الثورة وأكل الأبناء !

يتحدث البعض عن سرقة الثورات, وذلك لأن ثورة ما  اتخذت  اتجاها أو منهجا مخالفا  لما يريده البعض أو يتمنوه , وفي سوريا تحولت الثورة من منهج سلمي الى نهج عسكري واضح تصدرته القوى الاسلامية , والسؤال هنا  هل من الممكن للثورة السورية أن تبقى سلمية , وهل لها  الا أن تتعسكر  ؟, وهل العسكرة  ممكنة دون القوى الاسلامية ؟.

من يتأمل  بنية السلطة السورية  ويبحث في مقدراتها ومقوماتها, يجد على أنها  عسكرية 100%  وعنيفة100%  وخالية من الفكر 100%  ثم انها استبدادية 100% , وهذه البنية  لاتسمح للمعارضة الا أن تتعسكر  ولو جزئيا  ,واستمرار الثورة ونجاحها ليس ممكنا دون العسكر   , ومن يريد اجهاض الثورة عليه  أن يتمسك  بأسس ومبادئ  نظرية   كالسلمية  لمكافحة الأسد ,الأسد يتمنى سلمية الثورة , لأنه بذلك يستفردها  ويقضي عليها في ليلة واحدة  ,وقد  تمنى  الأسد  عسكرة الثورة  , ظنا منه على أنه  الأقوى في ساحة الحرب , لذا فان الأسد كان متيقن من النصر   على الثورة  ان تعسكرت أم لم تتعسكر .

حسابات الأسد بخصوص الثورة السلمية صحيحة ,  ولا توجد عنده أي صعوبة أو مشكلة في زج  مئات الألوف من المعارضين المسالمين في السجون  وتقتيلهم , حيث يقال على أن  عدد الوفيات منهم تحت التعذيب يبلغ يوميا  مئة ضحية  , أحيانا يتسرب خبر مفاده على أن  عمر عزيز  مات أو غيره  تحت التعذيب  , دون أن  يسبب ذلك عند السيد الأسد أي  انزعاج  ..مات ! بحفض الصرماية ,  بل بالعكس فالسيد الأسد يفخر  بموتهم , لانهم ارهابيين !, ومن يحاسب الأسد بسبب موت أحد المخطوفين   , ولو اراد الأسد قتل عبد العزيز الخير  هذا اليوم  , فهل هناك عوائق   أمام قتله  , وما هي عواقب قتله ؟ للأسف لاعوائق ولا عواقب , يقتل من يشاء  وكيفما يشاء ومتى يشاء .

  الثورات بطبيعتها ديناميكية ,ومن  يفهم هذه الطبيعة الديناميكية  , لايجد في  اندماج القوى الاسلامية  في العمل الثوري  الا  تحقيق لحاجة لابد منها , وهي النجاح , ومن يفهم  طبيعة الثورات  يعرف تماما  على  انه للثورة  منعطفات  واعوجاجات  مرحلية  , ويعرف أيضا على أن الثورة قد  تأكل  اولادها , بمعنى  أن الثورة   تقوم بتنقية نفسها من  القوى والتيارات التي أصبحت شوائب فائضة  , والثورة الفرنسية  خضعت كغيرها من الثورات الى هذه القاعدة , ولم يكن تطورها  مستقيما  , وانما شديد الاعوجاج , وصدق الثائر الفرنسي  جورج جاك دانتون  عندما قال  وهو أمام المقصلة “ان الثورة تأكل أبنائها “, من السهال أن تندلع ثورة  , الا أنه من الصعب تحديد مسيرة هذه الثورة , التي تتطور بشكل أو بأشكال  لا تتناسب مع طموحات   ومبادئ الكثير من الثوار , وتنكص الثورة السورية عسكريا  لايمثل خيانة للسلمية , وانما  تناسقا  مع   واقع   يفرض     هذه   العسكرة ,والعسكرة “المفروضة ” تستقطب أولا جماعات من  محترفي القتال أو من الذين يجدون في الجهاد والقتال هدفا  لهم , ودور هؤلاء مرحلي , فعندما تصبح العسكرة “فائض” تكتيكي , يختفي  هؤلاء   وتحل محلهم جماعات  تتناسق مع الوضع الجديد , الذي قد يكون سياسي , ومن يريد منهم  الاصرار على  التعسكر في هذه المرحلة   ويرفض  التطور  , يصبح “فائضا” ثوريا  , وقد يلقى مصير دانتون  أو مصير روبسبيير أو مارا الفرنسي .

يجب   ادراك حقائق أخرى , منها مثلا تقبل وجود الاسلاميين في السلطة ,  انهم يمثلون حيزا من الشعب السوري , ولا يمكن لمن يريد الالتزام  بالديموقراطية حذفهم من الوجود السياسي , ولا يمكن مطالبتهم بالالتزام  بالديموقراطية  , عندما لايلتزم الغير بها  , ثم ان مشاركتهم في السلطة  لايعني  نهاية المد الثوري , ولا يعني التأسيبس  لسلطة استبدادية   أصولية ستستمر عقودا , انما يعني  البدء الصحيح في تحرير المجتمع من الفكر الأصولي الأحادي  , وتحرير المجتمع من الفكر الأصولي لايتم عن طريق ممارسة الأصولية الأسدية  ولا عن طريق السجون والمشانق  , وانما عن طريق الالتزام  المطلق بالديموقراطية والحرية  , التي تسمح بالمفاكرة  والصراع الفكري  السلمي ,الالتزام بالديموقراطية  هو من أكبر الانتصارات على الأصوليات المختلفة الأشكال , هو انتصار على الاصولية الدينية  وعلى أصولية الأسدية , والديموقراطية كبرنامج ومنهج قادرة على التعامل مع بعض البقايا  السلفية والأسدية , بقايا  سوف لن يكون لها  أي تأثير  على المدى المتوسط والبعيد على مجرى السياسة , على المدى القريب  قد يكون لهؤلاءتأثيرا لايتناسب مع قوتهم الحقيقية , على المدى القريب   تسيطر حالة ارتكاسية  نفسية , قد تستمر بعض الأشهر  , وليس أكثر .

يجب ترتيب أهداف الثورة بمنتهى الحرص والمنطقية ,والهدف الأول  والأساسي هو اسقاط النظام الأسدي بكل مكوناته , ليس كرها بهذا  النظام  وليس انتقاما منه  ,وانما حرصا على حاضر ومستقبل البلاد  , وذلك بعد أن خربت الأسدية الماضي والحاضر وجزء كبير من المستقبل , ومن يظن على أن الأسدية ستنتهي بمجرد سقوط الأسد فقد أخطأ ..أسدية تغلغلت في كل جدوانب المجتمع السوري  وغيرت من خصائصة الفيزيائية والنفسية والتربوية  لاتزول خلال أيام  , ونصف قرن من التخريب يلزمه قرن كامل من البناء , هل زالت العقلية السوفيتية  بمجرد سقوط الاتحاد السوفييتي ؟وحتى الشخصيات السياسية الروسية الآن هم  بالأصل سوفيت ..بوتين ..لافروف , أليس حديث لافروف  كحديث غروميكو ؟.

أهم الجبهات  التي تنتظر الثورة السورية هي الجبهة ضد بقايا الأسدية ,فالأسدية سوف لن تستسلم  طوعا  وسوف لن تقر  بهزيمتها ,وستقوم بنشاط انفصالي جغرافي , والجبهة الثانية ستكون ضد بقايا المحاربين ,من الذين  يؤمنون بأن الحياة هي حرب مستمرة , ثم هناك جبهة خارجية   فحزب الله وايران  سوف لن يتركوا بقايا الأسدية وحيدة  , وعلى المستوى العالمي ستكون هناك جبهة ضد الروس  وعملائهم ,لذا  فان السنين الأولى لفترة مابعد الأسد   سوف لن تكون سنين البناء الصرف  , وانما سنين  ازالة بقايا الحرب  وبقايا النظام  وبقايا الفساد , ثم سنين اعادة تأهيل الانسان السوري لكي يستطيع ممارسة المواطنية  دون وسيلة العنف ..ستكون هذه  السنين شاقة ومفرحة بآن واحد  ,الفرح سيكون بالحريات   وحرية الرأي , وعندي الشعور على أن المواطن السوري سوف لن يطالب حكومة الثورة  بعد يوم من سقوط الأسد بمجمل حقوقه  , التي استلبها الأسد , وانما ببعض الحقوق , للأسف سوف لن يكون لأحد منا حظ الحياة في سوريا التي أصبحت طبيعية , لربما أولادنا  ..على كل حال التاريخ  سيسجل  ويرتب ويحكم  , وعن الأسدية سيكتب كما كتب عن النازية ..رموز الانحطاط !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *