“دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا”
بالأمس القريب اجتمع العربان والغربان، في مجلس الأمن على وجبة فاسدة يريدون تمزيق العباءة الدمشقية المزركشة بآيات من كتاب كريم وحديث شريف، وطالبوا المرأة التقية النقية التي تتوضأ بماء العروبة كل يوم خمس مرات أن تحضر وجبتهم هذه لتكون شاهداً وشهيداً. و لم يدر هؤلاء العربان والغربان، أو لا يريدون أن يدروا، أن دمشق مدينة غير كل المدن وامرأة غير كل النساء تطل من عبق الياسمين، وتغتسل بماء الورد، وجدائل شعرها الأسود تنتشر على مساحة المعقول وغير المعقول، هي المرأة الوحيدة في الدنيا التي تفتح ذراعيها لتضم آلاف العشاق وملايين الهائمين.. هي الأرض الطاهرة التقية النقية موطئ قدم كل محب وتضم لصدرها كل هائم على وجه الأرض… هي سر وسحر وأسطورة، سفر مفتوح له بداية وليس له نهاية
بالأمس القريب وفي عتمة الليل، جهزوا المذبح وأحرقوا البخور، ولبسوا ثوب العرب والديمقراطية، ثمّ جهزوا كلّ شيء من أجل الشروع في جريمة قتل الحبيبة وتمزيق العباءة الدمشقية المزركشة.
وجاء تلميذ دمشقي مجتهد، يضع تحت إبطه كراساً صغيراً كتب فيه ذكرياته الطفولية، وأشعار نزار قباني، سار في أروقه مجلس الأمن للقاء العربان والغربان، فلاح طيف نزار قباني يخاطبه محذراً: ( أميركا تجرّبُ السوطَ فينا، وتشدُّ الكبيرَ من أذنيهِ، أميركا ربٌّ.. وألفُ جبانٍ). أصر التلميذ على حضور هذه المأدبة، ونفسه تقول أنا ابن الشام، ابن الياسمين والفل، والحب والقهر والسلام، ولن يمزقوا عباءة حبيبتي قبل أن أناجي رب العباد وأسلم له الروح راضياً بما كتب لنا، وأعتذر من طيف نزار قباني، ومضى في طريق.
جلسة المجلس
وانعقدت جلسة مجلس الأمن لتمزيق العباءة الدمشقية المزركشة، وشهدت هذه الجلسة حضوراً دبلوماسياً أميركياً أوروبياً خليجياً كبيراً، عن طريق مشاركة وزراء الخارجية في الجلسة، وشهدت أيضاً سجالاً حاداً عاصفاً بين رئيس وزراء قطر حمد بن جاسم والتلميذ الدمشقي المجتهد مندوب سورية بشار الجعفري الذي أكد أن دولاً عربية ومجاورة تحتضن جماعات مسلحة لاستهداف سورية. وأردف الجعفري: كأني أرى أن الشاعر نزار قباني تخيل هذه الجلسة قبل وفاته بسنوات حين قال: (دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا). وهنا أبدى الشيخ حمد امتعاضه من استشهاد الجعفري بقصيدة لنزار قباني خلال كلمته أمام مجلس الأمن.
طلب «الشيخ حمد» أن يلقي كلمة صغيرة في ختام الجلسة، علق من خلالها على كلمة المندوب السوري، وقال: «نحن نعلم أن نزار قباني أنشد للحرية كثيراً ولا أعلم إن كان حياً ماذا كان سيحصل فيه الآن وهو ينشد للحرية».
وما أن أنهى «حمد» كلمته حتى دوى في قاعه الاجتماعات جلسة مجلس الأمن، صوت نزار قباني:
تمرغ يا أمير النفط.. فوق وحول لذاتك كممسحةٍ..
تمرغ في ضلالاتك لك البترول..
فاعصره على قدمي خليلاتك
كهوف الليل في باريس..
قد قتلت مروءاتك
على أقدام مومسةٍ هناك
متى تفهم؟
أيا جملاً من الصحراء لم يلجمْ…
ويا من يأكلُ الجدريُ منك الوجهَ والمعصمْ…
متى تفهم؟
تجاهل المندوب السامي القطري، صوت نزار قباني لأن: (لا أحد يتكلم العربية مثل دمشق.. ولا أحد ينطق الحروف العربية على طريق الغساسنة والمناذرة.. و«منهج البلاغة» و«العقد الفريد» و«لسان العرب».. إلا دمشق.. ولا أحد يحمل سلّم العروبة بالعرض.. إلا دمشق..) ودمشق في عرف نزار هي الأصل في الزمان والمكان: (دمشق من حيث الأقدمية هي الأولى.. وهي الرائدة.. والأستاذة.. وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا عليها..) والسوريون منذ الأزل والقدم خلقهم اللـه لحماية العرب والعروبة:
(هكذا خلق اللـه السوريين
كل رغيف يخبزونه يقتسمونه مع العرب
وكل شجرة يزرعونها تأكل من ثمرها العرب
وكل حجر يحملونه على أكتافهم هو لتعمير بيت العرب)
وعلق (المندوب السامي القطري) على إشارة المندوب السوري بشار الجعفري، إلى أن دول الخليج كانت مستعمرة من بريطانيا بالقول: «دول الخليج أو قطر لم تستعمر، كان هناك اتفاقية مع الحكومة البريطانية وانتهت في أوائل السبعينيات ولم تكن هناك مقاومة للاستعمار حتى نتلقى خرجية من أحد».
وهنا طلب نزار قباني من بشار الجعفري التنحي جانباً، وجلس على المقعد المخصص لدمشق ووجه كلامه لكل العربان قائلاً:
يا بلدي الطيب.. يا بلدي لو تنشف آبار البترول
ويبقى الماء
لو تلغى أجهزة التكييف من الغرف الحمراء
لو أعطى السلطة في وطني
جرّدت قياصرة الصحراء
من الأثواب الحضاريّة
ونزعت جميع خواتمهم
ومحوت طلاء أظافرهم
وسحقت الأحذية اللّماعة
والساعات الذهبيّة
وأعدت حليب النّوق لهم
وأعدت سروج الخيل لهم
وأعدت لهم حتى الأسماء العربيّة
تجاهل العربان الرد مرة أخرى على نزار قباني وتابع المفوض السامي القطري الرد على قول السفير الجعفري، حول عدم اتخاذ الدول العربية، والخليجية خصوصاً أي إجراءات تجاه القضايا الفلسطينية، بالقول: «نحن لا يوجد لدينا جبهة مفتوحة على إسرائيل حتى يكون لنا موقف واضح من الموضوع لكن كان موقفنا واضحاً في دعم الأشقاء الفلسطينيين في غزة أو أي مكان آخر ويشهد التاريخ بذلك». ، فتنهد نزار قباني والدمعة في عينيه وقال:
يا تلاميذ غزة علمونا بعض ما عندكم
فنحن نسينا
علمونا بأن نكون رجالا
فلدينا الرجال
صاروا عجينا
علمونا كيف الحجارة
تغدو بين أيدي الأطفال
ماساً ثمينا
كيف تغدو دراجة الطفل لغما
وشريط الحرير يغدو كمينا
كيف مصاصة الحليب
إذا ما اعتقلوها تحولت سكينا
يا تلاميذ غزة
لا تبالوا بإذاعاتنا
ولا تسمعونا
وتابع: «المفوض السامي القطري بالقول: قطر ودول الخليج كانت في فقر ومجاعة إلى أن أنعم اللـه عليها بالنفط وهذا النفط استخدم في نهضة بلادنا ومساعدة الأشقاء العرب الذين لا نمن عليهم بل نفخر بمساعدتهم».
فكان جواب الشاعر قباني سريعاً على ادعاءات المفوض السامي:
آه.. يا جيل الخيانات..
ويا جيل العمولات..
و يا جيل النفايات..
ويا جيل الدعارة..
واحد.. يبحث منا عن تجارة
واحد يطلب ملياراً جديداً..
وزواجاً رابعاً..
ونهوداً صقلتهن الحضارة
واحد.. يبحث في لندن عن قصر منيف
واحد.. يعمل سمسار سلاح..
واحد.. يطلب في البارات ثأره
واحد.. يبحث عن عرش، وجيش، وإمارة..
سوفَ يجتاحُكَ- مهما أبطأَ التاريخُ
أطفال الحجاره
ولملم بشار الجعفري أوراقه الدمشقية وكراس ذكرياته وودع شاعر دمشق وهم بالانصراف وحال نفسه تقول:
(هجمَ النفطُ مثل ذئبٍ علينا
فارتمينا قتلى على نعليهِ
وقطعنا صلاتنا.. واقتنعنا
أنَّ مجدَ الغنيِّ في خصيتيهِ)
ولاح في الأفق البعيد طيف الفارس الأموي الحجاج بن يوسف الثقفي جاء على ظهر جواده من العراق، شاهراً سيفه منادياً العربان والغربان: (إني أرى رؤساً قد أينعت وحان وقت قطافها!!!!)
فخرج التلميذ المجتهد من قاعة مجلس الأمن أستاذاً للعروبة.
شمس الدين العجلاني – أثينا. بالتصرف فقط بالعنوان نقلا عن جريدة الوطن السورية.