مجازر سوريا, مآتم في السماء

 في المجتمعات الحيوانية التي يغلب عليها التنافس حسب المقدرة الفيزيائية, نجد الكائن الحيواني يبطش بكل ما أوتي من قوة بمنافسيه المحتملين, وحتى المرتقبين (من الصغار), كي يتسيد ويحظى بلقب قائد القطيع، وفي طريقه لهذا المنصب (المهيب), قد يقوم بإلحاق الأذى, بل وحتى قتل وتصفية من هم في دائرة من يشكلون خطراً على مكانته.

ورغم كل الوحشية التي قد تبدر منه إلا أن فعله اللا عاقل لا يحمل حقداً يصبغ القلوب بالكراهية, فهو يخضع لشريعة الغاب التي لا تحمها العقلانية ولا الرشاد أو الحضرية.
من حسن حظ الإنسان أن عالمه مختلف في بعض المفاصل عن عالم الحيوان حيث تحكمه الضوابط من الشرائع والقوانين ويتكفل المنطق في حل بعض نزاعاته مع أقرانه وتتدخل الحكمة العقلانية باللجوء لمفهوم العدل والقصاص حين تختلط الأوراق قبل أن يرتهن النزاع ليصبح شبيهاً بأمثاله من الكائنات غير العاقلة من الحيوانات.
إن الإنسان الذي يرتهن لغريزته الحيوانية في التعدي على حرمة الأفراد الذين يعيش بينهم ينزع عن نفسه صفة العقل والرشاد ويكون قد اخترق عدة روادع قد لا تكون موجودة في محيطه أو أنها مهلهلة لم تكن ترق لتمنعه عن مثيل هذا الفعل.
من أهم هذه الروادع هو الرادع القانوني الذي ينظم شكل العلاقات بين الأفراد على اختلاف أحوالهم ومشاربهم، ولكن كلما وجدنا أن عدم احترام القانون أو خرقه بات مستباحاً في المجتمع فهذا دلالة على عجز القائمين عليه ودلالة بالمقابل على عدم نضوج هذا المجتمع بالشكل الأنسب.
الرادع الثاني هو الرادع الاجتماعي، عندما يكون المجتمع مفككاً وتخلخل فيه الفساد كنتاج عن انعدام تطبيق القانون بشكل حازم وعادل يحفظ هيكلة المجتمع من الانجراف وراء الثأر والانتقام فإننا عندها نحصل على أفراد ذوي سويات منحطة لا يمكن تصنيفهم كمواطنين يشعرون بالانتماء لهذا المجتمع.
الرادع الديني، يتعاظم دور هذا الرادع عند العمل على تنمية القيم الأخلاقية الموجودة لدى كل الأفراد ويعتبر وجوده الصحيح دليلاً على وجود مجتمع متصالح مع ذاته ومع كل مكوناته، يعترف بالحدود المختلفة مع الآخرين ويجعل من هذا الدرع الرادع مراقباً للجودة في جلّ أعماله فهو يعرف أن منتهى عمله الذي لا يخفى على الواحد الأحد يطلع عليه رقيب حسيب لا يغفل عن مثقال ذرة لا في السماء ولا في الأرض.

الرادع الأخلاقي، هو رادع جامع متوافر في نفوس الأفراد غالباً حسب التربية الأسرية التي يحصل عليها الفرد منذ الصغر. هو يتعلم منذ نعومة أظافره أن الإحسان للحيوان من سمات الإنسان السوي وأن الإساءة اليه دون مبرر عمل بربري.
الرادع الانساني، يظهر هذا الدور تأكيداً على النظافة الشخصية لصاحبه، غالباً صاحبه من الشخوص المسالمة الخيّرة، يمتلك معظم مقومات الروادع السابقة وقد يكون في حالة بحث عنها كي يتيقنها, وهو بفطرته وبدايته ومنتهاه من الخيار البررّة.
إن الدروع السابقة تؤمن للإنسان حصانة ضد الحيوانية المفرطة وتضمن له استمرار وجوده ضمن الجنس البشري دونما داع لإدعاء المثالية والإغراق بالحساسية من الآخرين المتواجدين معه في ذات الحيز الجغرافي. أما إذا سقطت كافة تلك الروادع دفعة واحدة، حينها فقط تحدث المجزرة وفقط حينها يكون مرتكبها لا يمت بصلة للجنس الذي خرج منه ويكون تركيبه البيولوجي مزيجاً غريباً من (الكائنات الدموية الحقودة).
قد أفسر ما ورائيات هؤلاء (الكائنات الدموية الحقودة) وسألقبهم بأقذع الصفات وأشنعها ولكن الذي لم أستطع فهمه ولا استساغته ولا استيعابه ولا فهمه كيف تعاملت السلطة والحكومة السورية مع موضوع تتالي ثلاث مجازر في سوريا هي على الترتيب كرم الزيتون والحولة والقبيير ومع ما يتصاعد من وتيرة انفلات الأمور باتجاه تصعيد العنف الذي أدخل البلاد في دوامة من الدماء لا تكاد تنتهي!.
لم أستوعب حتى الآن وبالرغم من أنني أخرت الكتابة عامداً عن الموضوع كيف لم تنكس الأعلام السورية كافة على اعتبار أنه أصبح لدينا علمان اثنان ليتم الإعلان عن الحداد العام؟
لم أفهم كيف لم تستنفر السلطة كل أجهزتها الأمنية والعسكرية والاستخباراتية للقبض على الجناة ومحاسبتهم على الملأ!!!
لم أع أي وقاحة تلك التي استمرأت استمرار البرامج التلفزيونية وكأن شيئاً لم يكن وكأن ما حدث قد حدث في بيت الجيران!!
حتى الجار له على الجار أنه يحزن من أجله وأن يؤجل بعضاً من صخبه وبعضاً من ازعاجه وقلة حيائه مهما كان قليل التهذيب!
على كل لديّ يقين كامل وتام أن هناك في السماء التي تمهلنا ولا تهملنا كان هناك مآتم تليق باستقبال صغار تم جزّ أعناقهم وبالوا على أنفسهم من شدة الخوف من جزار استباح حرماتهم وطفولتهم وبراءتهم.

يبصقون من فوق سبع سموات على كل متهاون وعلى كل مقصر وعلى كل من سهلّ وأعمى نفسه وإنسانيته (إن وجدت) عن مستنقع القتل هذا.

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *