حيونة وتوحش الأصولية

لكي نفهم  ظاهرة الأصولية  يجب  التعرف على المعايير التي تقاس بها , فالأصولية ليست  العودة الى الأصول  وليست أصلية ولست حصرا دينية  , قد تكون دينية !, وقد تكون مادية أو  وضعية  أو ميتافيزكية  أو ايديولوجية أوقومية  أو عنصرية ..الخ  ,هي ظاهرة متعددة  المظاهر والقيم , وأحد  أهم قيم الأصولية   ومظاهرها هي الدوغماتيكية  القطعية المتعالية  المدعية امتلاك  الحقيقة المطلقة  الأساسية والجوهرية  , , ومن نتائج هذا المظهر  في الممارسة العملية  الانغلاق  والمكابرة واحتكار  الفضائل الزائف , والقضاء على العقل والفكر ..معتقلي الرأي  هم حصيلة  لممارسة الدوغماتيكية   , والديكتاتورية  المهيمنة  هي من أهم محاصيل الدوغماتيكية, ومن محاصيلها أيضا عبادة الماضي , التي  يسببها  القصور في الوقوف  أمام تحديات الحاضر والمستقبل.

المكوث في حصون الماضي  وتجميد الحاضر والمستقبل  , ثم اذابتهم في الماضي  , هو من خصائص الأصولية  كنتيجة لدوغماتيكيتها ,  الذوبان في الماضي  لايمثل الا الخروج من التاريخ , ومن هو خارج التاريخ لايستطيع صناعته , ومن لايستطيع صناعة تاريخ ما  هو  بمثابة الدوني  حضاريا و القاصر دنيويا , هو الذي  يحتقر نفسه عن طريق احتقاره للانسان  الآخر ,  الأصولي  لايقيم وزنا للآخر ..يستلب الآخر  , ويدعي وصايته عليه  ويستعمره  , وأبشع انواع الاستعمار  هي اشكاله الداخلية , حيث تسيطر فئة أو شخص على مقدرات مجتمع  , وحيث يختذل الشخص المجتمع أو الدولة  المتكونة من مجتمع بشخصه وارادته ومصالحه ونزواته   , حيث يجرد الآخر من ملكية أي شيئ  , حتى ملكية  حرية الكلام  ..معتقل الرأي ليس الا  معتقل الأصولية  , لايجوز له ان يفصح عن رأيه  , حيث يصبح معتقل رأي عندما لاينطبق رأيه على رأي السلطان ,والأصح  ارادة السلطان  وغرائزه  , التي من الصعب وصفها بكلمة “رأي”  , انها نوع من الحيوانية  التي بمقدورها  التحكم  بملايين البشر  ولعشرات السنين ..الحزب الواحد والشخص الواحد والأسد الواحد , الذي به تتمثل   مجموعة من الأصوليات بآن واحد , لقد كان هتلر أصولي عرقي  وعلمي  ولم يكن أصولي ديني , وستالين  كان اصولي ايديولوجي  وعلمي  ولم يكن أصولي  ديني أو أصولي علماني  ,وفي الديكتاتور السوري تتجمع كل هذه المواصفات  ,وأكثر منها أيضا   أذ أنها أصولية طائفية أيضا ,  ولا أقصد علوية  قطعا  , فالأسدية طائفة مغلقة قائمة بحد ذاتها , ولطالما هي جديدة بعض الشيئ  فهي تستورد قوامها   من  الأتباع من  الطوائف الأخرى ,وكون معظم  استيراداتها  من  الطائفة العلوية , لايجعل منها طائفة علوية اطلاقا .

من الصعب تحديد كامل مظاهر الأصولية الصهيونية , هي دينية  ليس عن قناعة , وانما لتسهيل  ايصال الصهاينة الى أهدافهم , هي عرقية أيضا  ليس عن قناعة وعرقيتها وسيلة وليست هدف  , كما أنها  تتمتع بنوع  ليس شائع من الأصوليات, انها أصولية  المظالم ,ومن خلال  هذه الأصولية  تسعى الصهيونية لتبريرظلمها بالمظالم التي أصابت  اليهود من خلال الأصولية العرقية النازية  , الأصولية الصهيونية  أشد ظلما من الأصولية النازية , والأصولية الصهيونية توظف ظلم  هتلر لليهود لتبرير  ظلمها للفلسطينيين  , وفي سوريا يريد بعض الطائفيون  توظيف الظلم الذي لحق بطائفة  قبل مئات السنين لتبرير ظلمهم للآخر وذلك تطبيقا لنظرية” واجب المظلوم  أن يصبح ظالم ” ,قاسم مشترك بين   يهودية الصهيونية  وعلوية الاسدية (من وجهة نظر بعض الطائفيين العلويين)..عقائد تعتقد على انها كاملة الأوصاف , الا أن الأوصاف الكاملة هي الأوصاف الشوفينية  , التي تقيل   الانسان من الحاجة الى التفكيرالحر ..الذي يفكر  بصوت عالي يعرض نفسه للتحول الى معتقل “رأي” , لاحاجة الى الاجتهاد في الشوفينية  والأسدية  , لا اجتهاد في الدين , ولا اجتهاد في الأسدية  , التي تصر على صحة أساليبها قديما وحديثا , لذا فان بشار شوفينيا هو صورة عن حافظ ,ولا يختلف عنه قيد شعرة , الأسدية  تنطلق  من حكمتها  اللامتناهية , التي  تبرر عدم نهاية حكمها ,انها القيادة الحكيمة  وعلى رأسها القائد الخالد  ..القائد الى الأبد !

والارهاب  ومصادره !من قبل أن يكون ديكتاتورا فهو  بحكم ذلك ارهابي , أو على الأقل قابل لأن يكون ارهابي , وسيكون حتما  ,لأن الديكتاتورية لاتعيش الا  في مستنقع الارهاب , الذي  تموت به أيضا , والنهاية الحتمية للمشروع الديكتاتوري هي نهايته , اذا لايعرف التاريخ ديكتاتورية  أصبحت أبدية  , ولا يعرف التاريخ ديكتاتوريات عمرت  أطول من  الديكتاتوريات العربية …ديكتاتورية القذافي أو مبارك أو علي عبد الله صالح  أو بشار الأسد , ولا يعرف التاريخ  لصوصية ديكتاتورية كلصوصية ديكتاتورية القذافي والأسد  ومبارك   وغيرهم  , اذ يقال على أن الأسد  سرق حوالي 70 مليار دولار! , اما مبارك  فقد هرب وسرق  حوالي 143 مليار دولار !,  وزين العابدين  32 ملياردولار   والقذافي 68 مليار دولار  وعلي عبد الله صالح  من 50 الى 70 مليار دولار , والجرأة بممارسة السرقة  أتت من شعور هؤلاء على أن البلاد ملك لهم , ولا يشعر  الا الأصولي  على ان البلاد ملكا له , وشعوره هذا  ينطلق من  قطعيته  التي تغطيها وتؤسس لها دوغماتيته  , التي لاتعترف الا به وبمقدرته   وبالتالي احقيته  في أن يحكم   ويسرق وللأبد  ,  والحدود بين الشخص  والبلاد تلتبس على  من يظن على أنه أبدي , انه  الدولة  , والدولة هو   , الا ان التاريخ يجب  أن يسجل لهؤلاء  جرأة ووقاحة لم يعرفهاالا نادرا  , التاريخ اتهم  لويس الرابع عشر  بالفظاعة , لأنه قال على أنه هو بشخصه القانون , أما زعماء العرب  الذين قتلوا  أو فروا  أو انهم قيد  الرحيل أو الفرار أو القتل  فانهم كل شيئ , ليس القانون فقط , وانما بالواقع كل  شيئ , وحتى الحوار   الذي يتم عادة بين جهتين  , تريده الأصولية مع نفسها , انه حوارها  ملكا لها تحت سقفها , الأسد يريد الحوار مع الأسد  وتحت سقف الأسد ,  , فالأصولي لايحاور  غيره  , لأنه ينقض بذلك قواعد  وجوده  ,كما  قال روجيه غارودي ,  الحوار نقيض الأصولية , والأصولية نقيضة الحوار ,  فالحوار   يستلزم  التكافؤ  , الذي لايمكن للأصولي أن يقر به ..انه متعالي  وشاهق القامة  , ولم يعتاد الا على التعامل مع عبيده  وتوابعه , ولما  لايتمع الأسد الأصولي  بالمقدرة على الحوار بنيويا , لذا لايمكن التوصل معه الى أي  حل  لمشكلة ما  , خاصة عندما يكون هو بذاته المشكلة , هو بذاته  المكون الأساسي  لما يسمى  ماقبل الحضارة  و ما قبل الدولة , ومن لايزال في الغابة  لايستطيع الا صناعة حضارة الغابة ..

فالأصوليات على حد تعبير المفكر  علي حرب سواء كانت دينية أو قومية أو ماركسية تتعامل مع الفرد بوصفها ذات هوية شبه الهية  ومتعالية او مكتملة ونهائية ، وبهذا المعنى ، فالاصولي هو من ختم على عقله ، ووجدانه ، وجسمه بختم عقيدته ، او ايديولوجيته ، والمحصلة من ذلك هي الاستقالة من التفكير الحر والنقدي ,تقويض الفرادة والاصالة بدعوى تعالي الاصل ، ووحدانيته وثباته ومركزيته .  ،  فالأصولية بوصفها فكرا شموليا تنطوي وتنغلق على نفسها ..صفة من أبرزصفات الأسدية , التي لاتريد اكتشاف أي شيئ  جديد يمكن  للحوار أن يوصل اليه , ولما الجديد ؟ , والأسدية كاملة متكاملة  ولا نقص أو شائبة بها !, والحوار هو تعبير مجازي  يقصد به “المحاضرة” , أي ان المحاور في سوريا الأسد  هو الذي له الشرف أن  يتسمع  لمحاضرة الأسد , التي تتخللها عادة نوبات من القهقهة  التي لايعرف المستمع  سببا وجيها  لها  , الا الايعاز  الى المستمعين   الأكارم لتغيير  النغمة ,  من التصفيق  الى التلفيق الى القهقهة , أجواء أسدية  متنوعة وفسيفسائية لايمل منها اطلاقا .

البرهان على مسيرة نصف القرن الماضي هي مسيرة انتحارية  جلي وواضح  , الوطن فاقد للحياة ..مات في مقتبل العمر  انتحارا  , ذلك لأنه دخل  الأدغال المتوحشة , وبذلك توحشن  وتحيون واستقر في مرحلة ماقبل الثقافة  وما قبل الحضارة وما قبل الدولة , وانطلاقا من الأدغال بدأ الأسد مسيرته الاصلاحية , التي يمكن مقارنتها بمسيرة لوثر أوبالأحرى مسيرة المسيح  وحتى محمد , مسيرة ستكون قدوة للعالم (كما  وصفها وزير  خارجية دولة ماقبل الدولة ) , حزم ورزم  من  القرارات  والمراسيم  التي ستحول الوحش السوري الى قدوة ..بصريح العبارة  قدوة  لمزيد من التوحش والحيوانية ..انظروا الى حمص وحماه وحلب ودمشق ودرعا ودير الزور وادلب ..الخ  هل يمكن رؤية  شيئ  غير  التوحش ؟؟

حيونة وتوحش الأصولية” comment for

  1. شكرا على المقال المفيد . نعم ان الاصوليات ليست دينية فقط . وأسور الأصوليات هي الأصولية العرقية والعقائدية ثم العائلية, وهذه البأخيرة هي ابتكار عربي القذافي اصولي عائلي ومبارك ايضا ثم علي عبد الله وزين العابدين والاسد , وهذه الاصوليات اشر من اصولية المملكات , حيث اوراق الملوك والأمراء مفتوحة , امل الأسولية العائلية فهي في معظم الحالات متسترة تحت غطاء قومي او حزبي وهذا الغطاء يجعل مكافحتها صعبة
    تعاني البلدان التي حكمتها اصوليات عائلية كالعراق وسوريا من اشد مظاهر التخريب وصولا الى كيان الدولة , فهذه الأسزليات العائلية لم تهدد السلطة فقط وانما تهدد الآن وجود الدولة , وهل يستطيع احد الجزم بأن سوريا ستبقى دولة كما تركتها فرنسا , وهل بقي العراق كدولة كما تركته انكلترا وهل بقيت ليبيا كدولة كما تركتها ايطاليا ؟
    حوالي نصف قرن من الزمن حكم هذه البلدان اشخاص ادعوا الكثير وكذبوا أكثر وسرقاتهم بلغت ارقاما قياسية في العالم , ومن الصعب معرفة ان كانوا ملوكا او رؤساء جمهورية او زعماء مافيا أو زعماء عصابات او مشايخ او اشتراكيين او رأسماليين الخ والشيئ الثابت والأكيد هو كونهم مجرمين تلاحق على الأقل ثلاثة منهم محكمة الجنايات الدولية وعادة ينتحر من تلاحقه هذه المحكمة بسبلب التهم الفظيعة الموجهة اليه , الا ان الزعماء العرب لايفكرون بالانتحار لان خاصة الخجل مفقودة لديهم

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *