لم يقتدر فيلق الأسد على الاحساس بالاستهزاء والتحقير الذي يكيله نقولا ناصيف في جريدة الأخبار -قسم عربيات- على النظام ورجاله , وان كان هناك شعور بأن الفيلق ليس راضي تماما عن تحليلات نقولا ناصيف , التي يقول الفيلق على ان مصدرها هو “عربيات ” ,وبذلك يتحاشى ذكر اسم جريدة الأخبار ورئيس تحريرها الموالي ابراهيم الأمين .
نقولا ناصيف يمارس سياسة ضربة على الحافر وضربة على المسمار , والسؤال الى متى يستطيع ناصيف الاستمرار بهذه المنهجية , حيث يقدم صورا قاتمة عن الجيش وعن السلطة وعن الرئيس وتعطيله للمؤسسات المدنية والدستورية , وعن طيفنة الجيش وتحويله الى جيش البعث العلوي , ولطالما قال نقولا ناصيف على أن السلطة ستبقى بشكل ما بيد الأسد , أي بيد الجيش , فلا مانع من أن يقول على أن حكم الأسد كان اجراميا بحق الوطن ..المهم هو الاستمرار في التسلط مهما كلف الأمر .
اليوم يعود نقولا ناصيف الى موضوع سوريا , وتحت عنوان بعد سنة عودة الى طاولة الأسد , ظن الفيلق على أن نقولا ناصيف يمتدح الأسد بالقول ان طاولة الحوار هي طاولة الأسد , وذلك على غرار سوريا الأسد وكتائب الأسد وفيلق الأسد وزبانية الأسد وكتبة الأسد وغير ذلك , ولم يدرك هؤلاء خلفية هذه العبارة المنددة باحتكار الأسد لكل شيئ , حتى للطاولة , ولم يشعر الفيلق بالنقد المبطن المحق الذي يمارسه نقولا ناصيف عندما يقول :”هكذا ظلّت كلمة نظام تختصر مرجع السلطة: عندما يكون الجيش هو النظام” ولا يشعر هؤلاء بهول التهمة التي يوجهها صحفي لسلطة ما بقوله ان الجيسش هو النظام وهو السلطة ..شهادة للديكتاتورية بامتياز , وعندما يقول في مقاله السابق ان الجيش أصبح ممثلا للطائفة العلوية قد يشعر قصيرو العقل بالفخر , الا أن هذه العبارة هي , لمن في رأسه عقل, اتهام للرئيس بالخيانة العظمى , وذلك لتطييفه الجيش وسحقه للمؤسسات المدنيةوالدستورية .
الكاتب ناصيف يشدد على الخصوصية السورية ., وبالواقع هناك خصوصية سورية , ولا يجوز تشبيه سوريا بمصر أو تونس أو ليبيا أو اليمن , , وتذكرني هذه العبارة بجملةقالها فيصل القاسم في حلقة من حلقات الاتجاه المعاكس ,اذ قال : يلزم سوريا 50 سنة حتى تصل الى مرتبة مصر , وبالواقع هناك تباين بين سوريا من جهة , وبين مصر وتونس من جهة أخرى ’, لقد اثبتت الدولتان على انه هناك في مصر وفي تونس مؤسسات مثل مؤسسة الجيش , وكل مجموعة تسمى مؤسسة عندما يكون لها كيان واستقلالية , الجيش السوري لايمثل مؤسسة , لأنه جيش “خصوصي” انه كتائب الأسد وجيش البعث وقوات الطائفة العلوية (حسب طرح نقولا ناصيف ) , وقد تحول الى عصابة لعدم تقيده بالاتفاقيات المعمول بها من قبل السلطات الشرعية للدول (جينيف) , ولممارسة قيادته الكذب والمراوغة والدجل … لقد تعهدت قيادة الجيش , أي الرئاسة السورية أمام وزير خارجية روسيا لافروف بعدم استخدام الأسلحة الثقيلة في حرب الجيش ضد الشعب (بابا عورو وغيره ) , والكاتب يعترف هنا على أن النظام ” لم يتجاهل في الظاهر نصائح موسكو بعدم استخدام الطائرات والمدفعية الثقيلة، بيد أنه لم يوفر مدافع الهاون والصواريخ وقذائف الدبابات لإنهاء سيطرة المسلحين على مدن رئيسية كحمص وحماة والزبداني وإدلب ودرعا. من دون موافقة موسكو” أي أن الجيش استخدم ضد الشعب الهاون والصواريخ , وهذه هي الهاوية اللاأخلاقية التي اسقطت القيادة الجيش بها , والتي قام ناصيف بالتعريف بها .
الكاتب ناصيف يعدد عناصر قوة النظام , ويقول ان قوة النظام تتجلى بعدم تمكن المعارضة المسلحة من احراز انتصار عسكري على كتائب الأسد , ثم عدم مقدرة المعارضة المسلحة على انشاء مناطق عازلة , والكاتب , الذي يميل على مايبدو الى الباطنية , يستخدم في نظرته الى هذا الأمر مبدأ التجريد , أي أنه يحلل مرحلة من مراحل الأزمة بتجريدها عن المراحل الأخرى , صحيح على ان عدم احراز الجيش الحر لانتصارات كبيرة هو بمثابة انكسار عسكري له , ولم يتوقع احد انتصار الجيش الحر على كتائب الأسد بعد أشهر من تشكيله , أما الانكسار الأهم والحقيقي فهو للنظام , الذي سبب ثورة لها أيضا جناح مسلح يتصارع مع كتائبها , ويرغم هذه الكتائب أحيانا على ارتكاب المنكرات , لقد أرغم الكتائب على ممارسة الاجرام , والكتائب متهمة الآن بالاجرام بحق الانسانية , والنظرة الى الأمر ككل تقود الى تشخيص هزيمة مروعة للسلطة , التي لم يكن بمقدورها تلافي اندلاع الثورة أولا , وليس بمقدورها القضاء على الثورة ثانيا ..أليس وضع لاغالب ولا مغلوب هو هزيمة منكرة لسلطة تعمل منذ اربعين عاما على تحقيق انتصار سريع على أي انتفاضة شعبية, خسارة معركة أو معارك , لاتعني خسارة حرب .
بشكل غير مباشر يبرهن الكاتب على موافقة أمريكا الحقيقية على الأسد وعلى رغبتها ببقائه ,الكاتب يعترف بأن أمريكا تعارض تسليح المعارضة خوفا من انتقال السلاح الى القاعدة , ثم يقول الكاتب على أن سبب معارضة أمريكا لتسليح المعارضة هو خوفها من حرب أهلية , أي أن أمريكا حريصة على عدم حدوث حرب أهلية , ومن يقارن الموقف الأمريكي مع موقف النظام يصل الى نتائج مفجعة , ففي حين تقاوم أمريكا حدوث حرب أهلية , يعمل النظام كل مافي وسعه لدفع البلاد الى حرب أهلية , وفي حين تحرص أمريكا على عدم وصول السلاح الى القاعدة , حرص النظام سنين طويلة على تزويد القاعدة بالسلاح وفتح لها الحدود مع العراق , وكل ذلك يحدث في ظل أقوال أمريكية تدعي على أن أيام الأسد معدودة , وهذا لايمثل الا تغطية كلامية لتأييد مبطن ولموقف انفصامي تتجلى ابعاد تناقضه بالحفاظ على الأسد كضرورة أمنية لاسرائيل من ناحية , ومن ناحية أخرى ضرورة مواكبة حركة التغيير ضمانا لمستقبل تستطيع امريكا به التأثير على من سيحكم سوريا .