالة اجرام , لاتعرف التجمعات البدوية المعتاشة من السرقة والعنف مايسمى مساواة خاصة في عصر الخلافة , لامساواة في الدين, وهل يستوي المؤمن مع الكافر !!! , انما عدل , اي عدلهم او عدالتهم المخصصة لأجل احقاق حقهم والحرص على مصالحهم .
الاطار النظري وخطة العمل الاستعمارية العنصرية التملكية , وجدت مكانها في العهدة العمرية البربرية , التي عبرت عن شروط استسلام المهزوم للمنتصر , كانت املاء وقسرا لاشبيه لبربريته, أعجب من انسان يتقبل شروط هذه العهدة لابل يمتدحها , فهي املاء وقسر تحت حد السيف , لا علاقة بين العهدة وحقوق الانسان حتى في ذلك السياق التاريخي , ولم تكن ممارسة الغزو يوما ما فضيلة , وليس من حقوق الانسان تقبل شروط الغازي , للأسف لم تمض العهدة ولم تنقرض ,تجددت على يد التراث , لاتزال روحها تحوم في هذه المنطقة وتقضي على كل مساواة وحياة اجتماعية , كما كان في الجزيرة سيكون في سوريا وغيرها كالعراق والسودان ومصر ,اسألوا الشيخ حمداش والسيد عطاف محمد , كاتب التعليق الفصيح عن الفتوحات وشرعيتها !!!