من مذود بيت لحم الى اطفال الحولة

كان يا ما كان، تقول الحكاية، طفلٌ غريبٌ، لا مكان ليولد فيه إلا المذود. كان يا ما كان، تقول الحكاية، هناك في بيت لحم أو حمص، واسمه يسوع، عيسى! كان يا ما كان، تقول الحكاية، مجوسٌ جاؤوا إلى القدس، عن الملك الصغير يسألون. كان يا ما كان، تقول الحكاية، ملكٌ اسمه هيرودُس، أراد قتل الوليد. لهذا، تقول الحكاية، هيرودُس طلب من المجوس أن يعودوا إليه بعد الزيارة، علّهم يخبرون عن مكان الصغير. إلا أن المجوس عادوا من طريقٍ آخر، تقول الحكاية، فما كان من هيرودُس إلا أن قتل أطفال بيت لحم، من ابناء سنتين فما دون! كان يا ما كان، تقول الحكاية، هيرودس مات وقبله مئاتٌ من الأطفال، وبعده ألوفٌ مؤلّفة. كان يا ما كان، لم تنتهِ الحكاية، فهيرودس مات لتجيء بعده أنظمةٌ أشدّ دموية، تمتدُّ من بيت لحم إلى الحولة!
في جديد الزمان:
هيرودس مات ليولد جزّارون جدد، يقتلون صبياً من الجيزة يحمل زاداً لأهل درعا المحاصرين، واسمه حمزة. واليوم، بعد مرور عامٍ كاملٍ على ذكرى تسلّم جثمانه (25/5)، تتكرّر الحكاية، ليعيد النظام السوري مجازره، فيقصف الحولة. لقد مات حمزة، وماتت عفاف وآخرون، والأنظمة «الهيرودية» باقية، ليمتد صراخ الأولاد من بيت لحم إلى حمص: «ذبحوا اليوم أطفال الحولة وبالأمس أطفال العدوية. هل سيكون دوري هو القادم؟»، يتساءل طفلٌ يحمل لافتة، ويتساءل معه كثيرون: هل شكّل طفلُ المذود خطراً على ملكٍ عظيمٍ كهيرودُس؟
في ماورائيات القتل:
شيئان لا تستطيع الأنظمة القاتلة تحمّلهما: الموت والولادة. ففي حين تُخضع الأنظمة المستبدة شعوبَها، مستعملة سياط الترهيب، يُفلت الموت كما الولادة من سطوتها. الموت يعكس عجز الإنسان عن تجاوز محدودية وجوده، فهو، مهما عَظُم وصنع لذاته أصناماً، لا بد زائل! أما الولادة، فتشير إلى أن الحياة تجيء دائماً بجديدٍ، فتبقى، على الرغم من ظلام السجون، متمرّدة. لهذا، يشكلُ كلٌّ من الموت والولادة تحدياً ماورائياً، تنكسر أمامه أنظمة الاستبداد، فيصير القتلُ تعويضاً عن الهزيمة، ويغرق المستبدون في حطام مراياهم. لهذا، لا يذبح القاتل الأطفال، لينتقم فقط ممن يهدّدُهُ (أو يتوهم أنه يهدّدُهُ)، بل قبل كل شيءٍ من الحياة نفسها، لأنه لا يقدر على إخضاعها. من بيت لحم إذاً، يتّخذ الملك ندَّه: طفلٌ وليدٌ فقيرٌ لم يحمل سيفاً! في الحولة أيضاً، بيت لحم الجديدة، يُسقط القتلةُ بُغضَهم للحياة على أطفالنا.
حوار:
تقول الولادة: «إن الإنسان، وإن كان مائتاً، فله جديدُ الحياةِ قبل أن يموت». يقول الموت: «لكن الحياة هشّةٌ، وفي هشاشتها يكمن عذابها»، لتجيب الولادة: «وفي هشاشتها أيضاً يستترُ شيءٌ من بريقها ومِلحِ طعمها، حتى لو بدا التاريخ حاقداً أو عابثاً». فيقطع القتلُ الحوار ليقول: «إن الحياة عطيةٌ مسمومة، والموت شهوة، وقاتل الأطفال إلهٌ، وقاتلُ أطفال من قتلوا أطفالَه إلهٌ آخر!». فتعّقب الحياة: «لكن العطية فيضُ حبٍ وجسد، وأرحام النساء في الحولة، كما في بيت لحم، لن تتوقف يوماً عن الرغبة في الحياة». كان يا مكان، حتى وإن لم تنتهِ الحكاية، ستولد حكاياتٌ جديدة…

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *