من خان العسل الى الجيش في عيده

بقلم: علام أحمد

مضى قرابة أسبوع على مجزرة خان العسل، الفاجعة التي باتت تحتل الرقم واحد في قائمة الكوارث الوطنية في سورية منذ زلزال آذار/مارس 2011، تقول الأنباء أن محاولة قامت فيها قوات الجيش لاستعادتها من محتليها لكنها باءت بالفشل، في وقت يحتفل فيه “ما تبقى من الجيش” بعيده الثامن والستين، في ظل خطاب عصامي أدلى فيه د.بشار الأسد لمجلة “جيش الشعب” وزيارة خاطفة لأطلال داريا وفق ما نقلت بعض وسائل الإعلام.

لا تعليق ينفع مع كلام الأسد الجديد- القديم فهو يتحدث عن سورية ثانية، بلد لا يدرك مستشارو الأسد وحاشية الخطابات كيف يعبرون عن حالها، فيأتي التعبير عن الواقع وتشخيصه منافياً تماماً لما يحدث على الأرض، وتستمر الملحمة في تحقيق طموحات “القيادة الحكيمة” بالنصر المؤزر، وتجد السلطة مساحة وافرة للمضي قدماً في نهب الفقراء وقتلهم وإبادة ما تبقى من الجيش، حيث يغادر الجندي داره ليعود بعد فترة محمولاً في نعش، ويحدث ألا يعود أبداً، ويبقى قبره مفتوحاً لأشهر كما حدث مع عسكري قضى على حاجز الكندي في حلب، أو أن يسلم روحه خلال تناوله الطعام في أحد الاستراحات على يد مجرم يحمل لقب الأسر الحاكمة لأنه رفض مغادرة المكان، أو على حاجز لأنه أوقف سيارة شخصية تتبع المافيا الاقتصادية بعد أن أصر على ثبوتيات تسمح بمروره. -ما سبق غيض من فيض-

سيحتج أنصار الأسد ببراءته من الفاسدين والسارقين والقتلة، سيمفونية اعتدنا على سماعها منذ ورث عرش الجمهورية، التي تعود جذور كل الكوارث في سورية بما فيها خان العسل إليها على اعتبار أنها أكبر مجزرة حدثت بحق الشعب والبلد، وسيذهب فريق آخر منهم للدفاع وفق قاعدة “البوط العسكري” لأنهم بلا موقف كما أرادتهم السلطة، واحتجاجهم تهديد ووعيد وشتائم.

إن الإيمان بدور الجيش في الحفاظ على وحدة سورية، لا يجعله فوق الانتقاد، تحديداً عندما يتحول لوحدة تدور في الفلك الكلي للسلطة وتوجهاتها، وما حدث في خان العسل أعلن صراحة أن ما تبقى منه يسير في طريق التفتت والإبادة الشرعية، فكما كل مرة لم تتعب وزارة الدفاع نفسها بتكليف ناطق يخبر السوريين ما الذي حدث في خان العسل، ولماذا ذبح وأحرق أبناؤهم، لماذا ظل نداء استغاثتهم يملأ الآفاق مدة أسبوع ولم تصل إليهم مؤازرة أو دعم؟ كل ما فعلته أنها قامت بوضع لقب الشهيد إلى جانب أسماء الجنود في السجلات العسكرية، مثبتة من جديد أنها عاجزة عن اتخاذ قرار وطني من أجل سورية وشعبها، لا أريد القول أن الجيش من السلطة والسلطة من الجيش، لكن عار على الجيش ألا يقول الحقيقة عندما تصبح أفعال السلطة فضيحة شرعية ورسمية، وعار علينا نحن أن نزني بدماء الأبرياء مدنيين وعسكريين.

تختلف خان العسل المنكوبة عن سابقاتها بالتفاصيل والمراحل المؤلمة التي حظيت بتغطية كبيرة خلاف غيرها من مجازر وبأعداد الشهداء الذين أعدموا بطريقة بربرية، لكن اختلافها هذا لم يمنعها من التشابه مع نظيراتها حتى التي لم يكشف النقاب عنها، من حيث تواطؤ السلطة مع الفاعلين، وإحجامها عن إنقاذهم كما فعلت وتفعل دائماً بهدف استغلال الواقعة سياسياً وشعبياً.

