ممدوح بيطار :
حياة شعوبنا مليئة بالدين والتدين, ومن الملاحظ تناسب التقدم عكسا مع التدين , وطردا مع التأخر , لذلك فان بحث اشكالية التربية الدينية في المدرسة , لما لذلك من علاقة مع التقدم والتأخر , ضروري , فالمدرسة هي مصنع أجيال المستقبل , وبقدر ماتكون هذه الأجيال متقدمة سيكون الوطن متقدما , فهل لتدريس مادة التربية الدينية مكا نا في المدرسة ؟؟؟؟
مهما كانت حساسية هذا الموضوع , يجب أن يبحث بكل صراحة ووضوح , خاصة في مجتمعات التعددية الدينية ,أو التعددية الثقافية أوالقومية أوغير ذلك , هنا يجب التأكيد بأن وأد مادة التربية الدينية من المدارس ليس ترجمة لوأد الدين , انما تكريسا لمهمة المدرسة المدنية التربوية العلمية الفكرية , وبما أن الدين أمر شخصي , فلا يمكن الغائه الا بقرار شخصي , ولا علاقة لهذا الأمر بالمدرسة , كما أنه لاعلاقة لهذا الأمر بموضوع الايمان أو الكفر والعلاقة بينهما , فالمدرسة ليست للايمان وليست للكفر او الالحاد ….المدرسة هي للتعليم فقط وللتربية جزئيا ,الايمان والأديان والكفر وغير ذلك هو أمر الأسرة والمساجد والكنائس وليس من اختصاص المدرسة ,
هناك بالنسبة لموضوع الغاء التربية الدينية في المدرسة معارضين , جلهم من الاسلاميين , ومؤيدين جلهم من العلمانيين, , موقف الاسلاميين ديني انصياعي غيبي تقديسي بحت , وموقف العلمانيين موضوعي بحت , ولنأخذ أقل الأمور أهمية في التعليم الديني وهو فصل الطلبة عن بعضهم البعض في ساعات التربية الدينية , مدنيا من غير المقبول فصل التلاميذ عن بعضهم البعض , فالفصل موقف وممارسة ضارة لا حضارية, ومتناقضة مع العملية التربوية الاجتماعية الصحيحة والمفيدة ,مدنيا لامانع ولا مأخذ على تدريس الثقافة الدينية , الا أن الثقافة الدينية شيئ , والأديان شيئا آخر , استبدال تدريس الأديان او التربية الدينية الخاصة بكل دين , ووضع الثقافة الدينية في اطار الأخلاق أو الثقافة الأخلاقية الاجتماعية , هو أمر يناهض التمييز الديني والتطرف الديني ثم التعصب الديني وانشاء أجيال ترفض بعضها البعض ,
من أهم الاشكاليات المتعلقة بالتربية الدينية , مشكة الواقع والتخيل والهوة بينهما , حضور التخيل كواقع في ادراك الطفل يقود الى اضمحلال مفهوم السببية في وعية , ومفهوم السببية هو الف ياء العلم والتعليم, اذ لايمكن الاجابة على اسئلة الماهية بدون البحث عن الجذور المادية المحسوسة والخاصة بماهية الأشياء , أي تحويل المجرد التخيلي الى ملموس محسوس .
تعتمد المضامين الدينية على المجرد التخيلي , الذي لايتواجد في سن الطفولة , وانما في مراحل متقدمة من العمر كالمرحلة الثانوية او الجامعية , عدم تأهيل الطفل للتعامل من المجرد التخيلي يقود الى تحول التربية الدينية الى مجرد تلقين وتحفيظ لدوغماتيكيات وضبابيبات دون استيعابها , يتعلم الطفل في هذه الحالة عدم السؤال عن كيف ولماذا , وبالتالي تأهيله لتقبل الانصياع والخنوع والى قتل روح التمرد به … يعتمد قيام واستمرار الديكتاتوريات بشكل رئيسي على خاصة الخنوع وعلى مقتل روح التمرد .
التعليم للبناء بمفهوم النظرية البنائية , التي تعتمد على الشك والاستدلال والتجربة والفهم والبرهان , وهل تعتمد مضامين كتب التربية الدينية على الشك والتجربة والبرهان ؟, يتعلم التلميذ منطقية جدول الضرب , وهل تقدم كتب التربية الدينية ما هو مؤسس على منطقية الرياضيات …تصوروا حال الطفل الذي يسمع من الشيخ ان الأرض مسطحة, دون تمكنه من الاستفسار عن ذلك (خاصة من خواص الثقافة الشفهية ) , ثم يقال له في المدرسة ان الأرض كروية, ترغم هذه الحالة الطفل على ممارسة التقبل الأعمى بالمتناقضات والضديات , دون وجود اي مجال للرفض , ثم كيف من المنتظر أن يتعامل الطفل مع مفاهيم الجنة والنار ,فالبالغون يشعرون هنا بالترهيب والترغيب كترجمة لمفهوم الجنة والنار, وكيف سيكون الحال مع الأطفال ؟؟؟ بخصوص الترهيب والترغيب , ومن قال بأن ترهيب الطفل أمر ايجابي ؟؟؟ومن قال بأن اغراء الطفل وتضليله ايجابي ايضا ,
تحدد التربية الدينية المسلكية بشكل عام بحدود الثواب والعقاب , والتربية التقليدية محددة ايضا للمسلكية بما يشبه الثواب والعقاب , الا أن الفرق بين التربية الدينية بحسابها وعقابها وبين التربية التقليدية كبير جدا , ويعود الى كون الثواب والعقاب تقليديا مباشر , وخاضع الى قيم من صنع الانسان , بينما ثواب وعقاب التربية الدينية غير مباشر, ومؤجل لموعد ووضع غير معروف وغير ملموس هو الجنة والنار , الشطط والمبالغة في توصيف ضراوة وكارثية النار ثم المبالغة في تصوير مكاسب ومحاسن الجنة … هو بالنسبة للطفل مهلكة نفسية وعقلية -تربوية , كيف للطفل ان يتعامل مع الحوريات والغلمان والشوي بنار جهنم ؟, وكيف سيكون ارتكاس الطفل تجاه مصيره في جهنم ان أخطأ ؟؟؟؟ .
هناك فرق كبير بين المبدأ الذي يمثل فكرا اساسيا تبنى عليه أفكار ثانوية أخرى , يقام عليها التعامل بين البشر ,وأحد اسس التعامل مع البشر هو مبدأ الشك الخلدوني -الديكارتي , اما المعتقد والايمان فهو مضاد للشك ولا يستقيم او ينسجم مع الشك , المبادئ قيم كونية تخص الانسان وتختلف المبادئ عن بعضها البعض تبعا لاختلاف البشر عن بعضهم البعض , وهذه هي ماتسمى “الأخلاق” , التي تتطور وتتغير بالاعتماد على العقل , وكيف يمكن للطفل ادراك مفهوم المعتقد وجموده , وما هو تأثير الثوابت الجامدة على عقل الطفل ؟ هل يتحول عقل الطفل عن طريق الثوابت الى عقل ديناميكي ؟ , أو انه يتحول الى جماد متجمد , هذا ما نعايشه كل يوم مئات المرات , عدد كبير من البالغين المتحجرين على ثوابت فرضت عليهم, كتل لحمية ميتة في ثلاجة .
الاخلاق هي القيم النبيلة , ونبلها متعلق بديناميكيتها , وبعقلانيتها وقابليتها للتطور , وهل تعلم التربية الدينية في المدرسة المبادئ الأخلاقية المتغيرة والتجارب الانسانية المختلفة من ثقافة لأخرى , والتي تسمح في اطار الوطن بصناعة مواطنين ينتمون الى وطن يتقاسمه الجميع مهما كانت عقائدهم , انها الوحدة في التعددية الضامنة لأنسنة الانسان , المتميزة باختلاف الأنسنات , ادلجة العقول وتنميطها عن طريق الثقافة التلقينية ,التي تقدم بقالب لغوي مستعصي على الفهم عند الأطفال ونسبيا عند الكبار ايضا , يمثال اتبعادا واغترابا عن الأنسنة , وبالتالي اقترابا من الحيونة .
تأخر هذه الشعوب هو ترجمة لتأخر التربية والتعليم , وتاخر التربية والتعليم هو ترجمة لامتلاء الحياة بالدين ,لااعتراف حقيقي بالتعددية عند امتلاء الحياة بالدين , مجتمع الأديان هو مجتمع الغابة حيث يبتلع القوي الضعيف , انه مجتمع البعد الواحد , مجتمع المخلوقات وحيدة الاتجاه والبعد , مجتمع يمسكه الايمان برقبته , والايمان شمولي دائما ولايقبل الانتقائية والجزئية …اما ان تؤمن او انت كافر , الايمان والاتجاه الواحد هو اخضاع يتطلب مادة العنف !