ضباب أدونيس

بقلم : نيسرين عبود:

يقال تعميما  على أن محنة الشعر  هي  شعراء بدون محنة , أي  شعراء بدون قضية أي  بدون جروح  وبدون  ألم  , والتفكير بخصوص أدونيس  يقود  الى الظن على أن الرجل  بدون “محنة”  لذلك  بدون قضية  ,  وقد سأل أحدهم  الشاعر  والكاتب  محمد الماغوط  عن محنة  أدونيس  , أجاب  بصراحة ودقة  ..بدو نوبل !!!, أي أنه لاعلاقة لهموم أدونيس الا بنوبل  ,  وحتى لو مات الملايين من الشعب السوري  وحتى لو   استعبد  قاصر عقلي  هذا الشعب  لنصف قرن  ,فلا يشكل هذا الأمر بالنسبة له أي محنة …بدو نوبل  !!,وللأسف  لايلاحظ عليه  أي تأثر  بسبب محنة البلاد ,  ولا يلاحظ عليه أي  بادرة تدل على أنه ضاق ذرعا  بالديكتاتورية  والاستعبادية والاستغلالية , بدليل  أنه  لايلح على ترحيل النظم  مع اعترافه  باستحالة  الحياة في هذه البلاد التي هجرها منذ عام ١٩٥٦,  يريد أولا  تغيير الثقافة والحضارة  والتربية  , وعندما يتحضر الشعب ويتثقف  ويتربى   يصبح رحيل الأسد أمرا تلقائيا ,  ولا يفصح أدونيس عن  وسائل التثقيف  وعن المدة الضرورية لهذا الثقيف  وعن الدرجة التي يجب أن  يبلغها التثقيف  والكافية لترحيل الأسد ,  يريد منا  تقبل الأسد حتى يفرجها الخالق  ,وبذلك  أصبح أدونيس بنظر العديد من  السوريين وغير السوريين عبارة عن مشعوذ,  ولا يمكن للذي   ” بدو  نوبل”  أن يكون مشعوذا .

لقد ناصب أدونيس الثورة السورية العداء  قبل أن تتأسلم ,  قبل ذلك   وقع في غرام الثورة الايرانية  وهي أصلا ثورة اسلامية ,  نظم الشعر في مديح ثورة  الملالي …شعب ايران  يكتب  للشرق  فاتحة الممكنات  !!!, شعب ايران يكتب للغرب ..وجهك ياغرب ينهار ..وجهك ياغرب مات ..الخ ,  غريب أمر هذا العلماني  الذي يرى  انهيار وجه الغرب العلماني  ,  وحتى  أنه يرى موت الغرب ,  فكيف يريد أدونيس منا ان نفهم ذلك  ؟  . شاعر  علماني   يردد  كل لحظة  اتهاماته  للأديان  ورجال الدين  والمتديينين  ,  يتغزل بالملالي  ويتمنى  الموت  للغرب بالرغم من  علمانيته    وعلميته    ويصطف   في صف     الملالي      شعرا   ونثرا .ففي  مديح الثورة الملالية  قال أدونيس :

افق ثورة والطغاط شتات,كيف أروي لإيران حبّي
والذي في زفيري
والذي في شهيقي تعجز عنه قول الكلمات؟
سأغنّي لقمّ لكي تتحول في صبواتي
نار عصف، تطوّف حول الخليج
وأقول: المدى، والنشيج
أرضي العربية – ها رعدها يتعالى
صاعقاُ خالقاُ
وحريقا
يرسم المشرق الجديد، ويستشرف الطريقا.
شعب إيران يكتب للشرق فاتحة الممكنات
شعب إيران يكتب للغرب:

وجهك ياغرب ينهار
وجهك يا غرب مات
شعب إيران شرق تأصّل في أرضنا، ونبيّ
إنه رفضنا المؤسس، ميثاقنا العربيّ.

لقد نشر أدونيس قصيدته في اليوم الذي  وطأت رجل الخميني ايران  ,  وهذا يدل على أنه  كتبها  ورتبها   بهدوء  على أن ينشرها في  يوم الوطأة  ,وفعلا كان له ذلك, ولم يكن مستغربا  منه القيام بذلك عام ١٩٧٩ , حيث أن أدونيس معروف  بتناقضاته  وبطائفيته الكامنة , طائفية تحاول  دائما أن تنفلت من قبضته  وسيطرته  , الا انه  لايملك  دائما  السلطة   الكافية القامعة لهذه الطائفية  , لقد انفلتت  في  السنوات الأخيرة بعد ١٥ -٣-٢٠١١   وصبغت  بشكل  خافت  مجمل  مواقفه , لقد أرغمته هذه الطائفية  على  ممارسة التناقض  والشعوذات  والتبشير بالمستحيلات  والطوبانيات .. علينا بالتثقف  قبل أن يرحل الأسد  تارة  وتارة أخرى  لسنا أهل للديموقراطية , ولم تسمح له طائفيته  أن يسأل نفسه كيف سيتم التثقف الديموقراطي  في خيمة الأسد  ,  ولاننا لانستحق الديموقراطية   فعلينا تقبل السفاح , كل ماقاله أدونيس في هذا الخصوص يخدم هدفا واحدل   ألا وهو بقاء الأسد مهما كلف الثمن  , وبذلك  يشارك أدنيس الأسد في  الدفاع عن أهم  أهدافه  وهو البقاء   مما يعني بقاء الهيمنة العلوية .

نظرا لتأسلم الثورة السورية  الغير مؤكد  اتخذ أدونيس موقفا  عدائيا ورافضا لها  , انه يرفض ثورة خرجت من المساجد  , الا أنه  يرحب بثورة  لاشك في أسلمتها  وقد خرجت أيضا من المساجد , فالثورة الايرانية  هي ثورة اسلامية  ملالية  , ولا أحد   من كبار هذه الثورة  ينفي ذلك  ,  أما اسلامية الثورة السورية     فهي أمر ليس بذلك الوضوح ,  التعسكر  الثوري في سوريا   هو اسلامي  بأكثريته المطلقة  , والتعسكر  ليس من  أهداف الثورة  لأن التعسكر ليس من مصلحة الثورة , وقد  تم فرضه على الثورة    بقصد  التمكن من  القضاء عليها  عسكريا حيث  ان قوة الاسد الوحيدة هي العسكر , ولو كان بالامكان ممارسة  حرية الرأي وحرية التظاهر   ولو كان للتظاهر  أي تأثير على  السياسة الأسدية  ,  لوجدنا  على أن   الأغلبية الساحقة للثوار  ليست متأسلمة  وليست اسلامية , ولايمكن لهذه الأغلبية الساحقة المدنية والعلمانية  أن تكون جاذبا للأصولية  الدينية  , التي ترفض كل  مدنية وعلمانية  وديموقراطية  , لو تم ذلك  واحترم  الأسد حرية الرأي والتعبير والتظاهر  لكان حظ الأصولية  والوهابية  والخمينية  في السيطرة على المشهد تعادل الصفر   ,  ولمن يريد التأكد من ذلك عليه بالتعرف على نتائج انتخابات ١٩٥٤  هذه الانتخابات الحرة والتي  أظهرت الحجم الحقيقي  للتيار الديني المحافظ  , والذي  لم يتضمن  اصوليات  الوهابية وأصوليات الخمينية .

بعد مرور أكثر من ثلاثين عاما على الثورة الايرانية , تبين على أن هذه الثورة  رجعية  ورائدة في تمثيل الاسلام السياسي الذي يرفضه أدونيس , ثورة  أفقرت الناس   وتجاوزت الشاه  في اغتيالها للحريات  وقضت على  مدنية الشاه   ومارست الهيمنة  الطائفية التي  لم يمارسها الشاه  ,  السنة تشكل في ايران ٢٠٪ من السكان  , الا انه لادور لهم  في الحياة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية  ولهم من بين ٦٠٠ نائب   ٤ نواب , ثورة   رجمت النساء  وحللت مضاجعة الرضيع  ودسترت  زواج المتعة  ونصبت  المشانق وأصبحت  ركيزة  للتناحر المذهبي  الشيعي – السني  وتاجرت بقضية فلسطين  وخلقت حزب الله  الذي قضى تقريبا على الدولةفي لبنان   واستعمرت سوريا  التي أصبحت المحافظة  الايرانية رقم ٣٥  ومارست التشييع  وبذلك أيقظت  الغول الطائفي  , ولم تقدم لسوريا الا  الحرب وأدواتها وتمويلها  وساعدت الأسد في  التطرف في موضوع هيمنة الطائفة العلوية  ,ومنعت  ذيلها الأسدي  من تقبل  أي حل  مع المعارضة ,   واستمرت بما قام به الأسد من تأسيس مدارس حفظ القرآن ,  والكثير  مما لايمت الى تشجيع الحياة المدنية  والديموقراطية بصلة ..الخ , وبالرغم من ذلك  لم يتغير موقف أدونيس منها , موقف  غلفه أدونيس بطبقة من الضباب ..فكيف نفسر كل ذلك  ياشاعرنا  الذي  “بدو نوبل ” !!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *