عندما تدعو قوى الاستبداد الى الحوار !
في 8 آذار 2005 ظهر حسن نصر الله بطريقة مسرحية أمام مؤيديه في ساحة رياض الصلح ، وبنبرة تحدي لخصومه السياسيين بلبنان والعالم ، طرح مجموعة شروط لحل الأزمة السياسية آنذاك ، على قاعدة بقاء القوات السورية في لبنان ، والتلويح بالويل والثبور وبالهائل من الصخور التي ستقع على رأس من يقول غير ذلك ، تطورت الأمور كما يعرف الجميع ، وخرج الجيش السوري من لبنان ، بما يعني ذلك من تبدل في موازين القوى الداخلية ، فعاد حزب الله وعلى لسان الناطق الرسمي باسمه ( نبيه بري ) ليطرح الدعوة إلى الحوار لمناقشة القضايا الخلافية وحلها في الإطار الوطني ، مستغلا منطقية ومبدئية الدعوة ، ليوقع خصومه السياسيين في حبائل مماطلته ومراوغته ، مخدوعة بجلسة حوار كل شهر أو شهرين إلى أن لاءمته الظروف الدولية والإقليمية ، وتحت عباءة انتصار تموز الإلهي وبدعم من المال النظيف الايراني ، فراحت مليشياته تجتاح شوارع وحارات العاصمة بيروت وتنتهك حرمات الناس ، بحجة إسقاط قراري الحكومة ضد شبكة اتصالاته وضد ضابط محسوب عليه، أما لماذا لم يلجأ إلى الحوار لحل هذه المشكلة وغيرها من الخلافات السياسية آنذاك ؟ الجواب هو في طبيعة الاستبداد المراوغة والغادرة .
بعد انتصار الثورة المصرية بإسقاط نظام مبارك ، وركوب الإخوان المسلمين لقطار الثورة متأخرين ، طرحوا مبدأ الحوار بين كل المصريين ، وظهروا بمظهر الحمل الوديع ، والناسك الزاهد بمتاع الدنيا ومناصب الحكم لا يبتغون إلا مصلحة مصر والمصريين ، وانطلى الأمر على كثير من القوى السياسية المصرية التي كانت تسير معهم في مطالباتهم ، لدرجة تأييد مرشحهم للرئاسة ، وعندها صار لسان حالهم يقول للناس : لقد أوصلتمونا إلى الحكم ، يعطيكم العافية انتهى دوركم ، وجاء الإعلان الدستوري الذي نصب به مرسي نفسه حاكما فردا لا يرد له أمر ، ولم ير وهو يعد هذا الإعلان وغيره من القرارات الإشكالية ، لم ير أية حاجة للحوار ، أقله مع القوى السياسية التي شاركت في وصوله للحكم ، وما أن هبت الجماهير في وجهه حتى تذكر الحاجة للحوار ، وعاد يدعو إليه ، وكالعادة وقعت بعض القوى في براثن وفخ الدعوة ، فذهبت إليه وجملت من وضعه ، وما أن استتب له ولجماعته الأمر ، حتى أسقطوا ما اتفق عليه في مجلس الشورى الذي يسيطرون عليه ، ذارفين دموع التماسيح لأن مجلس الشورى لم يوافق على تلك الاتفاقات ! ويريدون من الناس أن تصدق أن عضوا في جماعة الإخوان المسلمين يمكن أن يصوت في مجلس الشورى بعكس رغبة الجماعة ؟! والآن بعد أن عادت الجماهير إلى الشوارع والميادين ، عاد مرسي والإخوان المسلمين يدعون إلى الحوار ، حوار لا يأملون منه سوى تهدئة الجماهير ، ثم يعودون لديدنهم في الاستبداد ، لماذا كل هذا ؟ مرة أخرى ، إنها طبيعة الاستبداد المراوغة والغادرة
في فترة 1970 – 1982 ومع تأزم الأوضاع الأمنية في سوريا ، فيما اعترف عليه بالأحداث ، طرح النظام آنذاك شكلا من أشكلا الحوار ، واستجابت له بعض القوى والشخصيات السياسية ، وتفاءل البعض خيرا ، وراحت الناس تردد ما قاله ميشيل كيلو في لقائه مع وفد الجبهة أو ما سرده علي المصري عن مقارنته بين معاملة الأديب في سوريا ومعاملته ذاته في بريطانيا ، وما أن استتب الأمر للنظام حتى ألغي كل شئ اسمه الرأي الآخر ، بل صار السوريون لا يعرفون معنى كلمة رأي من أساسها ، فكيف إن استتبع بكلمة الآخر ؟ فهنا الطامة الكبرى ! ، مع بداية ولاية بشار الأسد ، ساد جو من الانفتاح السياسي ، والحوار المجتمعي عبر المنتديات الثقافية ، لم يدم أكثر من أشهر كانت كافية لشرعنة انتقال السلطة بالشكل الذي تم به ، فالجماهير قبلت مضطرة بهذه الطريقة المهينة والتوريثية لانتقال السلطة ، معللة النفس بأمل التطوير والإصلاح الذي بدت ملامحه بالحراك المجتمعي ذاك ، بعد ذلك انقضت السلطة على المنتديات وعلى رموز الديمقراطية وأودعتهم السجون ( وبالقانون ) ، ونسي النظام أن في قاموس السياسة ، يوجد شئ اسمه الحوار ، وهل له أن يتحاور مع أطراف لا يعترف بوجودها أصلا ، فالمعارضة غير موجودة طالما أن نتائج كل الاستفتاءات تتم بالإجماع ، … ومع اندلاع الانتفاضة السورية سارع النظام للدعوة إلى الحوار ، واستجابت بعض القوى والشخصيات السياسية ، خصوصا أحزاب الجبهة فيما سمي لقاء الحوار التشاوري ، وخرجت مقررات اللقاء التشاوري هذا بعد التعديل والزيادة والحذف ، لتكون مقررات شكلية لم تحقق أي اختراق في الجوهر نحو إصلاح حقيقي للوضع السياسي السوري وطرح حلول حقيقية ” للأزمة ” آنذاك ، و رغم ذلك فإن النظام لم يعط المستجيبين الذين شاركوا في الحوار ذاك أية فرصة لحفظ بعضا من ماء الوجه ، ليس فقط من خلال عدم تطبيق أيا من تلك القرارات على ضحالة مضمونها ، بل أنه وما أن تحققت الحفلة الإعلامية من ذلك اللقاء التشاوري ، حتى وجه النظام على لسان رئيسه صفعة لكل من شارك بالحوار حين قال أن الحوار كان الهدف منه مجرد استطلاع الآراء ، ودعي لحوارات محلية على مستوى المدن والبلدات كان أهم شئ نوقش بها هو مشاكل الصرف الصحي … ، واستمرت آلة القمع لتحصد مزيدا من الأرواح وتعيث مزيدا من الدمار ، وعندما طرحت الجامعة العربية موضوع الحوار في مقر الجامعة ، وافق النظام على المبدأ ولكنه أفشله برفضه أن يكون مقر الحوار إلا في دمشق و كان الأكثر تشددا في ذلك السيد قدري جميل الذي قال أن الحوار يجب أن يكون في ( دمشق عاصمة الوطن ) مع التشديد على الطاء والنون للتفخيم ، وربما كان يقصد أن دمشق بما فيها من سجون وأقبية مخابرات هي الأصلح لاحتضان كل رموز المعارضة التي يمكن أن تأتي للحوار … والمفارقة أنه عندما طرح الرفيق ( وليد لافروف ، أو لافروف المعلم ) فكرة الحوار غير الرسمي في موسكو سارع النظام ومعه قدري جميل ذاته للموافقة على ذلك ، وكأن (موسكوووووو) قد أصبحت فعلا عاصمة الوطن ، بمعنى مركز القرار السياسي ، وعندما دعت إيران المعارضة والنظام لمؤتمر حوار ، لم يذهب سوى النظام بتشكيلاته المختلفة ومعهم قدري جميل ، وقيل أنهم خرجوا معا من اجتماع الحكومة إلى المطار ، لأن البروتوكول لم يسمح لهم بتحويل جلسة الحكومة لجلسة حوار ، وتوفير تكاليف السفر إلى طهران ، اليوم ومع استمرار الدعم الروسي وتراجع الحماس الغربي والعربي عن دعم الشعب السوري وإحساس النظام ببعض الانفراج في وضعه العسكري ، فإنه أي النظام يدعو المعارضة إلى الحوار على وقع صوت المدافع وقصف الطائرات ، لكن ليس على أرضية الإقرار بضرورة التغيير الديمقراطي والحوار على طريقة إيصال البلد إلى هذا الوضع بطريقة تضمن وحدة الدولة ، لا بل على أساس أن نظامي باق كما هو ، وتعالوا نتحاور على بعض التقديمات التي يمكن أن ترضيكم حتى تعيدوا مبايعتي من جديد ( لأنه يعشق هذه الكلمة : مبايعة إلى الأبد ) ، هكذا لا تشكل الدعوة إلى الحوار في حقيقتها اعترافا من النظام بالمعارضة وبأحقية المطالب الشعبية بالحرية والديمقراطية ، إنما وسيلة للمماطلة والتسويف وكسب الوقت لتحقيق أهدافه في ترسيخ الاستبداد كما يحلم ويساعده الجميع على ذلك ، لماذا كل هذا ؟؟؟ …
إنها طبيعة الاستبداد المراوغة والغادرة