هل تورطت اسرائيل في الغارة على سوريا؟
في صياغة البيان الرسمي السوري، هناك إشارة واضحة على أن المركز هو: ” أحد مراكز البحث العلمي المسؤولة عن رفع مستوى المقاومة والدفاع عن النفس الواقع في منطقة جمرايا بريف دمشق وذلك بعد أن قامت المجموعات الإرهابية بمحاولات عديدة فاشلة وعلى مدى أشهر الدخول والاستيلاء على الموقع المذكور”. (انتهى الاقتباس). وللقارئ أن يتخيل ما تسببه كلمة مقاومة من حساسية للإسرائيلين، وتثير شهيتهم المفتوحة أبداً للقتل والتدمير، فهل كان هذا الكلام مجرد تسريب استخباراتي سوري سابق للإسرائيليين لإيهامهم بوجود هدف مغر ودسم وثمين، ووصلهم عبر أزلامهم، لاستدراجهم للحقل السوري، ومن ثم إشراكهم في الصراع، بشكل مباشر، ما يشكل مكسباً ومغنماً للسوريين، يؤكد الخطاب السوري عن ضلوع إسرائيلي واسع باملف السوري، بعد أن اقتصرت مشاركاتهم السابقة عبر تقديم السلاح والدعم الاستخباراتي، وكانوا يقومون بذلك بالوكالة عن طريق عصاباتهم المزروعة في سوريا، وتمثل هذه الغارة، بحد ذاتها، تعبيراً عن فشل “وكلاء” إسرائيل في المهام الموكولة لهم، عندما تمت هزيمتهم، وإلحاق الخسائر الفادحة بهم في كل بؤر التوتر التي يتجمعون بها.
لا يعقل أبداً، في ظل ظروف وقواعد اشتباك معقد، وعدوان إقليمي ودولي بإت معلناً، أن يدفع أكلافه وأثمانه الباهظة طرف واحد دون آخرين يمضون جل أوقاتهم بالتفرج على، ومتابعة النزف والاستنزاف الأليم فهناك نقطة وحد فاصل يجب أن تتوقف عندها الأمور. ومن هنا، فإن أحد سبل الخروج من عنق الزجاجة ومن حال “الستاتيكو”، والاستعصاء الذي أصاب الأزمة السورية، هي أقلمة الصراع وتوسيع دائرته وإخراجه من نطاقه السوري، ونقله إلى ساحات أخرى، وإلى نطاقه الفعلي الإقليمي والدولي ومراكز انطلاقه التي تقف ورائه وتؤججه وإشراك تلك القوى التي تشعله فيه على نحو مباشر وفعلي، ومن ثم إيلامهم عبر ضرب أوكارهم في العواصم الإقليمية المعروفة التي تدعم وتطيل أمد النزاع. وكنا قد أشرنا لذلك في أكثر من مداخلة ومقال. لكن مع رفض تلك العواصم الامتثال للشرعية والقانون الدولي والإحجام عن التورط في سفك الدم السوري، صار من الواجب نقل ساحة الصراع إلى قلب عواصمهم ومدنهم، وبات الأمر مطلباً سورياً شعبياً واسعاً وملحاً لا يمكن عودة الأمن والاستقرار إلا من خلاله فردع هؤلاء لن يتم إلا من خلال تجرعهم ذات السم الذي يرسلونه لسوريا. ولذا، فإنني أرى، من خلال هذه الحماقة الإسرائيلية، نجاحاً أمنياً واستخباراتياً سورياً، إن صحت التوقعاتي والقراءات للعملية، يؤكدها البيان الصادر عن السوريين، المتوعد بجد برد سيؤلم الصهاينة، حيث لن تكون الغارة الإسرائيلية نزهة مريحة وسهلة للإسرائيلين، وحينها ستهرع، ولا شك، أدوات العدوان، لإنقاذ إسرائيل من ورطتها السورية.
ورغم أن البيان السوري توعد بالرد السريع، وسيكون ساحقا وفي العاجل لا في الآجل، وأن زمن التصريحات السياسية وزمن التجاوب مع الوساطات الديبلوماسية ولى وسيتلقى الصهاينة درسا لن ينسوه، وما فعلوه اليوم من اعتداء سافر على السيادة السورية لن يمر دون عقاب عاجل ، ولن تنفع الوساطات ولا النصائح المحايدة ولا تهديدات الأعداء في تمرير الغارة دون رد سوري يناسب الفعل الاجرامي الذي قام به الصهاينة بهدف اعانة ازلامهم ممن كشفت الغارة الصهيونية عن عملهم لصالح العدو بشكل مباشر، ومع ذلك، فالرد السوري، بالحسابات السورية الدقيقة والمتأنية، غير منفعل أو متسرع، وهو محكوم، قطعاً، بشروط أقليمية عسكرية واستراتيجية دولية. فسوريا، ليست وحيدة في هذه المواجهة بل تقع ضمن منظومة أمنية وعسكرية، ومحور إقليمي، وأي رد سيكون بتنسيق وتشاور استخباراتي وأمني وعسكري إقليمي ودولي عالي الدقة والمستوى يعكس مدى التحالف والتنسيق وقوة ومتانة ذاك التنسيق مع الأطراف المعنية التي أثبتت وتثبت في كل مرة قدرات عالية واستثنائية مرعبة في مجالات الردع وامتلاك أدواته، بحيث ستنخفض احتمالات المغامرات الخاسرة، وغير المحسوبة إلى الصفر، وربما يكون الهدف من توريط إسرائيل بهذه المغامرة غير المحسوبة، عبر إغرائها بالدخول إلى الحلبة السورية، هي لتثبيت مكانة القوى الجديدة والصاعدة على الساحة الدولية والإقليمية، وإعلان رسمي لتشكل القطبية الجديدة التي سترث حقبة القطبية الأمريكية، والتي سيناط بها إنجاز التسويات التاريخية “المؤلمة” التي تحدث عنها مسبقاً السيد فاروق الشرع نائب الرئيس السوري. فالمفاوضات والتسويات هي حروب بلغة وأدوات أخرى، ولا تجري الحروب عادة إلا من أجل المفاوضات، وحين تفشل المفاوضات وتنعدم فرض الحوار تقع الحروب، إنها العلاقة الجدلية الأبدية بين الحرب والسلام.
المواجهة الإقليمية المرتقبة، باتت قاب قوسين أو أدنى، إن لم تكن قد بدأت مع الغارة الإسرائيلية، وهي-المواجهة- السبيل والمخرج الوحيد والمتاح للخروج الحافظ لماء وجه الجميع من مستنقع الدم السوري الذي تورطوا فيه. والعدوان الإسرائيلي، في أحد قراءاته، كان مطلوباً وضرورياً، على أكثر من مستوى، لاختبار عملي للقوى والنوايا ولمدى جدية وصدقية والتزام حلفاء دمشق وإلى أين سيذهبون بالوقوف معها، ومنع تحولها لضفاف استراتيجية أخرى، وعن الكيفية التي سيترجمون بها مواقفهم وتصريحاتهم الداعمة لها على الواقع وتبيان مدى قوتهم الفعلية على الأرض؟ وبذا ستودع المنطقة واحدة من أسوأ مراحلها، وسيناريوهاتها المرعبة، لتدخل حقبة جديدة من الجغرافيا السياسية التي ستحكم العالم للقرن القادم على الأقل.