خان العسل نجحت أيضاً وللمرة الأولى في إحداث توافق غير مباشر بين المعارضة المسلحة بشقها الائتلافي والسلطة، حيث اتفق الجانبان على إدانة المجزرة دون اتهامات مباشرة لبعضهما كما السابق، لكن أمراً جديداً تضمنه البيان الائتلافي بشأن الواقعة، حين اتهم جهات أخرى تستغل الانفلات الذي يسعى النظام لترسيخه، متعهداً بالكشف عن الجناة من خلال لجنة تحقيق، لكن من يقرأ مضمون البيان بعين الدراية يستطيع التعرف على أدوات المجزرة دون تحقيق، ومن يتأمل في تعامل السلطة غير الأخلاقي مع الواقعة يتعرف على العقل المخطط للمجزرة والهدف منها.

موظفو إعلام السلطة الرسمي والخاص ومحللوها، قدموا دليلاً جديداً على وفائهم الكبير لقيم المافيا التي دعمتهم ليكونوا وجوه شاشاتها، حيث لا يتردد أي منهم للحظة في احتساء دماء العسكريين والمدنيين مع كوب الماء خلال أي تغطية، وهم وسلطة الممانعة لم يتذكروا أن عليهم تغطية المجزرة وبيان حالها إلا بعد يومين من انتشار أخبارها في العالم أجمع، وحتى عندما أرادوا الحديث عنها تولى عمران الزعبي تضليل العباد كالعادة، وكان سبقه بيان استغاثة واستجداء صدر عن وزارة الخارجية إلى المنظمات الإنسانية والمؤسسات الدولية المعنية بالنزاعات والحروب، “الخارجية ذاتها تبحث لليوم عن ممحاة لتمسح أوروبا عن الخارطة، نتمنى أن تجدها”.

ذات الإعلام والوجوه والمحللين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها تمجيداً وعويلاً بشهيد الخلافات العائلية محمد ضرار جمو كما كشفت التحقيقات، وليس شهيد الكلمة والفكر كما استغلوا الحادثة وزورها، وذات الإعلام ووجوهه ومحلليه جعلوا من الاستديو مجالس عزاء مفتوحة عند استشهاد المراسلة يارا عباس. -أختلف مع الطرفين جذرياً لكن للموتى حقوق أكبر من أي اختلاف-، أضف على ما سبق عشرات الأمثلة والحوادث التي تؤكد أن السلطة وإعلامها شريك حقيقي في كل مجزرة أو جريمة.

تقول خان العسل، لن ينتصر جيش يسمح ببقاء سلطة بالعقلية الحالية، ولن ينتصر القائلون بثورة غير موجودة وفق أبسط تعريفات وأدبيات الثورة مهما احتملت من فعل انقلابي مسلح وغضب متفجر ضد كل مفهوم ثابت وتقليدي، لن تنتصر رايات جبهة النصرة والقاعدة ودولة الخلافة الموعودة ومشروع الإخوان المسلمين على إرادة شعب انتفض لبناء دولة مدنية لكل أفراده، لن تقوم لسورية قائمة ما دامت كوادرها الوطنية كعبد العزيز الخير وباقي المعتقلين وسجناء الرأي لليوم داخل سجون السلطة، ومن يفلت من براثنها يقع فريسة اتهام وإقصاء من الائتلاف أو غيره، أو تحت رحمة مجاهد داخلي أو خارجي يحكم على من يقف أمامه بناء على سؤال: من أين أنت؟ وفي حال اشتبه بأمر الضحية تبعه بسؤال:” شو طائفتك”، لن ينتصر من هلل وكبر اليوم بعد انفجار مستودعات ذخيرة في بعض أحياء حمص وتسببت بمجزرة بين المدنيين قائلاً بنفس طائفي مقيت: “الأحياء العلوية تحترق الآن والراجمات تدك الأحياء المحاصرة”، هذا ليس ثائراً، هذا إرهابي.

متى تدرك السلطة أن عليها اجتراح حل معجزة يوقف نزيف الدم؟ متى تدرك المعارضة المسلحة أن حربهم تجاوزت الأسد والسلطة؟ متى يدرك “ما تبقى من الجيش” أن عليهم توجيه فوهات بنادقهم ومدافعهم إلى مكان آخر قبل استكمال المعركة ضد إرهاب النصرة والقاعدة وأصحاب الفكر الظلامي؟ تتساءل خان العسل.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *