يتحدث البعض عن سرقة الثورات, وذلك لأن ثورة ما اتخذت اتجاها أو منهجا مخالفا لما يريده البعض أو يتمنوه , وفي سوريا تحولت الثورة من منهج سلمي الى نهج عسكري واضح تصدرته القوى الاسلامية , والسؤال هنا هل من الممكن للثورة السورية أن تبقى سلمية , وهل لها الا أن تتعسكر ؟, وهل العسكرة ممكنة دون القوى الاسلامية ؟.
من يتأمل بنية السلطة السورية ويبحث في مقدراتها ومقوماتها, يجد على أنها عسكرية 100% وعنيفة100% وخالية من الفكر 100% ثم انها استبدادية 100% , وهذه البنية لاتسمح للمعارضة الا أن تتعسكر ولو جزئيا ,واستمرار الثورة ونجاحها ليس ممكنا دون العسكر , ومن يريد اجهاض الثورة عليه أن يتمسك بأسس ومبادئ نظرية كالسلمية لمكافحة الأسد ,الأسد يتمنى سلمية الثورة , لأنه بذلك يستفردها ويقضي عليها في ليلة واحدة ,وقد تمنى الأسد عسكرة الثورة , ظنا منه على أنه الأقوى في ساحة الحرب , لذا فان الأسد كان متيقن من النصر على الثورة ان تعسكرت أم لم تتعسكر .
حسابات الأسد بخصوص الثورة السلمية صحيحة , ولا توجد عنده أي صعوبة أو مشكلة في زج مئات الألوف من المعارضين المسالمين في السجون وتقتيلهم , حيث يقال على أن عدد الوفيات منهم تحت التعذيب يبلغ يوميا مئة ضحية , أحيانا يتسرب خبر مفاده على أن عمر عزيز مات أو غيره تحت التعذيب , دون أن يسبب ذلك عند السيد الأسد أي انزعاج ..مات ! بحفض الصرماية , بل بالعكس فالسيد الأسد يفخر بموتهم , لانهم ارهابيين !, ومن يحاسب الأسد بسبب موت أحد المخطوفين , ولو اراد الأسد قتل عبد العزيز الخير هذا اليوم , فهل هناك عوائق أمام قتله , وما هي عواقب قتله ؟ للأسف لاعوائق ولا عواقب , يقتل من يشاء وكيفما يشاء ومتى يشاء .
الثورات بطبيعتها ديناميكية ,ومن يفهم هذه الطبيعة الديناميكية , لايجد في اندماج القوى الاسلامية في العمل الثوري الا تحقيق لحاجة لابد منها , وهي النجاح , ومن يفهم طبيعة الثورات يعرف تماما على انه للثورة منعطفات واعوجاجات مرحلية , ويعرف أيضا على أن الثورة قد تأكل اولادها , بمعنى أن الثورة تقوم بتنقية نفسها من القوى والتيارات التي أصبحت شوائب فائضة , والثورة الفرنسية خضعت كغيرها من الثورات الى هذه القاعدة , ولم يكن تطورها مستقيما , وانما شديد الاعوجاج , وصدق الثائر الفرنسي جورج جاك دانتون عندما قال وهو أمام المقصلة “ان الثورة تأكل أبنائها “, من السهال أن تندلع ثورة , الا أنه من الصعب تحديد مسيرة هذه الثورة , التي تتطور بشكل أو بأشكال لا تتناسب مع طموحات ومبادئ الكثير من الثوار , وتنكص الثورة السورية عسكريا لايمثل خيانة للسلمية , وانما تناسقا مع واقع يفرض هذه العسكرة ,والعسكرة “المفروضة ” تستقطب أولا جماعات من محترفي القتال أو من الذين يجدون في الجهاد والقتال هدفا لهم , ودور هؤلاء مرحلي , فعندما تصبح العسكرة “فائض” تكتيكي , يختفي هؤلاء وتحل محلهم جماعات تتناسق مع الوضع الجديد , الذي قد يكون سياسي , ومن يريد منهم الاصرار على التعسكر في هذه المرحلة ويرفض التطور , يصبح “فائضا” ثوريا , وقد يلقى مصير دانتون أو مصير روبسبيير أو مارا الفرنسي .
يجب ادراك حقائق أخرى , منها مثلا تقبل وجود الاسلاميين في السلطة , انهم يمثلون حيزا من الشعب السوري , ولا يمكن لمن يريد الالتزام بالديموقراطية حذفهم من الوجود السياسي , ولا يمكن مطالبتهم بالالتزام بالديموقراطية , عندما لايلتزم الغير بها , ثم ان مشاركتهم في السلطة لايعني نهاية المد الثوري , ولا يعني التأسيبس لسلطة استبدادية أصولية ستستمر عقودا , انما يعني البدء الصحيح في تحرير المجتمع من الفكر الأصولي الأحادي , وتحرير المجتمع من الفكر الأصولي لايتم عن طريق ممارسة الأصولية الأسدية ولا عن طريق السجون والمشانق , وانما عن طريق الالتزام المطلق بالديموقراطية والحرية , التي تسمح بالمفاكرة والصراع الفكري السلمي ,الالتزام بالديموقراطية هو من أكبر الانتصارات على الأصوليات المختلفة الأشكال , هو انتصار على الاصولية الدينية وعلى أصولية الأسدية , والديموقراطية كبرنامج ومنهج قادرة على التعامل مع بعض البقايا السلفية والأسدية , بقايا سوف لن يكون لها أي تأثير على المدى المتوسط والبعيد على مجرى السياسة , على المدى القريب قد يكون لهؤلاءتأثيرا لايتناسب مع قوتهم الحقيقية , على المدى القريب تسيطر حالة ارتكاسية نفسية , قد تستمر بعض الأشهر , وليس أكثر .
يجب ترتيب أهداف الثورة بمنتهى الحرص والمنطقية ,والهدف الأول والأساسي هو اسقاط النظام الأسدي بكل مكوناته , ليس كرها بهذا النظام وليس انتقاما منه ,وانما حرصا على حاضر ومستقبل البلاد , وذلك بعد أن خربت الأسدية الماضي والحاضر وجزء كبير من المستقبل , ومن يظن على أن الأسدية ستنتهي بمجرد سقوط الأسد فقد أخطأ ..أسدية تغلغلت في كل جدوانب المجتمع السوري وغيرت من خصائصة الفيزيائية والنفسية والتربوية لاتزول خلال أيام , ونصف قرن من التخريب يلزمه قرن كامل من البناء , هل زالت العقلية السوفيتية بمجرد سقوط الاتحاد السوفييتي ؟وحتى الشخصيات السياسية الروسية الآن هم بالأصل سوفيت ..بوتين ..لافروف , أليس حديث لافروف كحديث غروميكو ؟.
أهم الجبهات التي تنتظر الثورة السورية هي الجبهة ضد بقايا الأسدية ,فالأسدية سوف لن تستسلم طوعا وسوف لن تقر بهزيمتها ,وستقوم بنشاط انفصالي جغرافي , والجبهة الثانية ستكون ضد بقايا المحاربين ,من الذين يؤمنون بأن الحياة هي حرب مستمرة , ثم هناك جبهة خارجية فحزب الله وايران سوف لن يتركوا بقايا الأسدية وحيدة , وعلى المستوى العالمي ستكون هناك جبهة ضد الروس وعملائهم ,لذا فان السنين الأولى لفترة مابعد الأسد سوف لن تكون سنين البناء الصرف , وانما سنين ازالة بقايا الحرب وبقايا النظام وبقايا الفساد , ثم سنين اعادة تأهيل الانسان السوري لكي يستطيع ممارسة المواطنية دون وسيلة العنف ..ستكون هذه السنين شاقة ومفرحة بآن واحد ,الفرح سيكون بالحريات وحرية الرأي , وعندي الشعور على أن المواطن السوري سوف لن يطالب حكومة الثورة بعد يوم من سقوط الأسد بمجمل حقوقه , التي استلبها الأسد , وانما ببعض الحقوق , للأسف سوف لن يكون لأحد منا حظ الحياة في سوريا التي أصبحت طبيعية , لربما أولادنا ..على كل حال التاريخ سيسجل ويرتب ويحكم , وعن الأسدية سيكتب كما كتب عن النازية ..رموز الانحطاط !