ممدوح بيطار:
على الماضي , الذي يمكنه أن يكون أو يبق محترما , أن نمكنه من القيام بعملية تحرير متبادلة مع الحاضر , على الماضي الذي يريد البقاء جزئيا ضروري أن يتخلص من مفهوم “المنافسة ” مع الحاضر , فالحاضر لايتصالح مع منافسيه الذين يريدون الحلول محله بعد الغائه ,في التزاحم والمنافسة تكمن “الضدية” المنتجة للرفض والعدوانية , وكل ذلك ينتج العنف , الذي يهيمن على تفاعل الاضدا, اننا في البلد الواحد أضداد .
يعني التحرير المتبادل بين الماضي والحاضر , تحرير الماضي من معايير الحاضر ,كالاعتراف بما يسمى السياق التاريخي , وتحرير الحاضر من الماضي باعطاء الحاضر سياقا تاريخيا خاصا به , أي استقلالية كل من الماضي والحاضر , التصالح مع الماضي يعني انهاء حالة الصدام مع الماضي , عن طريق عن طريق محاكمته واطلاق الحكم المناسب عليه ثم تنفيذ الحكم ليتحول الماضي بعد ذلك الى بريئ , الحاضر يتبرأ من الأجزاء السيئة من الماضي , وبالتالي يستنكرها ويستنكف عن ممارستها في الحاضر, ثم يضمن استمرارية حياة الشعوب بممارسة التعويض المادي والمعنوي للسيئ من الماضي, هذا بشكل ملخص مافعلته المانيا مع نفسها , لقد استنكرت الأجزاء السيئة من الماضي , واستنكفت عن ممارستها حاضرا , ووعدت بعدم ممارستها مستقبلا , ثم عوضت عن الأضرار التي الحقها الماضي بالذات والغير , معنويا عن طريق الاعتذار الأهم مقارنة من التعويض المادي , حررت المانيا نفسها من أثقال “الذنوب ” واللعنة , وتفرغت لبناء حاضرا ومستقبلا يليق بشعب أخطأ , وانعتقت من أثقال الخطيئة والاجرام , التي لصقت بها من خلال الممارسات القيصرية والممارسات الهتلرية .
أما نحن بثقافة خير أمة وثقافة الحق البدوي, ثم انعدام أو على الأقل ضمور ثقافة الاعتذار , فلم نتمكن لحد الآن من تحرير الحاضر من أثقال الماضي, لقد تم احتلال اسبانيا لحوالي سبعة قرون , بالرغم من ذلك لازال هناك من يدافع عن الاحتلال , ويعتبره نعمة للاسبان وكان عليه أن يستمر , وللأسف لم يستمر , لم يستمر العطاء البدوي الحضاري في اسبانيا , وكأن البدوية تملك شيئا من الحضارة , التي يمكن للشعوب الأخرى الاستفادة من فائضها , الذي أنتجته الصحراء الشفهية , بقدرة قادر تمكنت اللاحضارة من تحضير الاسبان وأهل الشام والفراعنة وبلاد فارس , التحضير التكاذبي أمتد الى الهند والى حدود الصين , وعندما تسأل من أين أتى البدو بتلك الحضارة التي استوردتها شعوب الحرف في بلاد الشام , ثم شعوب القانون الروماني وشعوب الفلسفة الهيلينية وشعوب التحضر البيزنطي, تجد نفسك بقدرة قادر مختنقا ومرجوما بوابل من الاتهامات .. كحاقد على العروبة وكاره للاسلام !
لقد قضت القبائل الجرمانية المتوحشة على روما وانهت وجود الدولة الرومانية , عليك ياعزيزي القارئ بسؤال احفاد القبائل الجرمانية عن قعلة القبائل قبل حوالي 1500 سنة , سوف يجيبك 100% منهم بأن الفعلة كانت انحطاطية , وهذه الفعلة لاتمنعنا من أخذ العديد من معالم الحضارة الرومانية المغدورة , لقد أخذوا القانون الروماني , وأسسوا حضارتهم الحالية على هذا القانون , ولم يؤسسوه على حضارة القبائل الجرمانية التي لاتختلف عن حضارة قبائل الجزيرة العربية بالكثير من المعالم .
تأسست الحضارة العالمية الحالية على الهيلينية التي امتدت من القرن الرابع قبل الميلاد الى القرن الخامس بعد الميلاد , كانت حضارة عملاقة سياسيا وثقافيا وفنيا وفلسفيا, من خصائصها كان الانفتاح والعلوم كالهندسة والأدب (الاليازدة والأوديسة) ثم الفكرة الأولومبية والفلسفة , مثل …. سقراط وأرسطو وافلاطون والمئات غيرهم , الهيلينية ترجمة للحرية التي يحتاجها كل انسان , وهل يحتاج الانسان عموما الى البدوية وغزواتها ؟؟؟, لكي نتقدم علينا الانعتاق من العوائق, والبدوية من أهم العوائق .
عاشت بيزنطة حوالي ألف عام بعد سقوط روما على يد القبائل الجرمانية , ومصير القسطنطينية كان على يد قبائل محمد الثاني أو كما يقال الفانح مديحا , لقد حقق محمد الثاني ما أراد الرسول ومن بعده الخلافة الأموية ثم الخلافة العباسية , وتم انهاء وجود الحضارة البيزنطية كالمعتاد على يد الهمجية عام 1453 , ولكي لانبتعد عن الموضوع علينا أن نسأل البعض من شعبنا عن هذه العملية , أظن بأن عدد لابأس به سينتصب مفتخرا بفعلة محمد الثاني باحتلال القسطنطينية وانهاء الوجود البيزنطي ,وحتى ابادة الشعب البيزنطي الذي تبخر واختفى , هنا نجد أسوء شكل من اشكال المصالحة مع الماضي, فكيف لنا الوقوف في هذا العصر مع الفاتح محمد , في الوقت الذي نعاني به من “فنوحات ” الغير لبلادنا ومن الاستيلاء على فلسطين….اننا تائهون !
ممدوح بيطار :syriano.net
رابط المقال :https://syriano.net/2020/02