لا شيء يفنى ولا شيء يخلق من العدم

بقلم:وليد البني

لم تخلق الثورة السورية من العدم وهي لن تفنى أكيد. لم يخرج ملايين السوريين الى الشارع نتيجة تآمرهم جميعا مع الصهيونية والإمبريالية وأعداء الأمة من إجل اسقاط نظام المقاومة والممانعة في دمشق.
 إحدى وأربعين عاما من حكم مافيا أمنية إقتصادية عائلية بكل ما حملته من قمع وإجرام وفساد وجور لم يكن عدما، أكثر من خمسين الف قتيل، وحوالي عشرين الف مفقود، وحوالي نصف مليون سوري خضعوا للإعتقال والتعذيب والإهانة لم يكن عدما، وجميع السوريون دون  استثناء تقريبا، عانوا من الرعب والخوف على مصيرهم ومصير ذويهم خوفا من زوار الليل بسبب تقرير أمني يكتبه مخبر مأجور يودي بهم سنين خلف القضبان بدون حتى شرح الأسباب،  ولم يكن هناك إمكانية حتى للسؤال عنهم من قبل أحبائهم. كل ذلك الألم والرعب كل تلك الجروح التي أدت الى انفجار الثورة السورية لم تكن العدم، لذلك لم تخلق الثورة من العدم، لقد ولدت ثورة السوريين عندما أصبحت الرغبة بالخلاص من ألم الذل والخوف والقلق أكبر من الرغبة بالحياة.    
لذلك لن تفنى هذه الثورة ، ولن تنهزم. هذه ليست أمنيات بل هو قانون الطبيعة.
ولكن ومع الإعتراف بأن سوريا مختلفة وأن نجاح الثورة في سوريا وانتقالها الى نظام ديمقراطي كما حلم ثوارها الأوائل، يعني ثبوت نظرية الدومينو واستمرار ثوارت الربيع العربي بالتتالي لتشمل جميع الشعوب العربية والإسلامية بما فيها إيران،  وتهدد جميع حكامها مع اختلاف عمق دوافع قيام الثورات وإمكانيتها من دولة الى أخرى. مما أدى الى اتحاد أكثر من عامل إقليمي ودولي للوقوف في وجه نجاحها، إضافة الى مساعي بعض القوى الإقليمية وعلى رأسهم اسرائيل لاستغلال الوضع السوري لخوض معاركهم الخاصة ضد خصومهم على الأرض السورية وبالدم السوري وتلاقي تلك المساعي مع رغبة مافيا النظام في إطالة أمد سيطرتها على الشعب السوري ومقدراته ولو أدى ذلك الى تدمير سوريا أو هدد وحدتها المجتمعية أو حتى الجغرافية عبر استدعاء ( حالش نصرالله) أو إطلاق سراح متطرفي القاعدة وتسهيل وصولهم لتشكيل مليشيات تكفيرية ( داعش والتنظيمات التابعة للقاعدة) وذلك لتحويل ثورة الشعب السوري من ثورة على الظلم والموت والخوف الى  حرب طائفية كما هدد رموز النظام منذ اليوم الأول للثورة( حديث بثينة شعبان العلني وحديث توفيق يونس لبعض من استدعاهم من المعارضين السوريين لتهديدهم وكنت واحد منهم) .
كل ما سبق يمكن تفهمه في سياق قوانين العمل السياسي ومبدأ المصلحة الذي يقوم عليه،  بالرغم من أطنان الكلام عن دعم الديمقراطية وحقوق الشعوب الذي طالما كاد أن يصم آذاننا من قبل حكومات مايسمى بالعالم الحر، أو حديث الأخوة ووحدة الدم من قبل الأشقاء. فالمبادئ هي آخر ما يفكر به حكام الدول عندما تتعرض مصالحهم القومية للخطر( الدول الديمقراطية القائمة على تبادل السلطة وصندوق الإقتراع) أو مصالح أنظمتهم ( الدول العربية والإسلامية)، إلا ان ما يصعب فهمه كيف استطاعت هذه القوى تجيير قيادة أو من أرادوا اعتباره قيادة الطرفين( الشعب السوري ونظامه المافيوي) ليخدموا مصالحهم مقابل تأمين مصالح هذين الطرفين،  قيادة النظام في إطالة فترة سيطرتها ونجاتها من حساب شعبها،  وقيادة المعارضة في تلبية عقد النقص المزمنة لديها في المكاسب والمناصب، ليكونوا خدما لمصالحهم وحروبهم التي يخوضونها على حساب دماء السوريين ومستقبل أجيالهم،  تاركين الأرض والشباب السوري الثائر لشرفه وكرامته صيدا سهلا لأفكار داعش والقاعدة في البداية ثم عرضة لفقدان الأمل والرغبة في الهجرة بعد ما اكتشف زيف ادعاءات داعش والقاعدة حول الجهاد في سبيل الله ورفع الظلم عنهم تقربا لله وحبا بالشهادة، ومدى رغبتهم في التسلط والإجرام.
 وما لا يمكن تفهمه أيضا هو عدم قدرة السوريين الى حد الآن وبالرغم من كل مايتمتعون به من ثقافة ووعي من فرز طبقة سياسية واعية وقادرة على التعامل مع كل ماتحمله الجغرافيا السياسية السورية من تعقيدات، وبناء الصداقات والتحالفات وفق مبدأ المصالح المشتركة بعيدا عن التبعية وبيع الولاءات لهذه الدولة أو تلك،  
ولكن وبالرغم من كل ذلك وبحسب قوانين الطبيعة فإن الثورة السورية التي  لم تأتي من العدم فإنها لن تفنى،  والسوريون، جميع السوريون  وبالرغم من كل جراحهم وألامهم ومثلهم مثل كل الشعوب العظيمة على مر التاريخ سيجدون طريقهم بشكل أو بآخر  نحو وحدتهم ضد الإستبداد والظلام معا، وسينتصرون كما فعلوا على مر التاريخ وسيعيدوا بناء وطنا يشبههم حضارة وتسامحا وعراقة، وطنا لهم جميعا لا يعترف إلا بإنتمائهم الى سوريا بغض النظر عن أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم، وطنا لا يميز بين ابنائه، وشعبا لا يريد الدخول بأحلاف إقليمية أو دولية لأن كل جهده في السنوات الكثيرة القادمة سينصب على  إعادة بناء ما دمره الطواغيت، وذلك  بالتعاون مع كل دولة تجد  ذلك يصب في خدمة مصالحها ومصالح السوريين على حد سواء.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *