شعوري انه كان من الأفضل لو قرأ الرئيس ماكتب له ,فما كتب كان نسبيا واضح , اما عندماحاول سيادته تقديم الشروح ارتجاليا لبعض الأفكار, تحول الأمر الى نوع من الطلاصم , على كل حال فما من شك على أن حضرة الرئيس مرهق هذه الأيام , وقد يكون ذلك هو السبب في تدني مستوى ماقاله بخصوص السلطات , فما قاله لايتجاوز معلومات مدرسية عن تعامل السلطات مع بعضها البعض ..معلومات من المرحلة الاعدادية , معارف كلاسيكية وصحيحة أيضا .
الرئيس قال على ذمة السفير , أنه لاحل سياسي لما تواجهه سوريا من أزمة داخلية ليست سياسية , بل هي حالة الحرب , التي تستخدم ماتستخدمه الحروب من ارهاب وغير ذلك , وهنا ليس لي الا التعجب من هذه المقولة , التي توحي بشكل غير مباشر على أن الوضع السوري الداخلي على مايرام , سياسيا واقتصاديا واجتماعيا , والوضع ليس على مايرام قطعا , ولم يكن على مايرام منذ نصف قرن من الزمن , ولو كان كذلك , لما كانت هناك حاجة الى الاصلاح , الذي قال الرئيس على أنه نشيط جدا بتحقيقه , نعم الاشكالية سياسية داخلية , تطورت لتأخذ الوانا عالمية دولية , وهذا أمر أكثر من طبيعي في هذا العالم المتداخل مع بعضه البعض , حيث لا يمكن حصر مشكلة داخلية بالداخل , بل يجب توقع تداخلات من الخارج , وقد كانت سيادته رائدة في تدويل المشكلة , وذلك عن طريق اشراك دول أجنبية في صناعة القرار السوري , هناك روسيا والصين وايران وحزب الله , الذين يتدخلون حسب مزاجهم ومراقهم وتبعا لمصالحهم في الشأن السوري , حتى أنه يمكن القول , دون مبالغة , على أن بقاء النظام مرهون بالارادة الايرانية والروسية والصينية , وبالمقابل لايمكن القول على أنه ليس للمعارضة تداخلاتها ولايوجد من يتدخل بها , الوضع متشابك داخليا وخارجيا , وليس في الأمر أي غرابة في هذا الزمن.
عودة الى الشطر الكلاسيكي المدرسي , الذي أثار حقا الكثير من العجب في نفسي , فالرئيس يجلس على الكرسي بسلطة مطلقة منذ أكثر من عقد من الزمن , ولا أعرف سببا لعدم محاولته في هذه السنين تطبيق ماقاله بخصوص السلطات عمليا , الا عدم معرفته النظرية بهذه الأمور , وهل يعقل ذلك من رئيس للبجمهورية ؟؟؟ فهل يوجد في البلاد مراقبة أو محاسبة من أي كان , الا من الرئيس ؟, وهل يقوم أي كان بأي مبادرة باستثناء الرئيس , الذي هو بشخصه رئيس كل شيئ ورئيس كل السلطات , انه الآمر الناهي , حتى انه من غير القانوني محاسبته كما حوسب مبارك , لقد توسع الرئيس في طروحاته النظرية , وممارساته العملية على الأرض لاتمثل الا العكس , هل هذا الأمر عن قصد أو عن جهل ؟ , ومهما كان الأمر ..جهلا أو قصدا , فان هذا الأمر يفسر الكثير من جوانب تعاسة الشعب السوري , الذي يعيش منذ نصف قرن من الزمن في دوامة ممارسات خاطئة , قادت الى ترهل الحزب وانتشار الفساد وتوطد الديكتاتاورية والفردية وتعطل الحرية والديموقراطية وقيام الثورة ,وما شرحه الرئيس , مشكورا, له هدف عملي في بناء الدولة , وليس أمر “تجميلي” , فاستقلالية القضاء هي احد الضمانات الأساسية لعدم حدوث الفساد , والأمر كذلك في الرقابة البرلمانية , وفي السلطة التنفيذية , وفي السلطة الرابعة , التي هي الاعلام , ماذا فعل الرئيس عمليا بهذا الخصوص ؟
الرئيس تحدث عن الحوار, وحدد الجهة التي يريد حوارها , وكذلك خصائص هذه الجهة , ومن بين الخصائص عدم الارتباط أو عدم تأثر هذه الجهة بالخارج , وهل لايتأثر الرئيس والسلطة بالخارج ؟ أليس الرئيس مرتبطا بما يشبه الحلف مع ايران ؟ ولماذا أصلا الحوار مع المعارضة؟ , اذا كانت المشكلة تكمن في حالة الحرب مع العدو الخارجي , ولماذا الحوار عند عدم وجود مشكلة سياسية داخلية ؟, ولماذا الحوار أصلا بعد صياغة الدستور الجديد ؟ الحوار كان أكثر فائدة قبل اصدار الدستور , والقول على أن الشعب وافق بأكثريته على هذا الدستور هو قول يحتقر ارادة معظم الشعب السوري , احتقار أدمنت السلطة عليه ولا تعرف أصلا غيره , فمعظم الشعب السوري لم يكن بوضع يمكنه من قول كلمته بخصوص الدستور , هناك مناطق كبيرة وعديدة لم تشارك في الاستفتاء , ولم يحدث في دولة تحترم نفسها وتحترم مواطنيها طرح دستور للاستفتاء أثناء حرب أهلية , سابقة لاشبيه لها في العالم , لذا فان الاستفتاء باطل , وحتى ان شرعية السلطة في طرح شيئ للاستفتاء باطلة , فالسلطة تفتقر ولاديا الى الشرعية , وعدم الشرعية المكتسبة هو أمربرهنت عليه داخليا الحرب الأهلية , وخارجيا موقف العالم بأكثريته من السلطة , التي فقدت , حسب رأي معظم دول العالم , شرعيتها .
يقول الرئيس ان المعارضة قاطعت الانتخابات , وهذا صحيح جزئيا , والأصح من ذلك هو أن الشعب لم يكن بوضع يمكنه من اعطاء رأيه بالدستور , وقد فسر الرئيس نفسه فشل انتخابات الادارة الملية بعامل عدم الاستقرار المسيطر على البلاد , فكيف يمكن له اجراء استفتاء على أمر في منتهى الجوهرية , في ظرف مثل قمة عدم الاستقرار(الحرب الأهلية ) ؟؟,لذا فان ادعاء الرئيس على أن المعارضة قاطعت الشعب , هو ادعاء خاطئ , والأكثر جورا بحق الشعب كان قوله بأنه ليس للمعارضة أي تمثيل في الشارع , واذا كان الأمر كذلك فلماذا يريد الرئيس حوار هذه المعارضة التي لاتمثل أحد؟؟, والطامة الكبرى كانت في تخوين المعارضة بقوله على انها تنتظر”التوازنات ” الدولية أو تنتظر “اشارة ” من الخارج , ليس بهذا الأسلوب وهذه المفردات يتكلم رئيس عن شعبه, ثم يتابع ويعلن قبول السلطةبالحوار كمدخل لحل الأزمة , دون التنازل عن مكافحة الارهاب , ولم يبخل الرئيس على المستمع بتعريفه للارهابي , انه الانسان الذي دعا الى التدخل الخارجي أو ارتبط بالخارج , , وهل التلويح بايران وروسيا والسفن الروسية والجيش الايراني وعزمهم على التدخل في الأزمة السورية لايمثل اقرارا بامكانية التدخل الخارجي المرغوب به من قبل السلطة , وهل يمثل ذلك ارتباطا مع ايران وروسيا ؟؟..للرئيس يحق ما لا يحق لغيره !.
من الواجب التطرق الى كافة النقاط , التي أتى الرئيس عليها , ,الا أن هناك نقاط تلفت الانتباه أكثر من غيرها , ومن هذه النقاط المحزنة ما قاله بخصوص المراهقين والعاطلين عن العمل , وامكانية شرائهم من قبل البعض لكي يقوموا بالقاء القنابل والمتفجرات , وهذه المقولة كارثية ومحزنة ومأساوية , وليس من اللياقة الرئاسية ان أن يكيل رئيس لفئات كبيرة من الشعب اتهامات من هذا النوع , العاطل عن العمل ليس انسان عاطل , والفساد الذي أفرزته السلطة هو أحد أهم عوامل عطالته عن العمل , كما أن انغلاق السلطة على ذاتها وديكتاتوريتها واحتقارها للحريات هو من أهم العوامل التي تعيق اندماج المراهق في الحياة السياسية , وما سمحت السلطة به من منظمات “التصفيق” كشبيبة الثورة لايستطيع “احتواء ” المراهق , أأسف لهذه الكلمات والتعابير الرئاسية , التي حددت بالليرات السورية أيضا رسم الخيانة …انه 2000 ليرة سورية , أو أكثر أو أقل .. أمر لايمكن ان يقال عنه الا أنه مشين ..خطاب ليس بالتاريخي , ولا أظن انه سيصنع تاريخ .
الخطاب كغيره من الخطابات , والرئيس كغيره من الرؤساء العرب , والشعب السوري كغيره من الشعوب العربية , والثورة السورية كغيرها من الثورات العربية , والشعب العربي واحد ومصير زعمائه واحد ومصير الشعوب العربية واحد …وبكل ماذكر تتجلى الوحدة العربية , وذلك بدون جهمد البعث ..امة عربية واحدة , ذات رسالة خالدة !!!