ما من فكرة جديدة تستحق الاهتمام. ما من مبادرة تستحق الأمل. ما من سياسة جديرة بأن تكون «حبال هواء». كأن الأوان السوري قد فات من زمان، ولم يدرك أهلها، سلطة ومعارضة، أنهم بلا أفق، وان المراودة اليتيمة راهنا، هي الكارثة، وان الكابوس المرجح، هو الحروب الاهلية.
كم وما يلزمنا بعد؟ كم مجزرة غداً؟ كم عنفاً دائماً؟ كم تأكيد ملغى؟ كم موعداً بنهاية كذب؟ كم اجتماعاً عقد وانفرط؟ كم أصدقاء لسوريا صدقوا؟ كم معركة خيضت ولا حسم؟ ثم كم قمعاً ولّد ركاماً من سلطة بلا حجة؟ كم جيشاً حراً بالاسم تبرأت منه المعارك النظيفة؟ كم يلزمنا من السقوط بعد كي نصل الى القاع الذي لا قاع بعده؟
فعلنا كل شيء بطرق مفتوحة على الانكسار. كل المعارك خسرت أهدافها ودفعت أثمانها رجالا ومجتمعا، نظاما ودولة، سلطة ومعارضة. لا فاز النظام ولا فازت المعارضة. النظام تفوق في التربص والتوغل والقفز من منصة الى خندق. الوطن على يديه، بلا وطنية. معه، وبسببه، وبسبب من معه، وبسبب من ضده، ومن يثور عليه كذلك، صار الوطن في حمى الطوائف وخنادق المذاهب، قذيفة ولغما ومجازر.
استنفد ملوك العرب نفطهم.. ولم يسقط النظام. استنفد أمراء العرب غازهم وفضائياتهم وتصاريحهم.. ولم يسقط النظام. استنفد الغرب تهديداته ومشاريع قراراته.. ولم يسقط النظام. هددوه بعظائم الفصل السابع.. ولم يسقط النظام.. سقط الجميع في المجهول المخيف.
سقطت سوريا في دمها.
هذا النظام لا يشبه أي نظام عربي. هو من نوع مختلف. أعمدته ليست من داخله بل من خارجه. نظام غير يتيم وغير طالق. هو على منعطف استراتيجي صعب، فيه تلتقي وتتنافر وتصطدم وتتنازع قوى دولية من المرتبة الاولى وقوى إقليمية من الجدارة المتفوقة، وقوى مقاومة، من براهينها أنها انتصرت ولم يقو عليها العالم.
هذا النظام غير آيل الى السقوط. قد تسقط سوريا، ولكنه قد يستمر، ولو من دونها، أو ذهبت سوريا الى حروبها الاهلية.
روسيا معه بلا هداوة. الصين الى جانبه بثبات. حساباتهم دولية ومعاييرها استراتيجية ومراميها حيوية، وتكتيكاتها اختبارية: أميركا ليست صاحبة الإملاء في هذا الميدان. إيران معه مهما كلّف الأمر. حساباتها تنطلق من قوة تتصاعد ولا تتراجع، تكسب ولا تخسر، تحاصر فتخرج بحرية وبيد طليقة ودعم مستنفر. إيران معه لأنه الطريق الى فلسطين، وفلسطين في فقه الولي تحتل مرتبة من يزكيها ومن يزكي من أجلها.
معضلة سوريا الكبرى أنها على مفترق المقاومة وفي مقام الاستبداد معا. الذين ثاروا على النظام لاستبداده، أطاحوا فضيلة النظام الاستراتيجية ونقطة قوته الفضلى. الغرب برمّته أيّد الثورة في سوريا وعلى سوريا، وخرس إزاء ثورة نقية وبريئة في البحرين.
ولذلك.. لم يسقط النظام، وقد يسقط كثيرون قبل سقوطه؛ كثيرون من أبرياء سوريا، كثيرون من مواطني سوريا.. بلا حساب.
النظام لم يسقط والمعارضة لم تسقط كذلك. القمع لم ينه المعارضة. دفعها الى السقوط في العنف. تعامل معها على أنها مؤامرة. وكما أطاحت المعارضة دور سوريا المقاوم عبر احتضان الغرب وعرب الاعتدال «ثورته»، حاول النظام أن يطيح ثورة الحرية على الاستبداد، عبر بيع المؤامرة للمعارضة.
أمس، قال الاسد ما كان قد قاله سابقا. لا جديد بعد. الزمن السوري مقفل. سوريا تستعيد «عرس الدم». الحولة لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة.
من لديه ذرة أمل فليبشرنا بها. لا أمل يأتي من جهة النظام ولا تفاؤل يأتي من جهة المعارضة ولا بادرة من أي مطرح إقليمي أو دولي.