من حبعش إلى داعش ..نكبة أمة!

بقلم: شمدين شمدين

في الستينات من القرن الماضي وحينما كانت الشعوب تثور من أجل الحصول على استقلالها وسيادتها بعد عقود من الاستعمار الذي أنهك الاقتصاد وأذل السكان الأصليين ,خرج علينا مجموعة من الشباب المتأثر بالفلسفة القومية والتيارات اليسارية ليشكل حزباً طليعياً تبنى شعارات الوحدة والحرية للشعوب العربية والاشتراكية للقضاء على الفقر واللا مساواة وأطلق على نفسه اسم حزب البعث العربي الاشتراكي (حبعش).

منذ البداية حاول (حبعش) أن يلعب على الوتر القومي العروبي ويرفع الشعارات التي تدغدغ نفس وقلب الإنسان العربي فنفذ بضعة مشاريع لتوزيع الأراضي على الفلاحين وتأميم الاقتصاد ,لكن سرعان ما انقسم هذا الحزب الى فصيلين متجاورين متحاربين ,ليصبحا أعداء على مر أكثر من ثلاثين عاماً حيث انفرد كل حبعوش جزئي بإدارة أمور دولته التي صنع منها دولة بوليسية قمعية بامتياز, لتتحول الحرية الى قيد وسجن أبدي بحق كل من يعارض أفكار وأهداف (حبعش) وأمينه العام ,وتحولت الاشتراكية الى استغلال ونهب لكل ثروات البلاد بيد شلة من المتنفذين المنتمين الى حبعش وعلى رأسهم القائد الذي شيئاً فشيئاً صنع لنفسه امبراطورية عائلية , لتصبح العائلة في البلدين هي من تبني وهي من تهدم ,هي من تحرر وهي من تقيد ,هي من تهب وهي من تقدر .

 إنها حكاية (حبعش) التي جعلت كل الساكنين في البلدين عرباً وبالغصب فأصبح الكردي والسرياني والأشوري والأيزيدي عرباً في الهوية, وأصبحت شعارات الوحدة الوطنية والأخوة أغنية يمارس من خلالها حبعش العائلة كل أشكال التسلط والإبادة بحق الأقليات والمعارضين , ومن منطلق اشتراكي منعت حبعش التيارات الدينية كما منعت الصلاة في الثكنات العسكرية والدوائر الحكومية على أمل القضاء على الشعور الديني لدى غالبية السكان, وحفظت الأطفال منذ نعومة أظفارهم شعارات حبعش الراديكالية وأهدافها الثورية, طامحة من وراء ذلك الى خلق مجتمع عبودي يأتمر بأمر القائد ويتنفس حين يأمر بذلك.

لكن اتضح فيما بعد إن (حبعش) لم تستطع لا في العراق ولا في سورية من أن تقضي على المشاعر القومية و الدينية لدى السكان في البلدين, فهاهم الكورد في العراق وبعد سنين طويلة من سياسات التعريب والتهجير  يتطلعون الى بناء دولة قومية لهم, ومثلهم أكراد سورية يحكمون  مناطقهم عبر نوع من الإدارة الذاتية, كما إن البروز الكبير للتيارات الدينية الشيعية والسنية في العراق وسورية والحاضنة الشعبية لها  تثبت فشل محاولات المحو الطائفي والمذهبي الذي مارسته حبعش في البلدين . 

ولعل أخطر ما أفرزه (حبعش) على الإطلاق عبر تاريخ إجرامي طويل هو ذاك التنظيم السوداوي النظرة للعالم (داعش), ذلك التيار التكفيري المتشدد الذي يؤمن بالخلافة وينشدها ويعتبر كل من يخالفه الرأي مرتد كافر يستحق قطع رأسه وبالسيف, كما يعتبر كل من يؤمن بالأديان السماوية الأخرى ذمة ويجب عليهم إما دفع الجزية أو الموت, وهذا ما فعلته دولة الخلافة مؤخراً مع المسيحيين في الموصل ومع الإيزيديين أيضا.

لقد ظل النظام السوري على تواصل مع المتطرفين الإسلاميين وظل يمدهم بالمال والسلاح وفتح لهم الحدود مع العراق بعيد إسقاط نظام صدام ودخول الأمريكان الى بغداد حيث أرسلهم النظام الى هناك بحجة الجهاد ضد الغزاة الكفرة, ثم ما لبث أن تحالف معهم لمحاربة المعارضين من الجيش الحر لافتعال صراعات جانبية تحرف الثورة عن مسارها الصحيح وتعود بالفائدة على النظام وحده, وإن هذا التحالف عينه هو الذي هاجم الموصل وهزم جنود المالكي ليقيم دولة الخلافة كعنوان للنضال المشترك بين حبعش وداعش وهذا ما أكده عزة الدوري في كلمته الى الشعب العراقي حينما وجه الشكر والعرفان الى أبطال القاعدة من داعش! اننا نفهم يقيناً إن هذا التحالف بين التنظيمين المشتركين بالهدف والمتباعدين بالرؤى هو تحالف المصالح وإن عقوداً من الشعارات والخطب الرنانة كانت مجرد وسيلة زائفة لركوب ظهور العباد والسيطرة على مقدرات الأمة أطول فترة ممكنة عبر نهب ثروات البلاد وطمس ملامح الحياة بزج عشرات الآلاف من الأحرار في زنازين مظلمة, يكشف التاريخ يوما بعد يوم بؤس وفداحة الجرائم التي ارتكبت فيها بحق الأصوات المنادية بالتغيير.

حقاً لقد حكمت حبعش دولتين ذات حضارتين عريقتين لأكثر من نصف قرن  بالحديد والنار, ومنعت كل المعارضين من الهمس حتى بالرأي الآخر, ثم أنجبت في نهاية عمرها مسخاً شرساً متعطش للدماء, شريكاً لها في خنق الأصوات المطالبة بالحرية والكرامة, أنجبت حبعش داعشاً لتكمل بذلك نكبات الأمة, ولتضيف الى كوارثها الجمة كارثة أكثر إيلاماً وأعمق جرحاً, من حقنا أن نتسائل اليوم:

يا ترى أين هذا الحلف الراديكالي من مآسي غزة ونكبتها المستمرة؟ هل هم ملتهوون بمبايعة الخليفة وتعيين ولاة الأقاليم؟ ربما وربما هم بتوزيع الغنائم مشغولون والله أعلم.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *