في هجاء ومديح حافظ الأسد

وقع  نظري على مقال لباسم خزام من عام ٢٠١٢, وقد أحسست  في المفال بنوع  غريب من الجاذبية ,المقال  كان ظاهريا  حول حافظ الأسد , الا أنه حقيقة  كان حول بشار  الأسد, والأسلوب أوحى  وكأن الكاتب , الذي هو من الزبانية  أصلا ,قال  رأيه بصراحة  “كل ما جرى .. وبعد التعرف على شعبي السوري .. وعلى مثقفيه وفئاته وحدود تفكيرها.. أقر أنا الكاره السابق للنظام.. و الهارب من الخوف والذل.. والعائد إليه لاحقا بإرادتي.. أن حافظ الأسد أعظم رجل في التاريخ السوري.. فهو أفهم من الأدباء والمثقفين بأنفسهم.. أدرى من المتدينين بربهم.. وأعلم من الخونة والقتلة بما في صدورهم.
حافظ الأسد عرف السوريين جيدا.. وعرف أفضل طريقة ممكنة لسياستهم .. فحاسب كلا كما يستحق تماما بحسب أثره في المجتمع دون أدنى ظلم..”

لاعلاقة لأحد في نحول الكاتب  من كاره للنظام الى محب للنظام , فهذا  أمر شخصي بحت  ,أما تقييمه لحافظ الأسد على أنه من عظماء التاريخ السوري ,فهذا أمر تكتنفه االهزالة   , واذا كان القصد من عبارة التاريح السوري هو ناريخ سوريا بعد الاستقلال , فهذا أيضا هزيل جدا ,ذلك  لأنه لايمكن تقييم   تاريخ الشعوب سياسيا من خلال عشرات السنين وانما من حلال مئات السنين  , ولا يمكن مقارنة حافظ الأسد مع غيره  ,لأن الأسدية سيطرت عمليا  بالساطور على رفاب الناس لمدة  تعادل أكثر ٧٥٪ من كامل حقبة مابعد الاستقلال , بعد نشوة سياسية  قصيرة بعد الاستقلال ,بدأت حقبة جديدة مظلمة  بعد عام ١٩٥٨ وتحولت خاصة بعد عام١٩٧٠الى شكل فريد  من نوعه في ظلمه  وظلامه , تحولت الى دين  هو الأسدية , التي أوصلت البلاد الى الحالة الكارثية التي نراها الآن في سوريا

يقول الكاتب عن حذاقة  حافظ الأسد”عرف كيف يرضي المتدينين ويضحك على عقولهم ويكسبهم.. أجبر الدين أن يبقى حيث يجب أن يبقى.. في البيت والجامع.. فلا يخرج إلى الحياة السياسية.. وأشرك بالمقابل كل الطوائف في الحكم”

اذا كان الهدف من التعامل مع رجال الدين  هوالحد من نفوذهم  , ضمانا لمستقبل علماني , فقد فشل  الرئيس المتوفي فشلا ذريعا ,  لقد أفرط جدا  في   استخدام السوط والمشنقة  وحول نفسه الى ظالم عتيد, ثم حول الاخوان الى مظلومين , ولا يمكن القول على انه ضحك  على ذقونهم, بل  انهم ضحكوا على ذقنه ,فشعبيتم التي  لم تتجاز في الخمسينات  أكثر من ٥٪ تبلغ تقديرا اليوم  أكثر من ٣٠٪, وشريعتهم أصبحت المصدر الرئيسي للدستور  , ورئيس البلاد يجب أن يكون مسلما , والأحوال الشخصية  سلمت لهم  من قبل الدولىة التي تدعي العلمانية ,بنى لهم عشرات الألوف من المساجد , وأزاح  الأسد القوى العلمانية  الحقيفية من أمامهم  , أفرغ الساحة السياسية  من قوى الحداثة والديموقراطية  والعلمانية , وبالتالي  مهد لهم طريق  احتلال  المسرح السياسي , الأسدية كرست أيضا الطائفية  , وبالتالي أمنت للأكثرية العددية السنية  أي الاخوان  التحصن وراء  حصن الأكثرية العددية  مذهبيا ,والفصد من ذلك كان ضمان ولاء الطائقة العلوية وتبريرتسليح   هذه الطائفة عن طريق تفزيعها واخافتها من الأكثرية العددية السنية  ,كماقال لي  أحدهم  ..عدد مقابل عدة …رجال الدين يعلنون اضافة  الى ذلك التعبئة العامة , أو مايسمى بلغتهم النفير العام ,وأين هي الدولة العلمانية التي تعلن النفير العام والجهاد الاسلامي .

الكاتب  قال عن الأسد “طهر الأرض من المجرمين والقتلة.. وجفف منابعهم الطائفية بالقوة.. وكسب البيئات الدينية المعتدلة التي تسمح لغيرها بالحياة.. وإندمج فيها فأحبته من قلبها وأغلبها لا تزال مخلصة له حتى الآن. لم أكن عرف ما هي الطائفية على أيامه وقضيت أغلب سني عمري لا أجرؤ على التلفظ بأسماء الطوائف حتى بيني وبين نفسي.. كم كان ذلك جميلا .. أن يقمع رجل عظيم الشر الكامن فينا حتى قبل أن ينبت..”

وكيف  لي أن أصدق هذا الهراء  ؟ , عندما يتحول الجهاز الاداري الحكومي الى  جهاز يعمل حسب قانون واحد هو قانون الفساد , منظمة الشبيحة ولدت عام 1976, وأجهزة  الأمن تكاثرت  لتصيح أكثر من  17 جهاز , واذا كان الكاتب يلمح الى مجازر حماه  خاصة الأخيرة عام 1982 , فسرايا الدفاع لم يجففوا منابع الارهاب , وانما كانوا عبارة عن قتلة ومجرمين , لقد رسخوا  القتل  وممارساته في سوريا وجعلوا منه مهنة  , وعن الطائفية فقد التبس الأمر على السيد الكاتب بشدة , عدم الجرأة على التلفظ  بأسماء الطوائف ليس الا دليلا  على وجود الطائفية   , وعدم الجرأة على التلفظ  كان بسبب  الأوامر الأسدية  , التي  ارادت بذلك البرهنة المزيفة  على عدم  طائفيتها , , ثم ان طائفية هذه السنين  والحرب الأهلية الطائفية  لم تسقط من المريخ , وانما  أسس بها  وأرادها الأسد  بكل تصميم  , ذلك لأنها السبيل الوحيد  لبقائه قسرا , وهل للأسد هدف آخر غير البقاء ؟

 وعن المثقفين قال الكاتب  على أن الأسد “عرف نوعية المثقفين لديه.. فعامل كل منهم كما يستحق.. إحترم بعضهم وقال له أفكارك لا تنفع هنا فاصمت أو ارحل وعد متى شئت.. مثل نزار قباني والماغوط وممدوح عدوان وأدونيس.. ومن لم يفهم أو كان حالما وربما كان سيستسبب بالبلبلة فقد جنى على نفسه وسجن حتى لو كان من طائفته فلا فرق عند هذا الرجل العادل.. مثل عارف دليلة وعبد العزيز الخيرو مئات أخرين..

وهل هناك أكثر  انحطاطا من انحطاط اسلوب تعامل الأسد مع المثقفين ..اصمت أو ارحل!, والذي لم يصمت  وسبب البلبلة  فكان نصيبه السجن , وعن أي  مجتمع   تحدث الكاتب ؟ , انه مجتمع الغاب  , وعن أي رئيس تحدث الكاتب ؟  انه  الوحش الأكبر  وشيخ المجرمين .

لقد  “ميز المثقفين الطائفيين والحاقدين المخربين للمجتمع كما أثبت الزمن اللاحق فسجنهم.. وإن لم يكونوا قد استحقوا سجنهم وقتها -ولا أعتقد – فقد استحقوه بجدارة لاحقا.. مثل ياسين الحج صالح وميشيل كيلو وحازم نهار وفايز سارة ولؤي حسين وأمثالهم..”

الكاتب لايتحدث هنا عن “جمهورية ” , وانما عن “زريبة ” بهائم , ولم يدرك الكاتب  ولا رئيسه  اطلاقا  ماتعنيه كلمة دولة ودستور وقانون  , انها المزرعة التي تملكتها عائلة الأسد في سياق تحويلها سوريا الى جمهورية الخوف .الى سوريا الأسد , انها صفة البربرية التي تستحقها سوريا الأسد بامتباز  شديد ..ولم يكتف الكاتب  بذلك , وانما  قال  عن الأسد ماهو أعظم  ….”لقد طوع المثقفين الدنيئين الذين يبحثون عن مستأجر.. ووجد لهم عملا يتعيشون منه طالما هم تحت الحذاء.. حيث مكانهم المستحق.. مثل حكم البابا وعلي فرزات وأمثالهم..“وهل هناك خساسة   وصفاقة أعظم ؟؟المثقف وغيره يتعيشون  تحت الحذاء ..عبارة لم أقرأ لها ى شبيها , ثم يقول الكاتب  على أن الأسد اهتم
” بالفنانين والشعراء السوريين والعرب الذين يستحقون الاهتمام .. مثل مصطفى نصري والجواهري والرحباني. وغيرهم,وحصر الدعارة في أماكن مخصصة لها بدل أن تنتشر في الشوارع والمقاهي وأماكن العمل والصحف. منع عن الشعب ما هو خطير عليه جدا مثل الستلايت والموبايل والإنترنت..”

العبارة الأخيرة عن  منع  الموبايل  والنترنت والستلايت بسبب خطورتها على المواطن , الأصح القول بسبب خطورتها على الأسد , الذي  وضع كامل الشعب السوري في سجن كبير , الا أنها لم تعد خطرة على الشعب عندما اراد رامي مخلوف الاسترزاق من خلالها , ثم يقول الكاتل عن ةالأسد  على أنه “عرف كيف يستقر الحكم ويتوازن دون مشاكل .. استعمل الوطني كالشرع .. والوطنيين المؤلفة قلوبهم..أي من يحتاج للمال حتى يبقوا وطنيين كخدام والزعبي وأمثالهم..
أطعم الفاسدين بميزان دقيق.. وصرامة.. فكانوا لا يجرؤون على القضم أكثر مما يسمح لهم..
أرضى التجار والعائلات الكبيرة ..
كان رجلا ترتعد له فرائص أعدائه وأصدقائه في الداخل والخارج.. فحكم أطول مدة في التاريخ السوري الحديث..”, انه هجاء بقصد به مديح , وهل تحويل البشر الى زبانية من المهمات المحمودة لرئيس الجمهورية ؟؟؟؟اننا نرى الآن نتيجة هذه السياسات البدائية , هذه السياسات تؤسس فقط للخراب , الذي نحن به  الآن , ثم يقول الكاتب :

“كان حافظ الأسد الحل الأمثل لسورية مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الشعب وثقافته وظروف البلد والأخطار المحيطة به.. فبنى سورية الأمن والأمان.. سورية المنيعة في مواجهة أعدائها.. سورية المدارس والمستشفيات المجانية .. سورية السلع المدعومة .. سورية الفقر الموزع بالتساوي بين الجميع.. ولو كان الغنى ممكنا لوزعه بالتساوي.. عاش بسيطا فقيرا.. ومات فقيرا لا يملك شيئا.. كان رجال دولته يتمتعون بالنساء والمال والاستجمام في أجمل مناطق العالم وهو يعيش في شقته المتواضعة.. لا يفكر إلا بمصلحة الشعب”

وزع الأسد الفقر  ,والأصح  القول نشر الأسد الفقر, ولماذا  الغنى غير ممكن ؟؟وقد  بلغت مسروقات البيت الحاكم  مئات المليارات من الدولارات , ماسرقه رفعت الأسد يعادل ميزانية سوريا لعام كامل , وما كان موجودا على حساب المرحوم  باسل الأسد عادل ميزانية سوريا الكاملة لعامين  , وما يقال عن ثروة بشار الأسد  بعادل ميزانية الدولة السورية لخمس سنوات كاملة , والذي مات فقيرا لايملك شيئا هو المواطن السوري حافظ الأسد  الذي بنى لوالدته ناعسة مسجدا , ولابنه مقاما  تعجز الدول عن تحمل مصاريفه , ثم ان ذلك الفقير  بنى 600 مدرسة لتحفيظ القرآن , وهل  يعقل  على أن الأسد مات  وليس عنده بيت؟ , عندما  أصبحت كامل  عائلته   من جميل الأسد الى فواز الأسد ..الخ من اصحاب المليارات  ..كفى استجحاشا !! ثم يقول الكاتب :

“عرف كيف يضع حذائه في فم إسرائيل والغرب وأعوانهم ملك الأردن وعرب البعير والميليشيات اللبنانية.. عادى عرفات والسادات وكل من فرط بشبر من أرض فلسطين..
ضبط الميليشيات الفلسطينية بالقوة وبنى مقاومة لبنانية ودعم الفلسطينية ووجهما تجاه العدو وبنى توازن رعب يعمل الأعداء وعملاؤهم في الدخل والخارج منذ سنوات على تفكيكهما..

الحديث عن الأسد وفلسطين مؤلم جدا , ذلك لأن الكذب والخداع والتضليل  هم الأساس الذي أسس الأسد عليه سياسته,  لم يعد للأسدية أي حليف أو حتى عميل على الساحة الفلسطينية ماعدا  محتكر المزارع الاقطاعي  جبريل , لاعلاقة  له مع فتح الضفة الغربية , ولا علاقةايجابية  مع حماس  غزة  , وأسوء العلاقات  , هذا ان وجدت , مع المغنربين الفاسطينيين, هذا مانلاحظه اليوم ,وأسس حالة اليوم  وضعها حافظ الأسد قبل سنين  , وطورها بشار الأسد الى الأسوء  ..الأسدية وحدة لا تتجزأ , والمسؤولية التاريخية تقع على الأسدية , الأسدية  هي التي قامت بمجازر طرابلس  وتل الزعتر وشاركت في أيلول الأسود …ومخيم اليرموك  وحي الرمل …الح اسألوا الفلسطينيين عن الأسد  الذي لم يسترد شبرا واحدا من  الأرض المحتلة …كلهم استردوا الكثير من الأشبار والأمتار , الأسد لم يفهم  وظيفة السياسة  التي هي  تحقيق الممكن .ثم  ينتفخ الكاتب ويقول ان الأسد:
“بنى لسورية قيمة أكبر من مساحتها وقدراتها قبل أن ينقض عليها أعداؤه بعد مماته لاعنين روحه”…سوريا أصبحت أكبر  من حجمها  فعلا , وتضخمها لم يكن الا تورما ..سوريا أصبحت أكبر بحيونتها  وانحطاطها ودمويتها , ولم تصبح أكبر  بتحررها وديموقراطيتها  وسلمها الداخلي والخارجي وقوتها العسكرية والانسانية والاقتصادية , تقزم السوري الايجابي ,وتورم السلبي .., ثم يقول الكاتب .
“فعل كل ذلك باللين والحب عندما كان ينفع.. وبالشدة والبطش تارة أخرى.. لا يزال كارهوه يخشونه حتى الآن.. لن يستطيعوا هزيمته في رؤوسهم.. ومهما حدث سيبقى ذلا أبديا لهم.. لن يستطيعوا تجاوزه”,لا أر في الأسد الا البطش , والبطش بشكل عام هو شكل من أشكال الحيوانية, والكاتب يتابع:

“كثير كثير .. لا مجال يتسع لتعداد مناقب هذا العظيم العظيم..كان رجل دولة من أرفع طراز.. لا يتكرر إلا كل بضعة قرون.

أقول هذا.. أنا مناصر الإنسانية والحريات وحقوق الإنسان.. بعد تجربتي مع شعبي السوري ومثقفيه وموالاته ومعارضته.. لاقتناعي أن سياسة حافظ الأسد هي السياسة الأمثل التي تخفف الألم السوري الكلي إلى حده الأدنى.. والدليل ما يحدث الآن.. وأعلن أني مستعد للعيش في سورية تحت حكم رجل مثله بغض النظر عن طائفته.. طالما أنه على عهده لا يجوع فقير ولا يجرؤ أحد على استباحة دم أحد.. ولا تستطيع الكلاب أن تفلت في الشوارع.

عذرا رياض الصالح حسين.. أيها النقي الجميل.. أكيد أنك أدركت الآن أن حياة الجماعة أهم من أحلام الفرد.. تعلم أنك ولدت في المكان الخطأ والزمن الخطأ بين الناس الخطأ.. عش بسلام كما يليق بك بين الانبياء.

باسم خزام / أوقات الشام”

قلت في البداية  على أن المقال  يخص بشار الأسد بشكل رئيسي; وعن طريق نعدادالكاتب للصفات المحببة لديه عند حافظ الأسد , اراد التنويه الى الصفات التي لايمتلكها  بشار الأسد ,وفقدان هذه  الصفات عند بشار الأسد  عو الذي عرقل حل المشكلة !!!!

لو كان حاقظ الأسد حيا , لأدرك على أن الأسدية قد انتهت ,  وبشار الأسد  لايمتلك من الذكاء مايساعده على  تكوين هذا الادراك , ثم هناك تشوهات عديدة  في ادراك بشار الأسد , ادراكاته تحولت الى أوهام , هناك وهم النصر على الشعب , وهناك  وهم جدارته  بالرئاسة  , والوهم الأكبر  هو اعتقاده  على أنه الوحيد بين عشرات الملايين , الذي يستطيع اسعاد الشعب السوري يوجوده , طائفيته التي تهيأت له وكأنها لاطائقية ..الكذب  الذي  يعتقد على أنه صدق , وهم حماية الأقليات, وأكثر من تضرر من  الأسدية  هم الأقليات  خاصة  الطائفة  العلوية  التي أوقعتها أوهامه قي  أسوء الاشكاليات , ثم هناك  وهم الاستمرار في الرئاسة حتى عام ١٩٢١ , ووهم افتتاح عيادته العينية , وهم شعبيته وعدم تمكنه من  طرح  السؤال على نفسه  , لماذا يحبني الشعب بهذا الشكل ؟؟؟, هل تحويل سوريا  الى بابا عمر كبير  هو سبب الحب ؟ أو تحويل سوريا الى سجن كبير هو سبب هذه المحبة , وهم عدالته الاجتماعية  ووهم علمانيته  التي تعلن الجهاد والنفير العام …قائمة الأوهام كبيرة وطويلة جدا وما ذكر يكفي  للقول على أن الأسدية  هي كارثة سوريا , ولا انقاذ لسوريا الا باجتثاث الأسدية

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *