الفشل القومي والديني بالمناوبة

 كيف يصعد التيار الأسلامي  , وكيف ينحسر التيار القومي , مع العلم انه لافكر في عقل التيار الاسلامي , ولا فكر في عقل التيار القومي  …..أقول هذا  مستغفرا  ارباب السموات  والقوميات , قائلا أن قصدي  بكلمة انعدام  الفكر هو انعدام الفكر “الايديولوجي”  عند الاثنين ,  والاستخدام المألوف والدارج  لكلمة “الفكر ” الاسلامي  , ولكلمة “الفكر” القومي , انما هو استخدام مجازي , حيث يعتمد الأول  على  الأساطير الغيبية   التي نقلها جبريل  , والثاني على الأساطير  الساكنة  الغير متبدلة أو القابلة للتطوير  .. كالخاصة الديموغرافية  الثابتة الساكنة  والتي ترتكز على  المعالم  التراثية  الماضية  مثل وحدة اللغة  والتاريخ وتشابه العادات ..الى آخر المعالم القومية  ,  فلا الغيبي  يحتاج الى أي تفكيرانساني ,   لأن الله فكر وأرسل أفكاره مع  جبريل الى الرسول   ,  ثم ان الساكن الغير متحرك , لايحتاج الى أي تفكير  , فماذا أفكر بخصوص اللغة المشتركة والتاريخ المشترك  وغير ذلك من الخصائص الجاهزة , وفي كلا الحالتين  يتجاوز الانسان  بكلمة “فكر” اسلامي أو قومي الواقع  ,ويستدل بهذه الكلمة   على ما لاتدل عليه هذه الكلمة , كل ذلك يمكن توضيحه بشكل  أكثر بساطة  , فهناك مايسميه رجال الدين “ثوابت” دينية ,  وما يسميه رجال  القومية “ثوابت”  قومية ,والثوابت تلغي الحاجة الى التفكير  , لذا  ليس من الخطأ القول انه لافكر” ايديولوجي ”  في الثوابت ,فالايديولوجيا  هي علم الأفكار  أو العلم  الذي يدرس  مدى صحة أو خطأ  افكار يحملها البشر  , أفكار  يبني الانسان منها  وعليها  نظريات وفرضيات  تتلائم  مع حياته  وتنظمها , والثوابت الدينية والقومية   لاتستقيم  مع  الفكر   والعلم  الايديولوجي , الذي يدرس  مدى صحة أو خطأ  فكرة يحملها الانسان , الثوابت صحيحة  دائما   بنظر القومجية  والأصولية الدينية ,لذا لايمكن تسميتها  فكر ايديولوجي .
ليس من المستغرب  صعود التيار الديني  على أنقاض التيار القومي, الذي لم ينجح  بدوره  الا بالصعود على انقاض التيارالديني  , الذي فشل في تسويق  عملية التحرر من الاستعمار, في حين نجح التيار القومي بذلك , ومن المتظر ان يصعد تيار جديد  ومن جديد , لربما القومي مجددا  على أنقاض التيار الديني  المتصاعد الآن , وذلك  بعد الفشل المؤكد لهذا التيار الديني   في التعامل مع  نتائج الربيع العربي , الذي حركه  الملل والقرف من المنهج القومي  ..نجاح مؤقت  ونسبي لتيار  على انقاض  فشل  الآخر !. …وهكذا يحدث التناوب  في الحلقة  المعيبة..
مراجعة الحالة الثقافية العربية السياسية  موضوعيا   يسمح ببعض التوضيح للأمر ,  الأمر وكل ماله وما فيه هو عبارة عن تناوب فشل التيارات الدينية والقومية ..تارة الفشل  القومي ..وتارة أخرى  الفشل  الديني الأصولي , تارة أخرى مزيج من النهج  الأممي الديني , أو الأممي القومي . كلهم فشلوا في  تقديم مراجعة نقدية  لأوضاع العالم العربي , كلهم فشلوا في ابتار فكر جديد  منتج , ولو ينجحوا  الا في أمر واحد  , الا وهو تفشيل التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي  في هذا العالم ,وكل بدوره  ,والأدوار تدوم عادة عقودا من الزمن .
لست هنا في مجال بحث  ضبابية النهج  الأممي الديني (اشتراكية الاسلام , أو الاسلام الشيوعي ) أو ضبابية النهج   الأممي القومي  (الشيوعية العربية)  , ولست مبدئيا معني  ببحث تأخرية  النهج  الديني  ومناعته ضد الحداثة  , وانما بخصوص آخر  من فشل  , وآخر من فشل هو النهج القومجي  في العديد من الدول ..ولنذكر منها ليبيا ومصر  واليمن  وسوريا  والعراق, واليكم بعض  التوضيح :
لقد اشترك صدام حسين مع حافظ الأسد  في تصفية الأجواء السورية والعراقية  من كل ثقافة سياسية  ,تملكوا الأوطان وما عليها من أهل وماشية , وشرعوا بتوريثا الى الأبناء  حلالا زلالا  لأولادهم وأولاد أولادهم , ضربوا القوى الديموقراطية  ومحقوها عن بكرة أبيها , والآن يتباكى مؤيدوهم   من السلفية السياسية القومجية عدم وجود  خلف سياسي فهيم  وذو خبرة   لهم ..يتباكون عدم وجود معارضة  تستطيع انقاذ البلاد , واين يمكن لهذه المعارضة أن تنبت وتنمو  في دول  جرت صحرنتها سياسيا ؟ , ومن أين تأتي المعارضة   ذات الخبرة , بعد أن قضى كل معارض حياته في السجن  , منهم من قضى نحبه , ومنهم من تشوه  جسديا ونفسيا .
 بهذه المناسبة  أود  التنويه  الى التجربة الايرانية  والى الشاه , الذي سبق  القائد الخالد والقائد الضرورة في  تكنيس القوى الديموقراطية  , وفي تنظيف البلاد من  كل فكر سياسي  ديموقراطي , حيث لم يبق في الميدان  الايراني الا الملا زيدان , الذي صعد الى الكرسي ,  ولايزال جالسا عليها , كلهم قتلوا وسحلوا من خالفهم بالرأي , ونصبوا لذاتهم   التماشيل  على الهضاب والجبال , ماعدا  عبد الناصر  , وكلهم  سطوا على مقدرات البلاد المادية , وسطروا المليارات  في البنوك الأجنبية , أيضا ماعدا ناصر ..لربما  لأن  موته لم يكن بالحسبان.كلهم طبلوا وزمروا  للوحدة , وما قاموا به لم يكن الا الشرذمة والانفصال … الكلاسيكية السورية  انجزت الوحدة مع مصر  , وحزب  الوحدة والحرية والاشتراكية فصم الوحدة مع مصر ..ثم انقلب عام 1970 على  الانفصاليين  لينفذ سياسة أكثر انفصالية  ,   الآن جاء دور الانفصال  العراقي السوري …قامت الحروب  بين رواد الوحدة والحرية والاشتراكية ,  وأرسل كل طرف للآخر  الارهاب والمتفجرات ..وكلهم كانوا من حزب  الحرية والوحدة والاشتراكية , وأما الحديث عن الحرية والاشتراكية , فلا لزوم له قطعا , وحتى المصاب بالعمى ,  يستطيع  رؤية وضع لاحرية ولا اشتراكية به .
الناصرية لم تقدم فكرا , لأنه لافكر عندها  , البعثية لم تقدم فكرا , لأنه لافكر لديها  …مارسوا الطنطنة بالشعارات القومية  والخطب  التهريجية  التي تدوم ساعات  ,  حاربوا التيارات الدينية  ظاهريا , ليس بسبب بعدهم عن االنهج الديني , وانما  بسبب خوفهم من  لعق التيار الديني  لمكاسب السلطة , ففي  العام   الذي أعدم  به عبد الناصر  سيد قطب , ادخل ناصر في الدستور المصري كل رغبات الجماعة الاخوانية   , ولم يفعل الأسد غير ذلك , حيث تزامن الهجوم   على بعض مكونات التيار الديني  (الاخوان), مع تلبية رغبات  مكونات دينية أخرى ..مدارس تحفيظ القرآن..فضائية دينية ..قانون أحوال شخصية   مقصوص ومفصل على قد  النهج الديني ,  كل ذلك في ظل دستور يعاقب العضوية  في حزب الاخوان المسلمين بالشنق حتى الموت .
لم يشعر المواطن  في أي لحظة  عن وجود  تباين بين السلطة  التي تسمي نفسها علمانية مدنية  وبين  التيار الاسلامي  في الشؤون الداخلية والخارجية  , خارجيا  لايوجد مثل أقبح من المثل السوري , حيث لم يبق للسلطة من صديق  الا الملا الايراني -العراقي  والامام اللبناني   والاخوان الفلسطيني  ..كلهم أصدقاء للسوري العلماني , الذي لايفترق عنهم الا بربطة العنق  …طائفية  وممارسات وأحلاف  مذهبية  ..سوريا ..العراق وايران , وحماس ترحل تدريجيا ..لاوجود للسني في العرين الشيعي .
من” أذكى وانكى” صوو  التوافق القومجي – الديني  , الذي يتناوب على تخريب البلاد , الصورة التي تبرر بها  بها السلطات “العلمانية ” تواطئها  مع المكون الديني …فالسلطة تدعم   البرامج التلفيزيونية  الدينية والبرامج الاذاعية  الدينية  وكامل التسهيلات الدعائية الأخرى  لبعض رجال الدين , قائلة  انها تريد  بذلك شرح الاسلام الصحيح  تفاديا للاسلام الغير صحيح ,  وهل يوجد اسلام صحيح واسلام غير صحيح ؟  ,كل  الصحيح وغير الصحيح نسبي  , فمنذ 14 قرنا تعتبر السنة الشيعة غير صحيحة , والشيعة تعتبر السنة غير صحيحة , وما تقوم به السلطة   بهذا الخصوص , هو  ممارسة أصولية دينية  بامتياز .
السلطة القمعية القومجية  تتناغم قلبيا  ومبدئيا مع  التيارات الدينية , التي تؤمن بالقطعية , ولما كان للتيار الديني الهه , وجب على التيار القومجي  خلق اله له ,وابتكار الآلهة كان أمرا سهلا , حيث نجده بأوضح صوره  في شعار  “الله ..سورية ..بشار ..وبس ”  حيث تناظر موقع بشار  من سوريا مع موقع  الله , والتخاصم  الظاهري مع  بعض التيارات الدينية , لايستطيع التمويه على  البنية الدينية الالهية  للنهج القومجي  , فالعداء للعرعور  الذي يريد  سرقة  السلطة , يقابله التوافق مع البوطي والحسون  , الذي يقبل بتقاسم السلطة ..يدا بيد من أجل  تخريب الوطن , وفي حالة أخرى تناوب  في التخريب ..الآن القومجي  وغدا الأصولي  , وهكذا تدور الدائرة  ويضيق الخناق على الوطن , الذي أصيب بالاغماء  قبل أن يموت نهائيا ويعطيكم عمره .
معظم فئات الشعب , خاصة الفئات الصامتة , ملت من هذه المناوبات  ونوبات التخريب , الا انه لاحول ولا قوة لهذه الفئات , التي لاتملك البندقية الوهابية  ولا تملك  بندقية الملالي ..لاتملك المال الوهابي , ولا المال  الملالي , ولا يعرف  الا من جلس في السماء , كيف ستتطور أمور الأرض  , التي تتواجد عليها الآن  معارك الاستنزاف , وقد  يكون  من حظ الأكثرية الصامتة أن تصاب الديوك  المتقاتلة  بنوع من الاعياء , قبل أن ينزف الوطن كامل دمه ..وقد يكون من  حظ الأكثرية الصامتة  أن يقبل الديوك بنوع من   المنهجية  التركية , التي تؤمن للجميع شيئا من مطالبهم … للأسف  ..كل  الديوك تعتقد  انها تستطيع    التهام كامل الكعكة  لوحدها , وهذا ما يجعلنا  بعيدون  عن كل حل أو على الأقل تهدئة  ,  وبالنهاية  يسأل المواطن ..الى متى ستستمر الحرب الأهلية ؟ هل ستستمر  عشرات السنين ؟؟ أخاف من الاجابة التي تقول  نعم !

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *