دعونا نبحث عن الفروق بين الأنظمة العربية التي انهارت , والتي في طريقها الى الانهيار , وخاصة بين الأنظمة العربية والنظام العربي السوري , هنا يقال فورا على أن النظام المصري هو نظام كامب ديفيس , والنظام السوري هو نظام “ممانعة ” , ولا شك بأن النظام السوري أفلح جزئيا في تسويقه كنظام ممانعة , دون أن يتعرض تفصيليا لمضامين مايسمىه ممانعة , وبدون أي شك أيضا اسهم عدم الوضوح بما يخص مصطلح الممانعة في التأثير على موقف الانسان السوري من النظام .
نظرا لازمان قضية فلسطين وما رافقها من سمسرات واستغلال للشعارات , فانه مطلوب من المواطن السوري أن يجيب بكل جرأة على اسئلة وقضايا لها تأثير على وجوده وكيانه ومصالحه , ومن هذه الأسئلة سؤال حول الممانعة , اضافة الى قائمة لانهاية لها من الأسئلة التي تراكمت طوال نصف قرن من الزمن .
من الصعب جدا تحديد مفهوم “الممانعة” لأن استعمال هذا المفهوم يختلف من مناسبة لأخرى , كما أن المفهوم بحد ذاته هلامي , ويتغير حسب الحاجة ويغير شكله حسب ما يريد مستعمله منه , بحيث يمكن القول على أن الاشكالية في فهم هذا المصطلح مبرمجة , فاطلاق هذا المصطلح يتم بشكل أعمى دون اللجوء إلى تفسير تفصيلي له .
الجوانب اللغوية لهذا المصطلح مهمة , والأهم منها هو الجانب السياسي , ذلك لأن هذا المصطلح سياسي الهدف والمنشأ , ولهذا المصطلح علاقة وثيقة بالسلطة السورية , التي ابتكرته وتسوقه رمزيا , انه رمز لموقف مغاير عن موقف الآخرين ..أشدد انه رمز فقط , وليس له علاقة ملموسة مع المواقف العملية , التي اعلنت مرارا وتكرارا قبولها بالحلول السياسية , ومن أجل هذه الحلول اجتمعت مع ممثلي اسرائيل في مدريد , وقبلت برحابة صدر الوساطة التركية , وغيرها أيضا , ولا يمكن بسهولة لمن يفاوض بجدية أن يسمي نفسه “ممانع ” , وذلك على الرغم من أن تعبير ممانع سياسيا لايعني رفض شيئ ما رفضا مطلقا , وانما يعني في أحسن الأحوال عدم تقبله , ثم ان الممانعة قد تعني سياسيا الامتناع عن القيام بعدة اعمال , منها الامتناع عن مواجهة العدو , وما حدث على الجولان في الأربعين سنة الماضية يمثل انعكاس الواقع على هذا الشكل من الممانعة , وقد تكون الممانعة السياسية نوع من الاحجام عن التدخل في أمر يجب التدخل به ..الامتناع مرحليا عن اجراء مفاوضات بغض النظر عن نتائجها المتوقعة ..الوقت غير مناسب ! أو الطقس غير مناسب ..الخ
لو حاولنا جمع مصطلح الممانعة مع مصطلح المقاومة , لوقعنا في المحذور , ذلك لأنه للمقاومة دلائل واضحة جدا , ومدلولات الممانعة مختلفة جدا , ولا يمكن دمج مصطلح المقاومة مع مصطلح الممانعة , والظن على أن المصطلح الأول يوازي المصلح الثاني خاطئ تماما , فقد تكون الممانعة موازية للمقاومة , وقد تصبح الممانعة نقيضا للمقاومة , الممانعة ليست مبدأ وانما طريقة أو ممارسة أو اسلوب نفعي , بينما المقاومة أقرب الى المبدأ .