هناك طبائع خاصة بالاسلاميين تميزهم بشكل واضح عن غيرهم , وكأنه لهم كروموزومات خاصة بهم , ما يلفت الانتباه هو امكانيتهم الخارقة في ممارسة تجاهل بعض مايقدم لهم من أفكار , وكأن تجاهل الفكرة دلالة على عدم وجودها , يتجاهلون كل شيئ ماعدا الظن بأن كل مايكتب مخصص للهجوم على الاسلام وبالتالي انتهاك المقدس , فنقد تعدد الزوجات هو انتهاك للمقدس , وانتقاد القوانين السيئة والمجحفة بحق البعض هو اهانة لمشاعر المسلمين , فلطالما للقانون مرجعية اسلامية لايجوز نقده احتراما لمشاعر حوالي مليار ونصف مسلم على الأقل , …كلهم ثقة بأن المليار ونصف مسلم يقفون “صبة” واحدة وراء القانون ومرجعيته الدينية , ولا يشكون اطلاقا بوجود من لايناسبه هذا القانون وبالتالي ينقده عند التمكن .
من أين أتى ذلك اليقين بوجود ذلك التجانس المطلق بين مليار ونصف مسلم ؟
هناك عدة مسببات لهذا اليقين المطلق , مثل النظم الأبوية البطريركية المسيطرة على المجتمع وتفكيره , للظن بوجود ذلك التجانس بين مليار ونصف مسلم علاقة بوجود التجانس في الأسرة في البيت وتحت اشراف سلطان البيت الذي هو رب البيت , الأسرة دولة والدولة أسرة ورب البيت هو رب البلاد …فالمجتمع الأبوي هو ببساطة عبارة عن نقل خواص الأسرة الى المجتمع , اي اسقاط النظام الأسري العائلي على الدولة !.
يتعلق يقينهم بتجانس مليار ونصف من البشر وغير ذلك من اليقينات الدوغماتيكية بمحدودية الفكر , فالفكر محدد بحدود الآية , الفكر يتوقف عند حدود الآية التي لايجوز خرقها أو تجاوزها , مما قاد الى الانسداد والتقوقع ضمن حدود لايجوز تخطيها , أي ان الفكر يتواجد عمليا في سجن , والسجن سجن ان كان زنزانة او رحاب مهجع لمئة شخص , لذا نراهم يبررون ويؤولون وينفون ويشجبون ويؤيدون وكل ذلك ضمن حدود الآية , فالآية قاهرة في تطرفها المتوحش وفي عدم موضوعيتها وريائها , الرياء بالترغيب المخاتل الكاذب بنعيم الجنة , والتوحش في تطرف الترهيب المرعب بجهنم , هنا ينسحق الانسان بين مطرقة الترهيب وسندان الترغيب ,ويتحول الى مفعول به بوعود وأحلام وتهديدات لايقوى على رفضها ولا يتجرأ على مقاومتها , يتحول الى مخلوق الشلل بدون فعل او فاعلية .
هناك مفارقة بخصوص الوطن والمواطنة والوطنية , يعيشون في اوطان عيشة قسرية , اذ لم يبد التراث الذي يعيشون في ظله اهتماما ملموسا بالوطن الأرضي والوطنية , فلا لاوجود في الأدبيات الاسلامية مايستحق الذكر عن الوطن والوطنية , يبدو وكأن الاسلاميون يرون في اسلامهم وطنا وفي ذاتهم الاسلامي مؤمنين أي مواطنين , هذه اشكالية مفصلية في بناء الوطن والمواطنة في هذا العصر , الذي لامكان به لكيانات عتيقة ميتة من نوع المذهب دين ودولة , تنكر الاسلاميون للوطن والوطنية له اسبابه , التي منها تنكرهم لما هو جديد , ومفهوم الدولة والجمهورية هو مفهوم أوروبي جديد نسبيا بالرغم من بلوغه حوالي 500 سنة من العمر ,ولا يزال لحد اليوم خاضعا الى أحكام التطور والتبلور , الوطن صنم, لايجوز له منافسة الله , ثم أن مفهوم الخلافة بحدودها الديموغرافية لاينطبق على الوطن-الدولة بحدودها الجغرافية .
لاوجود لمفهوم المواطنة الأرضية في رؤوسهم , أي انهم بهذا الموقف يتوضعون خارج التاريخ , الذي يعرف ومنذ مئات السنين تشكيلا اسمه “الدولة” والوطن والمواطنة , وللتوضع خارج التاريخ عواقب , هناك من يريد البقاء في التاريخ وصناعته , والأزمة الحياتية حتمية بينهم وبين من يريد الخروج من التاريخ , حيث لا امكانية للتفاهم بين من يريد الانتحار تاريخيا وبين من يريد البقاء حيا في التاريخ , لذا لابديل لديهم من خيار الاستبداد والاستعباد والاقصاء والاخضاع بالقوة , فمفاهيمهم تتعارض مع مفاهيم الديموقراطية الانتخابية التي تفرز الحكم وتجعل من الحاكم خادما للشعب ومسؤولا أمام الشعب, الحاكم حسب مفاهيمهم خادم لله وموكلا من قبله ومسؤولا أمامه , ولا علاقة للشعب بكل ذلك .
لايقتصر اغتصاب الاسلاميون لمفهوم الدولة , انما يشمل الفكر , والفكر يتميز عن المعرفة بكونه خلاق,أي أن مهمة الفكر الأساسية هي خلق أفق جديدة في الحياة , ومن المألوف تمايز الآفاق الجديدة عن القديمة , ومن المعروف أيضا بأن الاسلاميون لايرحبون بالجديد لأنهم يعتبرون القديم صالح لكل زمان ومكان , هنا لامناص لهم من التكفير , ليس لأن الجديد سيئ وانما فقط لأن الجديد غير القديم …أليست فكرة العلمانية التي اكتسحت العالم جديرة بالبحث والتدقيق , أليس مفهوم الوطن والمواطنة والدولة والديموقراطية جديرة بالتفكير وحتى التطبيق !!! انهم يتجاهلون عامل التطور في الحياة , وبالتالي يتجاهلون الحياة , فالحياة تطور , ومن يتجاهل الحياة تتجاهله الحياة , أي يموت ويندثر على الأرض , افقهم في السماء , أفق غير مؤكد وتخيلي وغير مقنع الا للجهل المطلق .
من كل ما ذكر يمكن الاستنتاج بأن تحتية الاسلاميين وخلفيتهم لاتقوى على التعامل مع شروط الحياة بتفاعل انتناجي ايجابي , وهذا هو أحد أسباب تأخرهم , انهم يريدون التأخر عمدا وعن قناعة بفساد التقدم , و كلما كبرت الفجوة بين تصوراتهم القديمة وبين ماتقدمه الحياة من أفق جديدة , ازداد تأزمهم وازدادت غربتهم وازداد تعلقهم العبثي بصيغة المجتمع “الشخصي” والابتعاد عن صيغة الشخص “الاجتماعي “, أي أنهم لايتمكنون من صياغة منظومة اجتماعية , وبالتالي ليس بامكانهم صياغة مشروع دولة ورعايته وتطويره كباقي دول ومجتمعات العالم .
لايزالون في مرحلة اعتبار القرآن خاتمة الكتب , وهو مصدر الحياة ومنظمها ومبلورها , لايزالون في طور تبرير الاتكالية والترويج للقدرية والاعتماد على المؤامراتية في تفسير انكساراتهم , بعدهم المتزايد عن الواقع حولهم الى انفصاميين , والانفصام عندهم لم يعد مرضا دخيلا مكتسبا وانما تحول الى “حالة” متعضية لاينفع في علاجها سوى البتر .
نظرا لكون الآية هي التي تحدد شكل ومضمون فكرهم , والآية المسبوقة الصنع قبل 1400 لاتتمكن من ممارسة التداول الفكري حول قضايا لم تكن موجودة في ذلك الزمن , لذا يصاب أي تداول فكري معهم بسرعة بالافلاس, والافلاس يرغمهم على محاولة التخلص من محاورهم عن طريق اغتياله , لذا يتحولون الى الاقصاء وتدمير الآخر أخلاقيا ونفسيا عن طريق الشتم والاستهزاء والانتقاص والتكفير والتشنيع والتهديد والخروج عن الموضوع , يجنحون بسرعة الى الشخصنة المؤسسة على مفهوم المجتمع الشخصي الذي يفرضه استلابهم من قبل الدين , الذي تحول الى سلاحهم الوحيد والى محور حياتهم , والدين بطبيعته أمر شخصي , لايتمكن من التفاعل اجتماعيا وبالتالي لايمكنه خلق مجتمع أو رعاية مجتمع ولايمكنه تأسيس دولة أو رعاية دولة وذلك بعكس العلمانية التي هي أصلا منظومة اجتماعية .
المجتمع الأبوي