بعد التعفيش والتفييش الآن التدفيش !

بقلم :جورج بنا

كل مواطن سوري يعرف الآن  دلالات عمليات التعفيش  , فالتعفيش  هو عبارة عن نهب  محتويات البيوت من  ادوات منزلية وفرش  وأبواب  ونوافذ  وصحون  وسجاد وملابس ..الخ  ونقلها  للبيع في مناطق مثل طرطوس  وغيرها من المدن من قبل  أفراد  الجيش العربي السوري الباسل  وقطاع الطرق من قطعان الدفاع الوطني والشبيحة  ومجددا    أعضاء الحزب السوري القومي ثم   رجال نصر الله وغيرهم  من المرتزقة  الطوعية,   والتعفيش   خضع    في السنين الأخيرة الى تطوير  ابتكاري   فذ  , حيث  تقوم مرتزقة الجيش  وقطاع الطرق “بتضمين”  حي بالكامل لمتعهد   “تعفيش”, متعهد التعفيش  يدفع مبلغا مقطوعا  يتفق عليه  مقابل حصوله على  امتياز   بتعفيش  هذا الحي   طبعا تحت  اشراف  وحماية  أفراد الجيش العربي السوري الباسل   وقطاع الطرق من القطعان  المناضلة , وأظن  على أن الاسهاب   في هذا الموضوع   قليل الفائدة , حيث أنمعظم الناس   يعرفون  مايكفي  عن هذه  “اللفتة” الحضارية  التي  تقوم بها جهات رسمية  باسلة  وجهات  شبه رسمية  .  أما التفييش  فهو عملية    القصد منها  الحفاظ على حياة المواطن   ثم زيادة دخل  أفراد  القوات المسلحة  الباسلة  , التفييش هو  مصطلحمعروف عند  معظم أفراد الشعب السوري  , وهو  ظاهرة  ترافقت في الفترة الأخيرة مع ممارسة التفتيش  ,  والتفتيش يعني البحث عن     المقصرين بحق الوطن  وسوقهم  للخدمة الالزامية  حيث يعودون بعد فترة قصيرة في معظم الحالات  شهداء , والبحث  يجري الآن على قدم وساق  ..في المقاهي  وفي المدارس والمعاهد  والغابات  والحواجز   والسيارات  والبيوت  ..الخ وذلك من فبل  أفراد الجيش الباسل  وأفراد القطعان الأخرى   الذين يسوقون الشباب الى الحرب عنوة وقسرا .

بعد القاء القبض  على المقصرين  وبعد زجهم   في  محرقة الحرب  يمكن  للميسور منهم   أن يعود الى بيته  للمارسة الحياة  وتجنب الممات  , في هذه الحالة عليه الاتفاق مع الضابط  المسؤول عن القطيع   لكي يعتقه من  اشكاليات الحرب  وينقذ حياته الغالية على رئيس هذه البلاد وذلك لقاء دفع  راتب شهري  للضابط من قبل  مرشح الموت  , وهكذا  يدفع المواطن للضابط مبلغا  يتراوح  حول ٥٠٠٠٠ ليرة سورية  ويبقى على رأس عمله في بيته معززا مكرما , وفي هذه العملية  يضرب  العرف الادسي عصفورين بحجر واحد ,    العصفور الأول هو حياة المواطن الغالية على قلب الرئيس  , وثانيا  مدخول الضابط  المحارب  من أجل الوطن  والرئيس  ,  فلو افترضنا  على أن الضابط  تمكن  من  انقاذ حياة  ٢٠ عنصرا  مقصرا عن خدمة الوطن  وخدمة الرئيس   وفي الوقت ذاته   تصاعد دخل الضابط شهريا  بمعدل مليون ليرة سورية, هنا تكمن عبقرية هذه العملية المزدوجة   والتي قادت الى أنقاذ  حياة المواطن  والى  زيادة دخل الضابط  , وهذا يؤكد جدوى  مسيرة الرئيس في التطوير  , لذلك يستحق هذا الرئيس  أن يبقى رئيسا الى الابد  وحتى  أن يصبحرئيسا للعالم  كما تفضل  أحد  أعضاء  مجلس الشعب   بالقتراح .

لايقتصر التفييش على  المساقين للخدمة  في سياق عملية التفتيش  , وانما تشمل  بالأخص من  يذهب للخدمة طوعا  ,فالمطواع  يتفق مع الضابط طوعا  وبعدها يتم  الاعفاء طوعا والدفع  طوعا كذلك ,  ترون من ذلك حرص القائد  الشديد على حياة المواطن  ومدخوله الشهري  الذي يبلغ في العديد من الحلات  مستوات لاتعرفها سويسرا  أو السويد ..سبحانه ..  اسماء سوريا وسويسرا والسويد لهم ذات الأحرف الأبجدية , انها صدفة  مثيرة  للفضول ..ذات الحروف وذات  الحرية والديموقراطية  وبتواضع  أقول  ذات دخل الجنرالات أيضا   , هذا ان لم نقل  على دخل  جنرال في الجيش العربي السوري  يفوق دخل  الجنرال قائد   قوات حلف الأطلسي,  و لمن  أصابه العجب  أقول مايحق  لجنرالات الناتو  يحق  للجنرال    السوري المنتصر في الحرب الكونية   , فسوريا  بالواقع   وليس بالاسم  هي دولة عظمى  وهي أعظم بكثير من  الجماهيرية الليبية القذافية العظمى  ,  ولا مجال لمقارنة   قائد السورية الأسدية  مع ملك ملوك أفريقيا  وقائد ثورة الفاتح من أيلول   عام ١٩٦٩ . وأين  هي مكانة وقامة ملك ملوك أفريقيا مقارنة  بمن رشحه  مجلس الشعب  المقدام  لرئاسة العالم !.

نأتي الآن الى ظاهرة التدفيش  الحديثة نوعا ما , والتي وجدت ذروة   فاعليتها في احتفالات  عاشوراء  في دمشق العاصمة  ,  ففي هذه المناسبة الكريمة  امتلأت  أحياء العاصمة ذات الأغلبية المسيحية  بالرسومات  والشعارات  المكتوبة والمنطوقة  …  منها ” لن تسب  زينب مرتين  ”   , والمنطوق  أتى من  السيارات  المتجولة في هذه الأحياء  , حيث لعلعت الراديوات   بأعلى   صوت لها  بالأهازيج  واللطميات الشيعية   مثل ” أبا الحسن ماتدري  صرت اشتهيها  بعمري ” أو  ” زينب  اليوم بخطر  وسكنى مرقدها  اندثر ..الخ ” , اغاني وأناشيد تصدح  في الأحياء المسيحية , حيث  أصبحت هذه  الأحياء  شبيهة بمدينة  قم الخمينية , ومجازا يمكن القول  على أنها شبيهة بقندهار شيعية , ومن كثرة التحدي والعويل والضجيج  والمضايقات  التي يتعرض لها مسيحيو هذه  الأحياء  عاد الكثير من المسيحيين  من حيث أتوا   أي  الى   مناطق وادي النصارة كمرمريتا وصافيتا    وغيرهم   آملين  التمتع بشيئ من الراحة  والهدوء .

حركة النزوح هذه  كانت كمن  يهرب من الدلف  ليقف تحت المزراب   و ففي هذه البلدات والقرى والمدن الصغيرة  واجهتهم مشكلة  عويصة  تتعلق  على الأخص ببناتهم  ,  ففي الما ضي  كان  بامكان  شابة  ان  تقوم  “بمشوار”   في ساعات العصر   دون  أن  يجرها   شبيح قروي     محاولا ذجها  في  سيارته  للتلذذ بها  , وفي معظم الحالات تحت التهديد بالسلاح  وحتى القنابل  , وعند محاولة   رفاقها  التصدي  للمعتدي   تحصل خناقة   يتم  في سياقها  اطلاق النار أحيانا , وقد كان من الملاحظ  اختفاء رجال الأمن  في لحظة حصول الخناقة  , حيث كان من المنتظر  حضور رجال الأمن في  هذه اللحظة ,  ولا  يكاد يمضي يوما واحدا بدون  مشاجرات  وخناقات  ومعارك بالأيدي وأحيانا  بالسلاح  الأبيض  وغير الأبيض , نتيجة لذلك  نصح  الحكماء   الشابات والشباب   بغض النظر عن “المشوار”  والبقاء في  منازلهم    لتفادي  المكروه ,

 ضاقت الدنيا السورية بهؤلاء  وعلى الأخص بسكان  هذه البلدات  من غير النازحين ,  والكثير منهم لم يجد  من مخرج  الا  بالهجرة الدائمة  الى  بلد أوروبي  حيث  يستطيع الانسان  أن يمشور  دون  التعرض الى  الاغتصاب من قبل  شبيحة القرى , والكثير منهم  هاجر بالفعل  حيث انتهت قسرا  مدة استضافته  من قبل  مالكي  المزرعة السورية , ومن يلقي  نظرة  تأملية  على   الاحصائيات  يكتشف على  أن عدد المسيحيين في سوريا تناقص الى النصف في السنين الخمسين الأخيرة , أي  أن شعور المسيحي  بالمضايقة  لايقتصر على  اتلاف  “المشوار”  ولا يقتصر على  محاولات الاغتصاب  المستمرة  ,  وانما  هناك اغتصابات أخرى  , اغتصاب الحرية  ,واغتصاب  الحق  والعدالة  , واغتصاب لقمة العيش  واغتصاب  الوظائف   ,  وللعلم  لايوجد في مدينة كمرمريتا أوصافيتا  أي رئيس دائرة مسيحي  , وهل يمكن للمسيحي  أن يأخذ حقه أمام القضاء  عندما يكون خصمه علوي ؟.

هناك تقديرات  تقول  على أن سوريا ستكون “نظيفة”  من المسيحيين بحلول عام ٢٠٢٠ , سبب ذلك هو ظاهرة “التدفيش” ,  وماذا تنتظر أيها المسيحي  من قوم زينب وعائشة؟  اذهب  لترتاح وتريح !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *