لم يكن للتيار السلفي الأصولي الديني , بما فيه الاخوان المسلمين , دور يذكر في انطلاقات الربيع العربي في الدول التي كان لها الحظ باحتضان ربيع عربي, الا أنه من المعروف عند معظم فئات الشعوب العربية على ان السلفية الاصولية الدينية امتطت مؤخرا منجز الربيع العربي , الذي به تتمثل بدايات الديموقراطية العربية على المدى المتوسط والبعيد , وما أن بدأت السلفية الأصولية في امتطاء ركب الثورات العربية , وتسجل في دول هذه الثورات نجاحات انتخابية , حتى بدأت بالقلق , من صدمة الورطة الديموقراطية التي أصابتها , وذلك لكونها غير محضرة مبدئيا لصدمة من هذا النوع , ففي الماضي اقتصر مجهود هذه الحركات على ممارسة الشكوى المحقة من مظالم الديكتاتوريات , التي لم يكن بمقدورها انجاز أكثر من ظلم البشر .
السلفية الأصولية دخلت سجون ومعتقلات الديكتاتوريات , أهينت وعذبت وأسيئ بحقها , ثم انتفضت الأصولية هنا وهناك للعمل الجهادي , حيث مارست العنف لسببين , أولهما كرد على عنف الديبكتاتوريات , وثانيهما كممارسة مبدئية دينية تقود الى جنائن السموات في حال الشهادة والممات , فالعنف بحد ذاته ” أصوليا دينيا ” هدف ووسيلة .
بعد نجاحات حركات الربيع العربي في اطلاق مسيرة الديموقراطية , التي بدأت أولا بازاحة الرؤوس الديكتاتورية , ازاحة لابد من البدء بها قبل التمكن من ازاحة الجسد الديكتاتوري , وبعد صعود السلفية في قطار التغيير الهادف الى تأسيس ديموقراطي , حدث القلق الأصولي بسبب وجهة القطار ..الى أين يسير القطار ؟؟ وما هو هدفه ؟
القطار يسير باتجاه مزيد من الحرية ومزيد من اللاطائفية والعلمانية أو المدنية , ذلك لأنه لايمكن للقطار الا أن يتخذ اتجاها آخر على المدى المتوسط والبعيد , ذلك لأن الجو العام اقليميا وعالميا لايسمح باتجاه آخر , خاصة وان الأنظمة المنهارة والتي ستنهار تمثل عكس ذلك , أنظمة قتلت الحرية وأقصت كل تطور ديموقراطي , والشعوب تواقة ومصممة على احداث نقيض للديكتاتورية , وما نقيض للديكتاتورية الا الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية .
القلق الذي أصاب السلفيين المسافرين مع الربيع العربي في قطار التحرر, منطقي , اذ لم يعد بالامكان الاكتفاء بالتألم من المظالم , وذلك لأن الربيع العربي لم يظلم لحد الآن ولا يستطيع بتلك السهولة أن يظلم , والربيع العربي لم يشاكس ويعاكس الصعود الانتخابي للأصوليات , الأصولية عوملت بأصالة ديموقراطية , لذا لايوجد سبب للبكاء والتألم والشكوى , ومن هذا المنطلق أصبح واجبا على الأصولية أن تتكلم بمنطق آخروأن يكون لها خطاب آخر ..كيف اتعامل مع نظام رفعني ديموقراطيا الى سدة سلطة ما ,؟ , هل يمكنني أن أنقلب وأدمر السلم الذي تسلقته , كما فعلت حماس , أو أن تجربة حماس غير قابلة للتقليد؟؟
تجربة حماس غير قابلة للتقليد , لأسباب عدة , ذلك لأن دول الربيع العربي بشكل عام لاتخضع للوصاية التي خضعت اليها حماس , والوصاية السورية -الايرانية غير مكترثة الا بايقاف المد الديموقراطي , لذا لم تلق خيانة حماس للديموقراطية من الوصاية الا كل ترحيب وتشجيع , وهل يعقل أن يساعد النظام السوري أو النظام الايراني حركة ديموقراطية ؟
الانقلاب على الديموقراطية غير ممكن , وصياغة سياسة اجتماعية واقتصادية وسياسية أصولية سلفية تؤمن تقدم الأوطان غير ممكن , والشيئ الوحيد الممكن هو التشدد في ممارسة التأخرية , والتشنج على حرفية النصوص , حيث لهذه التأخرية من يناصرها من المتأخرين, يقال ان نسبة انصار التأخرية في مصر تبلغ حقيقة حوالي 15% من الشعب , لذا ستنزل الأصولية على نفس السلم الذي تسلقته .. وستنحدر نسبة أصوات المتأخرين في مصر من 45% آنيا الى 15% مستقبلا , وفي سوريا سيكون الأمر مشابها , واذا جرت مساء هذا اليوم انتخابات فسيكون حظ الأصولية من الأصوات حوالي 30% , وهذه النسبة ستنحدر الى حوالي 10% بعد أول تجربة تخضع لها هذه الأصولية ,فالأصولية لاتستطيع بجدارة الا ممارسة العنف , ومسؤوليات الحكم هي مسؤوليات بعيدة جدا عن مقدراتها , لذا يمكن القول ليست أصولية الأسد الدينية وسجونه هي التي ستقضي على الأصوليةا لدينية الأخرى , وانما القضاء على الأصولية بشكل عام يجب أن يتم ديموقراطيا .
ان مقدرة العرب الفائقة على الطاعة والانصيباع لأفسد حكام تعرفهم الانسانية لايمثل ” معطى أزلي”, ولا علاقة لوجود نوع من الادمان الثقافي على الانصياع بفقدان ولادي للحس بالحرية والتمتع بها, فالعرب لايكرهون الحرية ولاديا , شأنهم شأن أي انسان في هذا العالم , تواقون للحرية كغيرهم , وما انجزوه حقيقة خلال شهور لايعرف التاريخ مثيلا له .
ماينقصهم هو الوعي العلمي لحقيقة الثورات , والوعي العلمي يخضع الى حقائق المعارف البشرية , وهذه الحقائق تقول , ان الثوار ليسوا من يجنوا ثمار الثورة , فبعد الثوريين يأتي عهد الانتهازيين , وبعد الملحمة يأتي عهد خيبة الأمل , وسوف لن يسود الرخاء الدول العربية بمجرد ارسال مبارك الى المصح أو القذافي الى القبر , والوصول الى احقاق العدالة الاجتماعية سوف لن يحدث بين ليلة وضحاها , والتحدث بعد أيام من اسقاط الرؤوس عن الآفاق المرعبة والمذهلة للثورة العربية ,ليس الا محاولة لتثبيط هذه الثورة , التي لايمكن تثبيطها .
كما أن الحديث عن المحرض وعن المندس والمتآمر , لاينم عن اكتشاف حقيقي للمندس والعميل والمتآمر , وانما تعبير عن الاستمرار في ممارسة يتيمة لاحتقار البشر , وكأنه ليس من الطبيعي أن تثور الجماهير ضد البلية الديكتاتورية وضد أطر عيش مزرية ..يجب أن يكون هناك دائما محرض ومخرب ومتطرف وفوضوي! , الاستمرار في النهج الاحتقااري يتطلب اضافة الى ذلك استحمار المواطن والتنكر لمقدرته بالحس بالظلم …مواطن مهبول مخبول , وللاستحمار طرق وأساليب أخرى , فالمستحمر يقول للحمار .. انظر الى تونس , أين الرخاء والبحبوحة ؟؟لاوجود لها , وهذا يعني على ان الربيع العربي فاشل ..مؤامرة خسيسة ونسيسة , لذا على الحمار القناعة بالموجود والوعود تحت سقف قيادته الحكيمة , وفي ظل القرار الوطني لهذه القيادة , التي هي الوطن , ومن يعاكسها ويشاكسها , انما يعاكس ويشاكس مسيرة الاصلاح ..لذا عليك أيها الحمار بالانبطاح انه قدر … , وسبحان الذي يغير ولا يتغير
لايمكن القضاء على الأصولية الا بالديموقراطية , وهذه هي الحصيلة المعرفية للتجارب العربية, حيث ادعت وتدعي النظم العربية الأصولية أيضا , انها تريد مكافحة الأصولية الدينية عن طريق أصولية ظاهرها سياسي وباطنها ديني طائفي أيضا , وما هي النتيجة ؟
النتيجة كما نرى هي يقظة الغيبية , غيبية الأطراف المتنازعة عسكريا , النتيجة هي اكتساح الشارع السياسي من قبل العنف الجهادي الطائفي , الذي يمزق الأوطان بالاشتراك مع العنف العسكري, الذي هو طائفي أيضا ..النتيجة هي حرب أهلية على أساس طائفي , وهل يمكن للفشل أن يكون أقسى وأضخم وأكبر ؟
على من يخاف من الأصولية الدينية أن يسأل نفسه عن خواص الوضع الحالي , هل هذا الوضع أصولي أيضا ؟ ثم عليه أن يسأل عن اسباب شعبية أصولية دينية خاوية من أي فكر , أليس السبب هو اعتقاد المواطن , على أن الأصولية الحاكمة أكثر سوءا , وما يسبب الثورة هو أسوء منها