المتفاخر المتبجح !!

سیریانو٫ نيسرين  عبود:

لقد كان صادق جلال العظم  من   أشهر من مارس  النقد  الذاتي   بعد  هزيمة  1967  , وقبله  كان  قسطنطين زريق  من   أول  من مارس  النقد  الذاتي  بعد  هزيمة  1948 ,  حيث   أكد زريق  ثانوية   الوضع العسكري    بالتسبب   بالهزيمة  ,ونفى  اسطورة  الدور الاستعماري  ,وأكد  على   أولية  العوامل  الاجتماعية   السياسية  بالتسبب     بالهزيمة  , التي  اختارت  لها  الناصرية  اسما مستعارا  هو  “النكبة”  ,   للاسم المستعار  مدلولات   نفسية  تخص  العقل  العربي , ذلك  العقل  الذي  يميل  الى  تجاهل  الحقيقة   وتجاهل    العلاقة بين  النتيجة  ومسبباتها  , ثم  العجز  عن  تسمية  الأشياء  بأسمائها  الصحيحة ,  عقل  القدرية  التي  تربط  بين  الهزيمة  وعالم ماوراء  السيطرة  البشرية ,

بعد  أقل  من عقدين   أتى عام 1967   بهزيمة  مشابهة , اخترع  لها  العرب  اسما مستعارا  هو  “النكسة” , ولمفردة  النكسة   أيضا  مدلولاتها التي   شرحها  صادق  جلال  العظم  في  كتابه  النقد  الذاتي  بعد  الهزيمة,  حيث  ركز  على  الشخصية  القومية  العربية  وخصائصها  كمسبب  للهزيمة  المسماة “نكسة”, والشخصية  القومية  العربية  التي   أفرزت مفهوم  النكسة تميزت  بازاحة  المسؤولية عن  النفس  واسقاطها على  الغير  ثم  ارجاع  الهزيمة الى  عوامل  خارجية  سعيا  وراء  تبرئة  الذات  من  المسؤولية  ولفت  النظر عن الأوضاع   الداخلية التي  كانت  المسبب  الرئيسي  للهزيمة  , للنكسة  علاقة  أساسية  ببنية  المجتمع  العربي  وخصائص  الشخصية   الاجتماعية  العربية  التي   نمت  في  البيئة  العربية  المتوارثة  والتي   تسللت الى  داخل كل منا .

بين  النكبة  والنكسة  تبلورت  شخصية  عربية  سميت   الشخصية الفهلوية , فالشخصية الفهلوية  تحول  الانسان  الى  عاجز عن  تقبل  الحقيقة  والواقع  والى  التمويه  واخفاء  العيوب  والميل  الى التبجح  والانتفاخ   وتقزيم  الأخطاء ,  فلكل  كارثة  تبرير  فهلوي   يوحي  بأننا  لم  نخطئ  ولم  نقصر  ,  اقد   تآمر  اعدائنا  علينا  ,  وكانت  المؤامرة  دنيئة   وحقيرة  …  هنا  ينتاب  السامع   الشعور  بأنه   على  العدو  ان  يتآمر  على  نفسه وينتصر  على  نفسه   لكي  ننتصر   وتنتصر  رغبتنا  بالانتصار, ان  لم  ينصرنا  الله   فعلى  عدونا أن  ينصرنا  !.

للشخصية الفهلوية سمات  وخصائص من   أهمها المبالغة في تقييم  الذات  واظهار الذات  بمظهر المقتدر كل  شيئ  وعلى  ضبط  الواقع  والتحكم  به  , ثم  استخدام  مبدأ  الازاحة والاسقاط  ,ازاحة  المسؤولية  عن كاهلنا  واسقاطها على  الغير , الفهلوي    يعتقد  بأهمية  العمل  الفردي  وينفر من  العمل الجماعي,  مما  يقود  الى  مفهوم  “الزعيم”  المقتدر على كل   شيئ  والمسؤول عن كل شيئ ,الفهلوي   سطحي  وميال  الى   اخفاء  المشاعر  الحقيقية والى  ممارسة   المجاملات,  ثم  ادراك  الأمور  بالشكل  الذي  يراه  مناسبا ,الفهلوي  هي  الصفة  الملازمة   للشخصية  القومية  العربية   التي  تتميز بالمبالغة  في تأكيد الذات وممارسة  التفاخر وامتلاك   القدرة  الفائقة على   التحكم   بكل  أمر ,  ازاحة  المسؤولية   الى  الغير  واسقاطها   على  خارج  الذات   للتمكن  من تبرير  تطورات  وأحداث  محرجة هو    الأساس لنضخم   الأنا  وللانتفاخ   والتفاخر …كلما   ازدادت  المقدرة على  ممارسة   الازاحية  والاسقاطية      تضخمت الشخصية   الفهلوية  وانتفخت  وتورمت .  

تجيد  الشخصية  الفهلوية  وخاصة الشخصية السياسية   والفكرية    الفهلوية ممارسة   الخطابات   المتورمة  والمنتفخة بالفخر   بما   لايجوز  الافتخار  به ,  يتكرر  الكلام  عن  الأمجاد  الغابرة  ويتكرر   الاجترار  ثم الشعور  بالتفاؤل    المفرط   والابتعاد  عن  الواقع  ,  ثم   التبشير    بالوصول  الى  الهدف   بأقصر  الطرق  السحرية …بعون  الله  تعاللى  سندحر  اسرائيل   او  حتى  نقضي  عليها غدا ,  حتى أن   المنتفخ  المتكابر   المتعالي   يجعلك   تظن بأننا    انتصرنا فعلا   على مئة   دولة  من  بينهم  كل  الدول  العظمى , ولما  كان   التكاذب   هو  الأصل   في   التفاخر  ,  لذا  ترى  وزيرا  للمالية  يعلن  بثقة   مدهشة   بأنه لاتوجد  في  سوريا  أي  ضائقة  في  تزويد  المواطن  الكريم   بما  يحتاجه  من   مواد استهلاكية ,  …  ثم  يقذف   المستمع   بنص  خشبي   حول  الشعب  السوري  العظيم   وانتصاره  الأكيد  على  المؤامرات  الاستعمارية   ,   الا  أن  الخطيب  المنتفخ  لايخبرنا  عن  مقدرة  المواطن  على  شراء  السلع  المعروضة  والمتوفرة  بكثرة …  راتب  موظف   يكفي  بالكاد  لشراء   ٣ كغ  من  الكرز..

االشخصية الفهلوية هي  المؤسسة  للحاكم  الهووي  الذي  ابتلت  به  الشعوب  العربية,  هنا  اريد  التأكيد  على حقيقة مرة  , وهي  ان الحاكم  الهووي  هو تلبية  لحاجة  شعبوية ,  ولولا  الحاجة  الشعبوية  للهووي  لم كان  هناك  في البلاد  العربية حكاما  هووين , الديكتاتورية  هي منتج  شعبي  قبل   أن تكون  منتج  شخصي  ديكتاتوري …كل  منا  بطباعه  ديكتاتورا  , فلماذا   لايكون  الهووي  حاكم  البلاد   أيضا ديكتاتورا .

للأسف  لاجديد  في  هذه البلاد  سوى  تناقص  الأعمار  ,لايموت   الانسان  في  بلاد  التفاخر  وانما  يقتل, وبالرغم  من  ذلك  أو   حتى  بسبب   ذلك  نحن    خير  أمة!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *