مصر تنتخب, وسوريا تنتحب !

قال  فيصل القاسم يوما ما ,  ان سوريا تحتاج الى مايقارب خمسين سنة لتصل الى مرحلة  تطور مصر ,  واليوم نرى مايؤكد هذه النظرة  , فمصر تنتخب  , وسوريا تنتحب , وفي مصر  قضاء  لم تتمكن الديتاتوريات منذ عام 1953  أن تقضي عليه  , اما في سوريا فلم   يوجد اصلا قضاء  مستقل تماما ,ولا يوجد اصلا  الا النذر اليسير من التراث القضائي  , ومن يقرأ مبررات  الحكم بالبراءة على  طه حسين عام 1928 , يشعر  بوزن القضاء المصري ونزاهته  , حتى قبل مايقارب الثمانين عاما .

أول حكم  بالمؤبد على رئيس  عربي  لايزال على قيد الحياة , وأول  رئيس عربي يدخل السجن بعد محاكمة  كان مبارك  في مصر  , لقد دخل  نور الدين الأتاسي السجن الى  أن توفي  عمليا  , ودخل صلاح جديد السجن  حتى الموت , ودخل كثيرون من السوريين وغير السوريين السجون السورية   لعشرات السنين بدون محاكمة  أو بعد مهزلة , كأن يحكم على  طالب كامل ابراهيم بالسجن ثماني سنوات  لمعارضته اهداف ثورة الثامن من آذار , وهل كان هناك ثورة في الثامن من آذار ؟او كان انقلاب عسكري  بدأ بالبيان رقم واحد  من فجر يوم  8-3-1963

مصر تنتخب   , وفي الجولة الثانية  يحصل كل مرشح  على نصف الأصوات تقريبا  مع فارق زهيد  , سوريا لاتعرف  اصلا مايسمى “انتخابات” على مستوى الرئاسة بعد عام 1963 , ومصر لاتعرف ذلك أيضا  ومنذ عام 1953 , الاان البنية التحتية  لبداية ديموقراطية   في مصر  لم تدمر نهائيا  ,وبقيت قابلة للانعاش  , اما في سوريا فقد تمكنت الديكتاتورية من القضاء على بدايات الديموقراطية قضاء مبرما , حيث تغيرت حتى غرائز البشر  , واصبح التفاعل مع الحرية محفوف بالمخاطر  , والأمر يصبح كذلك عندما  يفقد الانسان استقلاليته وحريته لفترة طويلة من الزمن , حيث يفقد اضافة الى ذلك  الفاعلية   بعد عشرات السنين من الانفعالية, الانسان السوري  تحول الى خائف من الحرية(اريك فروم ) أو تحولت الحرية  الى رعب بالنسبة للمواطن (سارتر), كل ذلك سببه  الاستعباد المطلق والممنهج ثم قتل أي استقلالية  , وبالتالي أي حرية  ..قتل العقل  وحتى الجسد  السوري يعاني من ممارسات  التصفية .

تكثر الديكتاتوريات في المجتمعات ذات الأغلبية الاسلامية  , وهناك من يتهم مبدأ التوحيد  الديني  في تسهيله للعملية الديكتاتورية , هناك من يتهم  الدين بشكل عام   ومبدأ اولياء الأمر ,و مبدا   التخيير  او التسيير , الانسان اسلاميا مسير  وليس مخير  ( مع وجود ماينقض ذلك اسلاميا ) ,  وعندما يعتقد الانسان على أنه مسير  , يتنازل طوعا عن حيز كبير من استقلاليته , التي  تعني حريته  , وبالتالي يتهيأ الجو الأمثل  لاستتباب أمر الديكتاورية , وبالعودة الى مصر التي تنتخب وسوريا التي تنتحب لايمكن  تأكيد هذه الفرضيات والفروض الاسلامية بما يخص المقارنة بين مصر وسوريا  , بشكل عام  يتفوق الشعب السوري على الشعب المصري بالمعارف والعلم   , والأمية في سوريا  أدنى منها في مصر , التدين في سوريا أدنى منه في مصر  , وكل الظروف تهيؤ  المجتمع السوري  ليكون قدوة  للمصري ,  والعكس هو الصحيح وبفارق زمني هائل , كما قال فيصل القاسم .

لا أعرف كل اسباب  هذا التطور الغير متوقع  , الا  انه من المكن القول  على أن الديتاتورية المصرية   كانت نسبيا أكثر تحضرا من الديكتاتورية السورية  , اضافة الى أن الديتاتورية السورية  تتميز بخواص اضافية وكارثية , هي تفعيل الوعي الطائفي  , الذي لم يوجد في مصر بالشكل السوري  , هناك عوامل أخرى بدون أي شك , والتفكير بيهذه العوامل  وتحليلها  امر مهم  جدا ,وفي هذه المناسبة اريد تقديم أحر التهاني للشعب الذي  ينتخب , وأحر التعازي للشعب الذي ينتحب !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *