البيان الرئاسي يؤكد العلاقة والمضمون مع البيان السابق من عام 2011 و2012 , ويؤكد على تدهور الوضع في سوريا , ويشير الى وجود أزمة كبيرة ووضع انساني مؤسف , ويأسف لهلاك آلاف عديدة من المواطنين السوريين , وبذلك يقول البيان على أن السلطة السورية سلطة فاشلة , وهذا الأمر يتناقض مع أقوال السلطة ..سوريا بألف خير ..خلصت ..لاتوجد ازمة انما توجد عصابات الى آخر هذه اللغة الكاذبة السقيمة التي يستخدمها النظام لتغطية ترويعه للناس واستعبادهم .
ثم يتطرق البيان الى نقطة أخرى وهي حقوق الانسان , حيث يقول ان وضع حقوق الانسان في الجمهورية العربية السورية متأزم جدا , هذا الى جانب تأكيده على سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها , حيث لم يذكر البيان النظام بكلمة ولم يتحدث عن الحكومة السورية بحرف واحد , وفي هذا الكلام عدم اعتراف بشرعية الحكومة , وقد تكرر هذا الكلام بمناسبة التفجيرات الأخيرة في دمشق , حيث قدم الأمين العام للأمم المتحدة العزاء الى الشعب السوري , وليس الى الحكومة السورية كما هو مألوف ديبلوماسيا , وبذلك يمارس الأمين العام سابقة لامثيل لها , وخرقا غير مألوف للعرف الديبلوماسي , ولا يمكن القول هنا على أن الأمين العام للأمم المتحدة لايعرف الأعراف الديبلوماسية , لقد أراد ذلك عامدا متعمدا وعن سابق تصميم وتصور .
ينتقل البيبان بعد ذلك الى موضوع تسمية أنان والترحيب بهذه التسمية من اجل الانهاء الفوري لكل اعمال العنف وجميع انتهاكات حقوق الانسان، وضمان وصول المساعدة الانسانية، وتسهيل الانتقال السياسي بقيادة “سورية” نحو نظام سياسي ديموقراطي تعددي، يتمتع فيه المواطنون بالمساواة بصرف النظر عن انتماءاتهم السياسية او العرقية او العقائدية، وذلك بطرق منها الشروع في حوار سياسي شامل بين الحكومة السورية وكامل اطياف المعارضة السورية, وهنا تجنب البيان ذكر قيادة السلطة , وانما قال “قيادة سورية ” وهذا تنويه الى ضعف شرعية السلطة وعددم الاعتراف بسيادتها في سوريا من قبل البيان .
ينتقل البيان بعد ذلك الى النقاط الستة , حيث تشدد النقطة الأولى على الاالتزام بالعمل مع أنان تحت قيادة “سورية ” لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله , ولم يتحدث البيان عن تطلعات السلطة وجهودها في التصدي للعصابات المسلحة المفترضة , وعدم التنويه الى العصابات المسلحة هو نفي لوجودها ,وبالتالي نفي لشرعية مكافحتها من قبل السلطة .
وفي البند الثاني يوازي البيان أولا بين السلطة والمعارضة المسلحة , اذ يطلب من الجميع وقف اطلاق النار تحت اشراف الأمم المتحدة , ثم يفسر الشطر الأول بالشطر الثاني من هذا البند اذ يقول :
“ولهذه الغاية، ينبغي ان تقوم الحكومة السورية بالوقف الفوري لتحركات الجنود نحو المراكز السكنية وانهاء استخدام الاسلحة الثقيلة فيها، والشروع في سحب الحشود العسكرية من المراكز السكنية وحولها.”
وهذا الشطر يباين بين الحكومة والمعارضة المسلحة , اذ أنه يطلب فقط من الحكومة , ولا يطلب من الآخرين ..ثم يأتي الشطر الثالث الذي يتحدث عن الجميع اذ يقول :
“وفي الوقت الذي يجري فيه اتخاذ هذه الاجراءات في الميدان، على سوريا ان تعمل مع المبعوث من اجل ان تقوم جميع الاطراف بالوقف المستمر للعنف المسلح بجميع اشكاله تحت الاشراف الفعلي لآلية تابعة للامم المتحدة.” والبيان يعود ويفرق بين السلطة والمعارضة , اذ يقول :
” وسيسعى المبعوث الى الحصول على التزامات مماثلة من المعارضة وحميع العناصر ذات الصلة لوقف القتال والعمل معه لكي تقوم جميع الاطراف بالوقف المستمر للعنف المسلح بجميع اشكاله تحت الاشراف الفعلي لالية تابعة للامم المتحدة؛” , فالبيان لايتحدث الآن عن المعارضة وواجباتها , هذه الواجبات هي الي “سيسعى” المبعوث الى تعريفها والاتفاق عليها مع المعارضة , التي تعترف الأمم المتحدة بها وبوجودها .
البند الثالث يتحدث عن المساعدات الانسانية والهدن الضرورية للقيام بها , وتحديد “ساعتين ” يعني على أن الأمم المتحدة تستطيع العيش مع وقف جزئي لاطلاق النار والعنف .. والبند الرابع يتحدث عن “تكثيف” وتيرة الافراج عن المحتجزين , والتكثيف لايعني اطلاق سراح جميع المحتجزين , وهناك فرق بين معتقل ومحتجز , والحديث عن “محتجز ” يلغي أي قانونية في أمر “احتجازه” , خاصة عندما يتحدث البيان عن الفئات المستضعفة من السكان , والضربة القاضية للنظام هي في الطلب بتقديم القوائم بدون أي “تأخير” عن المواخير التي يحتجز بها هؤلاء والاستجابة “الفورية” لكل طلبات الحصول علىى المعلومات المتعلقة بهؤلاء الأشخاص وسبل الوصول اليهم والافراج عنهم , أي أن الافراج عنهم هو الهدف الأساسي القطعي , وليست نسبية “التكثيف” .
البند الخامس هو بند مقتضب عمدا ولا يترك مجالا لتفسيرات مختلفة اذ يقول :” ضمان حرية تنقل الصحافيين في كافة ارجاء البلد وعدم اتباع سياسة تمييزية في منحهم التاشيرات” وبذلك يلغي أي امكانية حكومية لمنع أي اعلام من الدخول الى سوريا , والبند السادس يتحدث بنفس اللهجة المقتضبة عن التظاهر واعتباره حقا طبيعيا لكل انسان سوري , والسؤال الأخير هو: أين الفرق بيسن هذه الشروط وشروط الجامعة العربية ؟ , ثم سؤال آخر , لو افترضنا على أن السلطة تريد تطبيق بنود هذا البيان , هل تستطيع ذلك ؟ , وهل تستطيع السماح بالتظاهر كما يرى البيان , ؟ هل تستطيع اعطاء المعلومات بدون تأخير عن المواخير ؟وهل تستطيع تقديم القوائم , ؟ وماذا ستقول السلطة عن المفقودين ,؟ وكيف ستبرر اختفائهم .. البيان “سلس” ولكنه “يستدرج” الى ما لاتحمد عقباه بالنسبة للسلطة , وبالنهاية لا أظن على أن السلطة ستوافق على هذا المشروع , وان وافقت فانها ستقوم بنفس اللحظة بمحاولة الالتفاف عليه لكسب الوقت …ماذا سيحدث بعد ذلك ؟ لا أعرف !