معظم رؤساء دول العالم , ولنأخذ الأقرباء وأولاد العم والجيران , من المرزوقي في تونس الى أول رئيس منتخب في مصر منذ 7000 عام , يقولون على أن رحيل الأسد ضروري لانهاء الفوضى في البلاد وللسماح بشيئ من الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية , التي يبدو وكأن النظام الأسدي لايستطيع تحقيق أي شيئ منها , لأن تحقيق أي قدر من الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية هو بمثابة بتر لأجنحة وأطراف النظام , وتحقيق أي شيئ من هذه الضرورات هو بمثابة تسميم النظام وخنقه , لامجال للمحاولة مع النظام المستعصي على كل علاج , ولا فائدة من الانتظار , الزمن لايشفي من الأمراض, لقد انتهت اسطورة الأسد , وأي محاولة لانقاذه هي بمثابة محاولة لانقاذ البربرية والديكتاتورية والفساد , محاولة الانقاذ لم تعد عملا سياسيا , وانما جنحة سياسية وأخلاقية .
النظام بما فيه الأسد لايتعظ , لذا فانه ماضي في طريقه الى الانتحار , الذي أصبح نوعا من الحتمية , التي يصر النظام الأسدي عليها , ولم تعد هناك أي فائدة من محاولة تحليل هذه الحتمية , انه ماض في طريقة ولا يوقفه أي شيئ .
اذا كان الأسد يريد الانتحار ويصر عليه , فما هو ذنب من ضللهم , وزرع في نفوسهم عقدة الخوف ؟؟ لماذا نسمح لهم بالانتحار مع الأسد دون أن نحاول انقاذهم , لقد كانوا ضحية الأسد , ويخافون من تحولهم الى ضحية للعرعور, مع العلم على أنه لامبرر لهذا الخوف , ليس لأن العرعور مخلوق راق ومهذب ولايمت للاجرام بصلة , وانما لكون العرعور منتهي كما هو الأسد منتهي , وفي سوريا الجديدة سوف يكون هناك تيار محافظ وقد يكون متدين , الا أنه ليس عرعوري , والأمثلة التي تبرهن عن ذلك نجدها في مصر وتونس , محمد مرسي ليس عرعوري , والغنوشي ليس عرعوري , وفي كلا الدولتين هناك احترام للقانون وهناك انتخابات حرة وشفافة وقدر جيد جدا من الديموقراطية ومتاعبها وفوائدها , لم تعلق المشانق , ولم تفرض الجزية والشريعة , مع اننا في سوريا نغوص في تأخرية منهجية البيعة والولاية والاستفتاء الذي يأتي بتأييد لسلطان البلاد بنسبة 100% دون خجل من اعلان ذلك على البشرية ..اذكر قبل سنين مؤتمرا صحفيا لوزير الداخلية السوري , الذي أعلن امام العشرات من الميكروفونات نتائج الاستفتاء التي كانت 99% لصالح الرئيس , مهنئا الرئيس على حب الناس له وثقتهم به ..مهزلة لامثيل لها .
معظم من يسير في طريق الانتحار ومن ربط مصيره بمصير الذي سينتحر هم من الطائفة العلوية , ولا أجد مبررا لذلك اطلاقا , ولا أجد أي سبب للخوف من وضع افترضتة الأسدية لغاية تتمثل بتجنيد هذه الطائفة في خدمة الأسد حتى الموت , الأسد زائل لامحالة , والوطن باق لامحالة , والذكي هو الذي يربط مصيره مع الدائم الذي هو الوطن , وليس مع البائد , الذي هو الأسد , .
على الرغم من أنه ليس من الحق التغاضي عن موبقات بعض رجال الأسد , الذين ينتمون الى كافة الطوائف , الا أن منطق الحق يحترم المسؤولية ومصدرها , ليس كل من سرق في عهد الأسد هو مجرم , لأن قانون الأسد هو الذي فرض على بعض البشر ممارسة السرقة , من سيقدم الى المحامات هم اؤلئك المبدعين في فنون السرقة والفساد , ليس شرطي السير , انما مخلوف ومعلوف ومعروف وشاليش وغيرهم وكامل عائلة الأسد .
الخوف ينتج أسوء النصائح , ومن يصاب بالخوف المتطرف هو الذي يرتكب أعظم الأخطاء , التحرر من الخوف هو الضمانة لحرية العقل , الذي يستطيع عندها أن يفكر وينتج انتاجا جيدا .
كمسيحي لا اخاف من أحد لأني شخصيا لم أجرم بحق أحد , كمسيبحي ,أرى الآن ومنذ سنين نفاق السلطة وتأخريتها وطائفيتها واستبدادها , لذا فاني أثور ضدها بالكلمة والقلم , ولا اخون أو استنكر من يثور ضدها بالبندقية , لم تكن أعظمية وأعظم ثورات العالم ثورات قلم وكلمة , وانما ثورات بالرصاص والخنجر والمقصلة , الثورة لاتسمد ضرورتها من برنامج الثوار , وانما من فساد الوضع الذي يثورون عليه , وشرعية الثورة كذلك , شرعية تستمدها الثورة من لاشرعية الأنظمة التي يثار ضدها .
اندلعت الثورة لأن النظام خالف ماهو عرف ومعروف في السياسة , لقد فشل في كل المجالات , وهذا ليس جرم , الجريمة حدثت عندما رفض النظام الرحيل , وقبل ذلك رفض النصيحة ورفض الاصلاح , ووصل الى بربرية الأسد وحرق البلد , عندها حمل البشر السلاح , ومن الضروري هنا حمل السلاح , لأنه اصبح البديل الوحيد الذي يوصل البلاد الى مرحلة “الدولة” التي قضى عليها الأسد , ولا يزال يحاول الفتك بها .
لاتوجد أي فائدة لأي انسان من ربط مصيره بمصير الأسد البائد , ولا توجد أي ضرورة للانتحار برفقته , دعوه يذهب , حيث سيكتب التاريخ , لقد كانت الأسدية مذلة للشعب السوري .. أظلم فترة عرفها هذا الشعب , والآن أصبحت الأسدية ماض , دعونا نعيش مع بعضنا البعض بكل محبة واحترام متبادل , وسنعيش مع بعضنا البعض بكل محبة واحترام متبادل , وسنلغي هوياتنا الحالية ان كانت علوية أو سنية أو مسيحية أو غير ذلك , وسنحيي هويتنا السورية ونحييها كل يوم … انها الى الأبد وليس الأسد .