الثورة وشرعيتها , ومبدأ “السقوط اولا “!
الشرعية بشكل عام هي وجود صفة قانونية لوضع أو حالة ما كسلطة أو ادارة أو حكم أو ثورة , ولاستيفاء شروط الشرعية , هناك العديد من الطرق , منها التقليدي كالانتخاب على سبيل المثال , أو التعيين من قبل جهة شرعية أو وجود شكلا معينا للحكم كالنظام الملكي , الذي يشرع التوريث ويجعله قانونيا , وحتى الانقلابي يمكن أن يكسب نوعا من الشرعية عند اعتراف حيز كبير من الداخل والخارج به كسلطة شرعية .
اكتساب صفة الشرعية لايعني امتلاكها الى الأبد ,والسلطة مع شرعيتها تسقط عندما يسقط القانون (الياس مرقص) الذي اعتمدته هذه السلطة ونالت عن طريق اعتمادها له الاعتراف من الآخر داخليا وخارجيا , وبالعودة الى السلطة السورية , التي هي موضوع هذه الطروحات , يجب القول على أن السلطة الحالية سقطت قبل عشرات السنين , لأنها أتت عن طريق غير شرعي هو الانقلاب , وعجزت في سياق وجودها عن البرهنة على انها “شرعية” , ذلك لأنها لم تعتمد الانتخاب وشفافيته كوسيلة لتصحيح وضعها اللاشرعي , والاستفتاء لايعطي للرئاسة حسب المفهوم التقليدي أي شرعية , ناهيكم عن التزوير المفضوح في هذا الاستفتاء , نتائج من نوع 99,99% الى 100% هي نتائج مزورة قطعا .
اضافة الى ذلك فقد أفرغت السلطة الحالية القانون الذي اعتمدته من أي مضمون , من احتقر وخرب القانون هي السلطة التي اخترعته , والفساد الذي تلطت السلطة خلفه وصنعت من الدولة (ظاهرة لامثيل لها في التاريخ),اضافة الى الفتك بالمؤسسة القضائية , هم دلائل على كيان اللاقانون واللادولة , لذا فان القانون ساقط ,وبالتالي فان السلطة ساقطة , ولا علاقة لهذا السقوط المبكر بالثورة التي تأخرت , والتي لاتملك أي شرعية مبدئية , حيث لم ينتخبها أحد ,الا أن الثورة تستمد شرعيتها من لاشرعية السلطة , التي تريد الثورة تحطيمها والقضاء عليها , وبناء على ذلك فان كل عمل مشترك بين السلطة اللاشرعية وبين الثورة كالحوار على سبيل المثال ينقص من شرعية الثورة , ذلك لأنه يعترف بنوع من الشرعية لوجود السلطة , والاعتراف بنوع من الشرعية للسلطة يحذف الكثير من موجبات اندلاع الثورة واستمرارها.
الشرعية الثورية المكتسبة من خلال لاشرعية السلطة لاتعتمد بشكل رئيسي على أخلاق الثوار ولا على نوعيتهم , ولا على تصرفاتهم , وانما تعتمد على أخلاق السلطة المنحطة وعلى تصرفات الانحطاط التي يمارسها رجال السلطة , لذا فانه لايمكن الحكم على الشكل المستقبلي للثورة من خلال نوعية بعض الثوار , فالطاقم الذي يثور هو غير الطاقم الذي يحكم , ونوعية السلطة هي التي تحدد بشكل رئيس نوعية الثورة , والسلطة السورية لم تترك لأي عصابة أي مكان شاغر في سلم الانحطاط , حيث احتكرت بلا منازع كامل المواقع المتدنية , ولا يمكن للثورة تبعا لذلك الا أن تكون عكس ذلك , وهل يوجد ماهو منحط أكثر من انحطاط تدمير القرى والأحياء والمدن بالطائرات والمدفعية والقنابل العنقودية ؟؟, و لايعرف التاريخ البشري همجية ودونية كهمجية ودونية السلطة السورية , لا أعرف أي سلطة مارست مثيلا للقصف العشوائي ,الذي تمارسه كتائب الأسد منذ شهور .
لايمكن اطلاق كلمة “نظام” على الوضع السوري السياسي الحالي , لقد كان هناك نظام جمهوري في الخمسينات والستينات , وفي السبعينات تعرضت البلاد الى نوع من الاحتلال الداخلي أو الاستعمار الداخلي , الذي يتميز عن الاستعماار التقليدي بعدة أمور , منها انفلاته التام وعدم تقيده بأي عرف أو قانون , ولم يحدث ان استبد بالشعب السوري أي مستبد أقسى وأكثر همجية من استبداد عائلة الاسد بالشعب السوري , صور أطفال غزة وطريقة ترتيبهم بالعشرات على موائد الموت ملطخين بالدماء ..لا حراك في أجسادهم , ولا حركة في ضمير من قتلهم , يذكر بشدة بأطفال سوريا , ومع الاحتفاظ بالفرق الكمي ..هناك العشرات في غزة والألوف في سوريا , وهذا الفرق الكمي هو المميز بين الأسد ونيتنياهو , بين الصهيوني وبين السوري ,فمن هو أفظع ؟.
لاتوجد أي اسباب موضوعية للخوف من اعلان الخلافة في سوريا , وأولئك الذين يرفعون الراية السوداء هم عبارة عن مجموعة فولوكلورية , وبرفع الراية السوداء موجبات تعبوية لها شبيه في العديد من الحالات , ألم يطبع صدام عبارة “الله أكبر”على العلم العراقي قبل نشوب أم الحروب ؟,وما هي دلالة بناء أكبر عدد من الجوامع والكنائس في حقبة الأسد الأب؟ , عدد لاتعرف له سوريا مثيلا في فترة مشابهة , والتعبأة العسكرية ضد السلطة السورية تتطلب تسويق الرموز الدينية , حيث انه من المستحيل اسقاط الأسد بدون هذه التعبئة , والأسد ذاته هو الذي فرض اسلوب التداول العسكري في الصراع السوري عن طريق الاستمرار في الحلول الأمنية الموجودة في سوريا منذ وجود الأسد , والقول على أن الحل الأمني موجود منذ الشهر الثالث من العام السابق ليس صحيح , الا أن الأسد لم يدرك تماما جدية الأمر , وظن على أن الأمور ستير مستقبلا كما سارت في الماضي .. استمرار في الحلول الأمنية حسب وصفة عام 1982 , وهذه كانت غلطة الشاطر بشار القاتلة .
لم يتصف الطاقم الثوري الفرنسي بالوداعة والتسامح, وقد قتل روبسبيير ولجنة “السلامة العامة ” ما لايقل عن 40000 فرنسي , والثورة استمرت عشرة سنين على أقل تقدير ,والثورة البلشفية كان لها نفس الاسلوب , وشرعية هذه الثورات اتت من لاشرعية الملك والقيصر , وبالرغم من مقاصل مارا ودانتون وروبسبيير وعنف الثورة الروسية وتروتسكي وغيره , فان هذه الثورات غيرت التاريخ البشري ايجابيا بشكل لم تعرفه البشرية من قبل .
من يهول من الدولة الاسلامية هي السلطة واتباعاها وزبانيتها , الا أن السلطة لاتسأل نفسها عن نوعية حلفائها وأصدقائها وعن نوعيتها أصلا, هناك الجمهورية الاسلامية , التي هي دولة دينية بامتياز , وهناك حزب الله , الذي هو حزب اسلامي بامتياز , ولو سمح الوضع اللبناني بدولة اسلامية لأسسها نصر الله فورا , ثم هناك الحليف السابق أي حماس , وحماس ليست الا حركة اخونجية اسلامية, فكيف يستقيم التخويف من دولة اسلامية في سوريا مع طبيعة حلفاء السلطة السورية في ايران وغزة ولبنان , وحقيقة يجب القول على ان السلطة السورية هي سلطة دينية اصولية في طبيعتها , وبالرغم من الكثرة العلوية في اجهزتها , فانها ليست دينية علوية ,وانما دينية “أسدية” , والأسدية هي دين جديد لها رب سيبقى ربا الى الأبد ..هو أو لا أحد ..الواحد الصمد !
اننا الآن في دولة دينية لها رب (الدين الأسدي) , والرب اختزل كل شيئ بشخصه , وما سيأتي بعد سقوطه هي دولة “نظام” وليست دولة شخص , وكل البوادر تشير الى ذلك , فالمجلس الوطني يغير قيادته ليس كل خمسين عاما , وانما كل ستة أشهر على الأكثر , ولا يوجد في كافة المجموعات المعارضة شخص يقال عنه هو أو لا أحد , ولا يوجد من يقال عنه هو الى الأبد , ولايوجد من يقال عنه هو أو نحرق البلد , فالبنية الديموقراطية والبنية التعددية متواجدة في المعارضة حتى قبل ان يسقط الطاغوط .
لذا لاخوف من دولة اسلامية , والديموقراطية التي نرى معالمها في الحركات المعارضة لاتستقيم مع الانتماء الديني كبديل عن الانتماء السياسي , سقوط الأسد يعني ولادة احزاب مدنية , وقد يكون البعث المتجدد أحدها , وسوف يكون للتيارات المحافظة مكان في السياسة , ذلك لأنه لها قاعدة شعبية , ومن المنتظر أن يكون للاخوان المسلمين (الحركة ستغير نفسها وستتحول الى حزب سياسي محافظ ) عدد من الممثلين في مجلس النواب يقدر بحوالي 20% الى 25% , ومع هذه النسبة يستطيع الانسان أن يعيش , وفي الانتخابات اللاحقة سيكون للاخوان حوالي 15% , ومعهم يمكن للانسان أن يعيش أيضا , وكلما كانت الديموقراطية نقية وصافية تسارع اندثار الاخوان , وكلما كان الوضع فاسدا ارتفعت نسبتهم و التي لم تتجاوز عام 1954 اكثر من ثلاثة مقاعد في مجلس النواب , بينما حصل البعث على 17 مقعد والحزب الشيوعي على اربعة مقاعد (حسب ما أتذكر)والسوري القومي كذلك , وارتفاع نسبة التأييد للاخوان الى حوالي25% (تقديرا ) مقارنة بعام 1954 هي من صنع فساد الأسد , ولولا الأسد لاندثر الاخوان في سوريا نهائيا , ومن لايريدالاخوان عليه باسقاط الأسد أولا وقبل كل شيئ .
اذا كان التخويف من الدولة الاسلامية فارغ , فان التخويف من الفوضى أكثر فراغا , الانسان السوري واع وموضوعي ويعرف على ان التحول الى ديموقراطية بعد ديكتاتورية نصف قرن , ليس بالأمر السهل وليس موضوع فرامانات , ستحدث فوض وقد تكون عارمة , الا أن شأن هذه الفوضى هو كشأن التيار المحافظ , كلما طال عمر السلطة ستزداد الفوضى المتوقعة , لأن السلطة ليست “نظام” ولا تستطيع “التنظيم” ولا يولد من رحمها الا الفوضى , لذا فالسقوط أولا .
مبدأ “السقوط أولا” ينطبق على كافة المجالات الأخرى ..الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والطائفية وغير ذلك , وبقاء الأسد لن يقود الا الى مزيد من التعقيد , ومع بقائه ستزداد المشاكل الاقتصادية بعد سقوطه , كذلك الاجتماعية والسياسية خاصة اشكالية الطائفية ..لذا السقوط اولا , خاصة وان السقوط أمر لامفر منه وحتمي !.
المشكلة مع الرفيق بشار هي انه لايعتقد على انه يمكن ان ان يسقط , ولد في القصر أو القصور وترعرع في القصر أو القصور واليوم يعيش في لبقصر أو القصور , ولم يلاحظ يوما ما على ان ارادة الأسد يمكن أن تطغى عليها ارادة أخرى ..محاط بأكثر من عشرين ألفا من الحراس , ومن اموال الدولة يأخذ مايشاء بدون حسيب أو رقيب ..مرضه هو مرض القذافية أو مرض المباركة , هؤلاء لايستطيعون تصور كونهم مواطنين عاديين , لقد فقدوا التوجه الطبيعي , وأصبحوا غير طبيعيين , وبدلا من أن يحمر وجهه خجلا عند سماعه هتافات بالروح والدم وهتافات الأسد الى الأبد أو الأسد أو نحرق البلد , نراه سعيدا بتلك المذلة..مذلة التأليه .. يقهقه فخورا عندما يتثنى له ركوب جواد التلفيق والدونية , تصوره الغريزي حول التركيبة البشرية شاذ , وسبب الشذوذ هي التربية والخبرة التي تثنى له أن يجمعها خلال حياته , خبرات حياة الرفيق ليست طبيعية , وبالتالي فان الرفيق ليس طبيعي ..مريض للأسف
نسيت ان اشكر السيد بنا على مقالته الجميلة ألف شكر
This is my first time i visit here. I found a multitude of entertaining stuff as part of your blog, especially its discussion. From the many comments on your posts, I guess We’re not the only one having every one of the enjoyment at this point! Keep the excellent work.