زبانية الأسد منشغلة بشدة منذ أشهر في عملية تأمين حماية المسيحيين , وحسب مبدأ “أساعدك لكي تساعد نفسك ..أحميك لكي تحمي نفسك” تطلب الزبانية من المسيحيين بشكل مباشر وغير مباشر حمل السلاح والانخراط في عملية الدفاع عن انفسهم , أي الحرب الى جانب العلويين تحت راية المعلم القائد .
الا أن معظم مسيحيو سوريا لايشعرون بشكل خاص بالتهديد لأنهم مسيحيين , بل لأنهم سوريين ومواطنين في بلد يتحارب أهله , وما أصاب البعض منهم من تضرر من جراء الحرب الأهلية هو أقل بكثير مما أصاب غيرهم من فئات الشعب الأخرى , اضافة الى ذلك لايجوز التحدث عن “الطائفة ” المسيحية , لأنه لاوجود لهذه “الطائفة” بشكلها المنغلق ووجهتها السياسية الموحدة تقريبا كما هو حال الطائفة العلوية, التي تقف تقريبا صفا واحدا وراء الأسد , مسيحيو سوريا مبعثرون وموزعون على كافة الاتجاهات السياسية , خاصة الاتجاهات التي أصيبت بالشلل السياسي عن طريق ضمها أو ضم أجزاء منها الى الجبهة الوطنية , التي هي بمثابة مركز تجميع لأسرى الأسد السياسيين , والبعث أحد هؤلاء الأسرى.
المسيحي وغير المسيحي يعرف تمام المعرفة على أن مشكلة البلاد أصلا ليست مذهبية وخاصة ليست وهابية , وأن حل مشاكل البلاد لا يمكن أن يكون عن طريق الخمينية , فالوهابية ليست الداء , والخمينية ليست الدواء , ويعرف أيضا على أن الوطنية لاتعني أقل من “وعي” الحالة السورية وادراكها على حقيقتها , وان سبب هذه الحالة هو الحكم الفاسد القاصر المستمر منذ نصف قرن , والذي ينتقل من فشل لآخر, ويجند كل مايتيسر له من لا أخلاقيات , ومنها لا أخلاقية الطائفية , في سبيل البقاء والاستمرار في امتصاص دم الشعب السوري
لا لزوم لتعداد مكونات المشاكل ..ان كانت الديكتاورية أو الفساد أو الطائفية المستشرية , التي لم تعد مقنعة ..سقط القناع عن القناع !!, والمواطن الواعي يعرف أيضا على أن نغمة الوهابية والمؤامرة والحرب الكونية انما هم وسائل للتمويه ولوضع قناع جديد على وجه السلطة المتعفنة , ويعرف أيضا على أن الخمينية ليست أفضل من الوهابية , وان ايران ليست الا الوجه الآخر للسعودية والعكس صحيح , ثم أن المواطن الواعي يعرف حقيقة المقاومة والممانعة , وان الممانعة جسد بدون عقل أو قلب , كما أن الهدف من التشدق بالمقاومة والممانعة ليس الا استمرارا للاتجار بالقضية الفلسطينية , المواطن يعرف أيضا على أن تحرير سوريا له أولوية على تحرير فلسطين , ويعرف على أن مسلكية السلطة في سوريا هي كمسلكية المستعمر , وليس كل مستعمر , انما القبيح من الاستعمار , والمواطن عرف مؤخرا من هو عدو البلاد الأساسي , انه ذاك الذي قتل مئات الألوف وهو الذي دمر البلاد بطائراته وهدم البيوت على رؤوس ساكنيها بقنابله , وهو الذي يسجن مئات الألوف ويقتل تحت التعذيب بشرا كل يوم , وهو الذي جعل من المسيحي مواطنا من الدرجة الثانية , وهو الذي أرغم نصف المسيحيين على الهجرة في العقود الاخيرة , وهوالذي استخدم الرصاص لمنع القلم واللسان , لقد “صحر” البلاد سياسيا بمنعه ممارسة السياسة , ومنع السياسة قاد الى “تصحر ” الفكر العام والثقافة والى لجوء المواطن الى المرجعيات المذهبية القديمة , انها الغيبية المذهبية التي أصابت الفرد السوري بمقتل فكري , والتي أتت كرد فعل على غيبية السلطة وطائفيتها …كنا نظن على أن المستوى العام للثقافة والتنوير في سوريا عال وأعلى من ستواه في السعودية أو مصر أو ليبيا وغيرهم من الدول والمجتمعات العربية , والمفاجأة كانت كاملة ومؤلمة , حيث اكتشفنا على أن المحرك الأساسي لفئات المجتمع السوري أصبح المذهب الديني , فمن يلغي السياسة يفتح الباب على مصراعيه الى اللاسياسة , أي الى الطائفية والطوائف والغيبيات الأخرى.
المسيحي الذي يعي كل هذه الأمور يتوصل الى قناعة لاتفرح الأسد , اذ ان من يهدد الانسان السوري ليس المذهب الوهابي أو الشيعي أو غيرهم من المذاهب , انما المستبد الذي خلق الطائفية لتوظيفها في خدمته , ونتيجة لذلك يجب القول على أن السوري الذي يتعامل مع الآخر طائفيا هو ضحية الأسدية وهو المغرر به من قبل الأسدية , حيث لامصلحة للعلوي أن يكون عدوا للسني , ولا مصلحة للسني بأن يصبح عدوا للعلوي , ولا مصلحة للمسيحي أن يكون عدوا لأحد , لذا لامصلحة للمسيحي أن يحارب غيره , ومصلحة المسيحي وغير المسيحي تنحصر في محاربة الظام والاستبداد , وليس للمسيحي وغير المسيحي من عدو الا هذا الظالم المستبد , ومن هو ذلك الظالم المستبد الذي يهدد المسيحي وغير المسيحي ؟. الجواب واضح وسهل , انها السلطة الأسدية التي هددت الوطن بشكل كامل ونفذت مضامين شعاراتها المنحطة ,ثم باشرت بحرق البلد حتى قبل أن يسقط الأسد .
من يهدد المسيحي وغيره هو الذي يعمل منذ نصف قرن على ابادة عقل الانسان السوري لتحويل هذا الانسان الى ببغاء …من هو قائدنا الى الأبد؟ ..صرخ الموجه في المدرسة , وعلى الطلاب الاجابة , انه حافظ الأسد الى الأبد!! , أمرهم بالسير في المسيرة , فساروا .. أرغمهم على الصمت , فصمتوا , أخافهم وحول بلادهم الى جمهورية الخوف , وكل ذلك هو برنامجه والى الأبد .