كلمة -انسحاب كيفي – معروفة منذ عام الهزيمة الكبرى من الجولان عام 1967 , وقد اعطت قيادة الجيش آنذاك الأوامر بالانسحاب الكيفي , وهذا يعني على أنه على العسكري السوري أن ينسحب -على كيفو- كما يريد وبأي شكل يريد ..نوع من الانسحاب البدائي المذل , والذي يعبر عن فشل القيادة , ليس فقط في الحرب , وانما في الانسحاب أيضا , ثم أنه يعبر عن فشل أخلاقي تجاه العسكري , وعن فوضوية لامثيل لها وعن ازدراء غير مسبوق للجندي , ثم عن اختراق أحمق لمبأ “التنظيم” الذي هو من أسس كل مؤسسة عسكرية , الانسحاب الكيفي هو تعبير عن العقلية البدوية في الجيش …أولا تقول القيادة ..عليهم ياشباب ..وعندما جد الجد وأتت المحنة قالت لهم القيادة ..دبر نفسك ..على كيفك وهواك ..الى الهلاك ..حيث لانظام في الهجوم , ولا نظام في الانسحاب,وكل ذلك كلف الوطن الجولان, كلفة عالية جدا .
الا أن النظام وجد آنذاك , أيضا على كيفو ..الكثير من الايجابيات والانتصارات في حرب 1967 , ومن الانتصارات كان فشل العدو في القضاء على النظام التقدمي السوري, الذي ننعم به حتى هذه اللحظة , اذ لم يكن باستطاعة العدو تحقيق أهدافه في القضاء على التقدمية السورية , ومن هنا نلاحظ ترتيبا مريبا للأوليات ..العدو انكسر بالرغم من احتلاله للجولان , والنظام انتصر بالرغم من فقدان الجولان ..بكلمة أخرى للنظام أولوية على الوطن , وهذا مانلاحظه حتى هذه الساعة , خاصة في محنة الوطن الحالية .
التاريخ يعيد نفسه وبعناد شديد , النظام يريد البقاء مهما كلف الأمر , أن كلف ذلك حربا أهلية أو تدمير البلاد فهذا أمر ثانوي بالنسبة لبقاء النظام ..انه النظام “الضرورة” (استوردت هذه الكلمة من أدبيات صدام ), وضرورة بقاء النظام تفوق ضرورة بقاء الوطن , والسلطة لاتكل ولا تمل من القول على أنها الوطن والدولة معا , أما كيف أصبحت السلطة الوطن والدولة , فهذا أمر لاتحب السلطة بحثه تفصيليا ,لقد كانت هناك ثورة مجيدة , وحركة تصحيحية أكثر مجدا , والسلطة تدعي على أن المستهدف منذ أربعين سنة من قبل المؤامرة الخسيسة هي الدولة السورية , وليست السلطة السورية , ومن يحارب السلطة يحارب الدولة السورية , ومن يتآمر على السلطة يتآمر على الوطن , ومعارض السلطة هو معارض الوطن ..أي كل معارض خائن , وهذا مايردده بشكل روتيني السلطويون الذين تربواعلى يد السلطة ونهلوا من ثقافتها .
قامت الدنيا ولم تقعد , ولم يعد بالامكان التجول في الوطن ..هناك حمص المغلقة ..هناك درعا المغلقة ..ادلب المغلقة ..ريف دمشق المغلق .. وكل يوم يلقى عدد أسطوري من البشر حتفه بالرصاص , ,وأول أمس بلغ العدد مئات في حمص , هذا ماعدا المناطق الأخرى , وبالرغم من ذلك تنتقل السلطة من نصر الى آخر , على من تنتصر السلطة ؟ على العصابات المسلحة , تقول السلطة …يابشر كم يوجد من هذه العصابات في الوطن ؟؟العصابات موجودة في كل مكان وفي كل قرية أو حارة أو مدينة … والسلطة باقية , أي انها انتصرت , على من ؟ , أظن ان انتصارها كان على الوطن !.
عام 1967 انسحب العسكر على “كيفهم” ,الآن تتآكل السلطة وتنسحب على “كيفها” ومراقها , لاتوجد خطة للانسحاب , وذلك مع أن الأمر أصبح واضحا , الواضح هو أنه لاعودة الى الماضي , وذلك ان “انتصرت ” السلطة في حروبها الأهلية أو “انكسرت “, انكسارها يعني الرحيل , وانتصارها يعني أيضا الرحيل, ولا بديل عن الرحيل , ومن أهم المسؤوليات الوطنية “أخلاقيا” هو تنظيم الانسحاب , بشكل يمنع تطور الحرب الأهلية الحالية البؤرية , الى حرب أهلية كاملة وشاملة , حيث أن رحيل السلطة بعد ذلك سيكون أكثر قسرية ودموية ..السلطة تهدد المشاغبين , بالقول أن الشغب سيقود الى حرب أهلية , الا أنها لاتدرك أبعاد ماتقوله , وأحد الأبعاد هو التالي :البقاء أيضا سيقود الى حرب أهلية ,ومغاوير الحرب من جهة السلطة ومن جهة التيار الاسلامي لايأبهون بالوطن ومصيره ,يريدون الانتصار على الوطن , ويجندون الآن الطوائف حيث لكل طائفة قوتها الضاربة , هناك قوة العتاد من جهة , ومن جهة أخرى قوة العدد , وكل جهة تتهم الأخرى بالطائفية التي تمارسها أصلا , كل جهة تقول انها مستهدفة من الجهة الأخرى , ولم نصل الا ماوصلنا اليه الا بفضل الغباء السلطوي, اذ لاتوجد خطة مشرفة للانسحاب , وسنخسر الوطن كما خسرنا الجولان .
لا أتحدث , بعد أن حدث ماحدث , عن غياب خطط الهجوم , التي اقتصرت عام 1967 على خطة ” عليهم ” فأكثر من أربعين عاما مضوا, ولم يكن بمقدور السلطة أن تشعر بالاحتقان, ولم يكن بمقدورها أن تشخصه قبل حدوث الانفجار, وانما انسابت وارتخت وترهلت وتمادت وسرقت واعتقلت وسجنت حتى وقع الانفجار , وحتى صوت الانفجار لم يصل الى اذن السلطة لحد الآن , فالأمر وما فيه هو بعض العصابات , التي ترهب البشر وتسرقهم وتختطفهم , ومن هو ليس عصابة تعتبره السلطة عصابة .. والسلطة تكافح العصابات ضمن برنامج يسمى “الحل الأمني ” , ,اين هو الغريب في الأمر ؟؟
لايوجد في الأمر الا الغريب , وأهم الغرائب والعجائب هوالتالي : نرى كيف نموت تدريجيا ولا نأخذ أي دواء ..الغريب أيضا هو تعلقنا بخيار الانتحار