لاصناعة للتاريخ بعد خطاب كغيره

 من واجب كل سوري في هذه الأيام الصعبة  سماع  خطاب رئيس الجمهورية , وقد حاولت ذلك  , وسمعت ماتفضل بقوله  بخصوص  السلطات  التشريعية والتنفيذية  وغير ذلك والعلاقة بينهم  ..الخ  , والملل منعني من متابعة الخطاب , حيث اعتمدت في التعرف على  مابقي من  مضامينه على ماكتبته جريدة السفير  كتلخيص  للمقولات التي أتى الرئيس على ذكرها.
شعوري انه  كان من  الأفضل لو قرأ الرئيس  ماكتب  له ,فما كتب كان نسبيا واضح  , اما عندماحاول  سيادته  تقديم الشروح ارتجاليا لبعض الأفكار, تحول   الأمر الى نوع من الطلاصم , على كل حال  فما من شك على أن حضرة الرئيس  مرهق هذه الأيام ,  وقد يكون ذلك هو السبب في تدني  مستوى ماقاله بخصوص السلطات , فما  قاله لايتجاوز  معلومات مدرسية  عن تعامل السلطات مع بعضها البعض  ..معلومات  من المرحلة  الاعدادية  , معارف كلاسيكية وصحيحة أيضا .
الرئيس قال على ذمة السفير  ,  أنه لاحل سياسي  لما تواجهه سوريا  من أزمة داخلية  ليست سياسية , بل هي  حالة الحرب  , التي تستخدم  ماتستخدمه الحروب من ارهاب  وغير ذلك , وهنا ليس لي الا التعجب من هذه المقولة , التي توحي بشكل غير مباشر  على أن الوضع السوري الداخلي  على مايرام  , سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ,  والوضع ليس على مايرام قطعا , ولم يكن على مايرام منذ نصف قرن من الزمن , ولو كان كذلك , لما كانت هناك حاجة الى الاصلاح  , الذي قال الرئيس على أنه نشيط جدا   بتحقيقه , نعم  الاشكالية سياسية داخلية ,  تطورت  لتأخذ  الوانا عالمية دولية , وهذا أمر أكثر من طبيعي في هذا العالم المتداخل مع بعضه البعض , حيث لا يمكن حصر مشكلة داخلية بالداخل  , بل يجب توقع تداخلات من الخارج , وقد كانت سيادته رائدة في  تدويل المشكلة  , وذلك عن طريق  اشراك دول أجنبية في صناعة القرار السوري , هناك روسيا والصين وايران  وحزب الله , الذين يتدخلون  حسب مزاجهم ومراقهم  وتبعا لمصالحهم في الشأن   السوري , حتى أنه يمكن القول , دون مبالغة , على أن بقاء النظام مرهون بالارادة الايرانية والروسية والصينية  , وبالمقابل  لايمكن القول على أنه ليس  للمعارضة تداخلاتها  ولايوجد من يتدخل بها , الوضع متشابك داخليا وخارجيا  ,  وليس في الأمر أي غرابة في هذا الزمن.
عودة الى الشطر الكلاسيكي المدرسي , الذي أثار حقا الكثير من العجب في نفسي , فالرئيس   يجلس على الكرسي بسلطة مطلقة  منذ  أكثر من عقد من الزمن ,  ولا أعرف سببا لعدم محاولته  في هذه السنين  تطبيق ماقاله بخصوص السلطات عمليا , الا عدم معرفته  النظرية بهذه الأمور , وهل يعقل ذلك من رئيس للبجمهورية ؟؟؟ فهل  يوجد في البلاد مراقبة أو محاسبة  من أي كان   , الا من الرئيس   ؟, وهل يقوم أي كان بأي مبادرة  باستثناء الرئيس  , الذي هو بشخصه  رئيس كل شيئ  ورئيس كل السلطات , انه الآمر الناهي  , حتى انه من غير القانوني محاسبته  كما حوسب  مبارك , لقد توسع الرئيس في طروحاته النظرية  , وممارساته العملية على الأرض لاتمثل الا العكس , هل هذا الأمر عن قصد أو عن جهل ؟ , ومهما كان الأمر ..جهلا أو قصدا , فان هذا الأمر يفسر   الكثير من جوانب  تعاسة الشعب السوري  , الذي يعيش  منذ نصف قرن  من الزمن  في دوامة  ممارسات  خاطئة , قادت الى ترهل الحزب   وانتشار الفساد   وتوطد الديكتاتاورية والفردية وتعطل الحرية والديموقراطية  وقيام الثورة ,وما شرحه الرئيس , مشكورا, له هدف  عملي في بناء الدولة , وليس أمر “تجميلي” , فاستقلالية القضاء  هي احد الضمانات الأساسية لعدم حدوث  الفساد  , والأمر كذلك في الرقابة البرلمانية , وفي السلطة التنفيذية , وفي السلطة الرابعة , التي هي الاعلام ,  ماذا فعل الرئيس عمليا بهذا الخصوص ؟
الرئيس تحدث عن الحوار, وحدد  الجهة التي  يريد حوارها  , وكذلك خصائص هذه الجهة , ومن بين الخصائص  عدم الارتباط أو عدم تأثر هذه الجهة بالخارج , وهل لايتأثر الرئيس  والسلطة بالخارج ؟ أليس الرئيس مرتبطا  بما يشبه الحلف  مع ايران ؟  ولماذا  أصلا الحوار  مع المعارضة؟ , اذا كانت المشكلة تكمن في حالة الحرب مع العدو الخارجي , ولماذا الحوار عند عدم وجود مشكلة سياسية داخلية  ؟, ولماذا الحوار أصلا  بعد صياغة الدستور الجديد ؟ الحوار كان أكثر فائدة قبل اصدار الدستور  , والقول على أن الشعب وافق بأكثريته على هذا الدستور هو قول  يحتقر ارادة معظم الشعب السوري , احتقار أدمنت السلطة عليه  ولا تعرف أصلا غيره  , فمعظم الشعب السوري لم يكن بوضع يمكنه  من قول كلمته   بخصوص  الدستور , هناك مناطق كبيرة وعديدة لم تشارك في الاستفتاء , ولم يحدث في دولة تحترم نفسها  وتحترم مواطنيها طرح دستور للاستفتاء  أثناء  حرب أهلية   , سابقة  لاشبيه لها في العالم , لذا فان الاستفتاء باطل  , وحتى ان  شرعية السلطة في طرح شيئ للاستفتاء باطلة ,  فالسلطة تفتقر ولاديا الى الشرعية  , وعدم الشرعية المكتسبة  هو أمربرهنت  عليه داخليا الحرب الأهلية , وخارجيا موقف  العالم بأكثريته من السلطة , التي فقدت , حسب  رأي معظم دول العالم , شرعيتها .
يقول الرئيس ان المعارضة قاطعت الانتخابات  , وهذا صحيح جزئيا , والأصح من ذلك  هو أن الشعب لم يكن  بوضع يمكنه من  اعطاء رأيه بالدستور , وقد  فسر الرئيس  نفسه فشل  انتخابات الادارة الملية  بعامل عدم  الاستقرار المسيطر على البلاد  , فكيف  يمكن له اجراء استفتاء على أمر في منتهى الجوهرية , في ظرف مثل قمة عدم الاستقرار(الحرب الأهلية ) ؟؟,لذا فان ادعاء الرئيس على أن المعارضة قاطعت الشعب , هو ادعاء خاطئ  , والأكثر جورا بحق الشعب  كان قوله  بأنه ليس للمعارضة أي تمثيل  في الشارع , واذا كان الأمر كذلك  فلماذا يريد الرئيس حوار هذه المعارضة  التي لاتمثل أحد؟؟, والطامة الكبرى كانت في  تخوين المعارضة   بقوله على انها تنتظر”التوازنات ” الدولية أو تنتظر “اشارة ” من الخارج , ليس بهذا الأسلوب وهذه المفردات يتكلم رئيس عن شعبه, ثم يتابع  ويعلن قبول السلطةبالحوار كمدخل لحل الأزمة , دون التنازل  عن مكافحة الارهاب , ولم يبخل الرئيس على المستمع  بتعريفه للارهابي , انه الانسان  الذي دعا الى التدخل الخارجي  أو ارتبط بالخارج , , وهل التلويح بايران  وروسيا  والسفن الروسية  والجيش الايراني   وعزمهم على التدخل  في الأزمة السورية  لايمثل  اقرارا  بامكانية التدخل الخارجي  المرغوب به  من قبل السلطة , وهل يمثل ذلك ارتباطا مع ايران وروسيا ؟؟..للرئيس يحق ما لا  يحق لغيره !.
من الواجب التطرق الى كافة النقاط , التي أتى الرئيس عليها ,  ,الا أن هناك نقاط تلفت الانتباه أكثر من غيرها , ومن هذه النقاط المحزنة ما قاله بخصوص المراهقين والعاطلين عن العمل , وامكانية شرائهم من قبل البعض لكي يقوموا بالقاء القنابل  والمتفجرات ,  وهذه المقولة كارثية ومحزنة  ومأساوية , وليس من اللياقة الرئاسية  ان أن يكيل  رئيس  لفئات كبيرة من الشعب اتهامات من هذا النوع , العاطل عن العمل ليس انسان عاطل ,  والفساد الذي أفرزته السلطة  هو أحد أهم عوامل عطالته عن العمل , كما أن  انغلاق السلطة  على ذاتها  وديكتاتوريتها  واحتقارها للحريات  هو من أهم العوامل التي  تعيق  اندماج المراهق في الحياة السياسية , وما سمحت السلطة به  من منظمات  “التصفيق”  كشبيبة الثورة لايستطيع “احتواء ” المراهق ,  أأسف لهذه الكلمات والتعابير الرئاسية , التي حددت بالليرات السورية  أيضا  رسم  الخيانة  …انه 2000 ليرة سورية , أو أكثر أو أقل .. أمر لايمكن ان يقال عنه الا أنه مشين ..خطاب  ليس بالتاريخي , ولا أظن انه سيصنع تاريخ .

لاصناعة للتاريخ بعد خطاب كغيره” comment for

  1. الخطاب كغيره من الخطابات , والرئيس كغيره من الرؤساء العرب , والشعب السوري كغيره من الشعوب العربية , والثورة السورية كغيرها من الثورات العربية , والشعب العربي واحد ومصير زعمائه واحد ومصير الشعوب العربية واحد …وبكل ماذكر تتجلى الوحدة العربية , وذلك بدون جهمد البعث ..امة عربية واحدة , ذات رسالة خالدة !!!

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *