خيار الانتحار

من يريد حقن الدماء , يجد كل حل سلمي  جيد , وذلك بغض النظر عن بعض التفاصيل , ومن له اهدافا غير معلنة , لايجد  في أي طرح الحل الذي يريده , وما يرده هنا يخضع الى  التقدير والتخمين , هناك جهة    أخرى خفية  تريد حلولا تناسبها  بالدرجة الأولى  , وهذه الجهة الخفية  تسيطر بشكل ما على  الكثير من مراكز القرار , وليس لهذه الجهة من مخرج الآن الا مخرج تطويل عمر الأزمة  , حيث تعيش هذه الفئة في ظل الأزمة  الممطوطة  ,  تعتاش منها  كما يعتاش لوردات الحرب من الحروب, ومآرب هذه الجهة   ستقود  مراكز القرار الشكلية  والتي تسيطر عليها , الى تبني خيارا مهما   هو  خيار  الانتحار… .لماذا الانتحار ؟

لأنه لم تعد هناك طرق  تسمح بانقاذ جميع الأطراف من الورطة القاتلة , الطريق أصبح مسدود كما قال سياسي روسي  , وقد استنذفت الأزمة معظم علاجات السلطة , لقد ارادت السلطة حلا  كالحل الذي طبقته ايران بعد الانتخابات في عام 2009  , وهذا مايمكن تسميته الحل الأمني  , ولحد الآن بدون نتيجة ايجابية  , والوضع يتطور أمنيا الى الأسوء ..الآن تمارس السلطة الهروب الى الأمام عن طريق  تصعيد العنف والقتل , قائلة  عن طريق وزير الخارجية  , ان التصعيد  مطلب جماهيري , ولا أظن انه يوجد في العالم من يصدق هذه الرواية ..حتى نصر الله لايصدق هذه الرواية وأحمدي نجاد أيضا …ووزير الخارجية نفسه لايصدق ماقاله عن المطالب الجماهرية .

هناك الحل عن طريق الاصلاح , وهو مايعرف بالطريقة الجزائرية  , التي نجحت مرحليا في الجزائر , ومشكلة هذا الحل  انه لم يقدم لحد الآن ماهو ملموس ..لا أرى مزيدا من الحرية  التي برمجها النظام , صحيح على أن  سطوة الأمن لم تعد كالسابق , سبب ذلك انشغال الأمن بما هو أهم   , وسبب ذلك أيضا خوف بعض رجال الأمن من المستقبل  , كما أن الحل الأمني  وبحار  الدماء  عطلت الكثير من  تأثير تلفيقة الاصلاح  المهدئة , فالمطالب تطورت من  مطلب الاصلاح الى  مطلب اسقاط النظام  مع اسقاط الرئيس أيضا , حيث أن الرئيس تمتع لفترة زمنية بنوع من التعاطف معه , وذلك انطلاقا من الافتراض الذي يقول  على أن الأعمال الشيئة ليست من صنع الرئيس ., والآن توضحت الصورة بشكل أجلى  ..الرئيس مسؤول عن كل شيئ .

لايوجد الاحلا واحدا داخليا   يمكن له أن يكون فعالا , وهذا الحل  يقف على ركائز طائفية  , ولا مجال لتجاهل الوضع الطائفي في سوريا ..سياسة النعامة لاتفيد , الوضع طائفي حتى العظم  , وتزايدت طائفيته بشكل مستمر ومتزايد في الأربعين سنة الأخيرة, وهذا الحل يعتمد على نوع من الاتفاق  بين الطائفة العلو ية والطائفة السنية  على خلع الرئيس  وقلب النظام  , ثم السير بالبلد  بشكل محاصصة طائفية , كما هو الحال في لبنان والعراق , مع اعطاء طوائف الأقلية بعض حق النقض (فيتو) ,

من المنطقي القول ان  هذا الحل هو في منتهى البدائية,  وهو من أضعف الايمان , وهذا الحل لايمثل ما أحلم به , الا أنه من الصعب  للبلاد أن تقفذ من البدوية العشائرية العائلية , التي ارادتها العائلة وأوصلت البلاد اليها , الى شكل حكم ديموقراطي سياسي حزبي  يرتكز على الأحزاب وليس على العائلة أو الطائفة أو العشيرة , حتى تستطيع حضارة حزبية  سياسية  تكوين نفسها , كحضارة الخمسينات والستينات ,  يلزمها  على الأقل ثلاثة عقود , هذا اذا سقط النظام هذا اليوم , أما اذا تأخر سقوط النظام فسيتأخر  التخلص من البدائية العائلية بشكل أطول .البلاد ستنهار , والحرب الأهلية الحالية ستتطور الى حرب أهلية عامة , حيث ستتغير البلاد ديموغرافيا عن طري النزوح والهروب , وبالنهاية ستنتهي سوريا بالتقسيم  , الذ ينهي مشكلة   أصغر من المشكلة التي سيسببها .

لطالما  لايحل الحل الأمني  أي مشكلة , لذا يمكن القول  على أنه اللاحل  الأمني ,اضافة الى ذلك فقد خلق اللاحل  الأمني  حالة لاتوصف من  انفلات  الأمن , حيث برزت الآن على الوجود العصابات الاجرامية  التي استغلت الفراغ الأمني , تسرق   وتنهب   وتخططف  ثم تفرج عن المخطوف لقاء فدية يجري الاتفاق عليها  في بازار  الخطف , فدية تتناسب مع امكانيات المخوف المادية  ومع حاجة اللصوص .

لربما يقتصرحل  التأزم  على ماذكر من محاصصة طائفية  , الا أنه  هناك حل خارجي  , وهذا الحل الخارجي   , الذي يسمى التدويل  له شقين ..تدويل  بصبغة  وصبغة عسكرية , وتدويل بصبغة وصبغة  غير عسكرية , وفي كلا الحالتين   لايبقى للنظام الا  خيار الانتحار .. انتحارعسكري سريع  , أو انتحار غير عسكري بطيئ  , وفي كلا الحالتين سيتم تدمير البلاد والنظام معها أيضا .

هناك فوائد كبيرة للحل الطائفي وللمحاصصة  الطائفية  , منها مثلا  اعطاء الطوائف الخائفة بعض الأمان , ومنها  الحد من  التواجد الثأري للطوائف واستبداله بنوع من  التعايش السلمي  بين الطوائف , وهكذا تكون سوريا قد عادت   الى الطائفية الرسمية , الى الطائفية التي مارستها عمليا  وليس رسميا نصف قرن كامل .. لامجال  للتشدق بعد الآن بالعلمانية السورية  ولا بالمدنية  , ولا مجال لممارسة الغرور  والصلافة تجاه لبنان  والسخرية من  تأخريته  وطائفيته . تطورنا من الطائفية الغير رسمية  الى الرسمية ..نصف قرن  من  العمل  على مشروع الانهيار..الآن أتى !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *