الشعيبي أمريكا استخدمت زعران البترول لتأزيم مشهد يالطا السوري والمحنط العثماني لن يعود!
قال الدكتور عماد فوزي الشعيبي رئيس مركز المعطيات والدراسات في حديث خاص أن موضوع التدخل الخارجي في سوريا كان أمر مطروح وبقوة على طاولة سياسات بعض الدول الأوروبية ولا زال هناك البعض منهم ممن يسيل لعابهم للتدخل في سوريا ولكن من يسعى نحو القيام بهكذا خطوة يكاد لا يكون استراتيجيا وسيقعون في أخطاء كبيرة، لإن الدخول في معركة مع سوريا يتطلب حسابات ما فوق السياسية والخطأ فيها قاتل وذلك لعدة أسباب أهمها طبيعة تركيبة البنى الداخلية للمجتمع السوري الذي يتألف من 64 موزاييك منها 19 طائفة إضافة إلى قبائل وعشائر وأعراق، وهذا الموزاييك السوري الفريد أي عبث بمفهوم الدولة فيه ممكن أن يخلق وضع خطير.
وأضاف الدكتور الشعيبي أن تلاصق سوريا لإسرائيل ممكن أن يحول رجع الصدى لأي عملية ضد سوريا إلى قلب تل أبيب، كما أن الترسانة التسليحية السورية تتجاوز الترسانة التقليدية إلى مستوى الردع وهي قادرة على نقل الحرب إلى أي عمق لدى أي طرف كان، إضافة إلى اعتبارات داخلية وخارجية وعلى رأسها قراراً روسيا صينياً بإزاحة تشكيلة النظام الدولية السابقة وتشكيل نظام دولي لاحق لا يكون على حساب روسيا في شرق المتوسط، وهو ما يبدو فعليا أنه يتبلور حاليا على شكل حلول روسية بالدرجة الأولى وصينية بالدرجة الثانية تحل محل الولايات المتحدة الأميركية وكل من بريطانيا وفرنسا.
كما أكد الشعيبي أن هذا الصراع الدولي على تشكيل منظومة دولية جديدة وحده الذي يفسر الموقف الروسي وبالتالي يفسر حجم الهجوم على سوريا في هذه المرحلة، بالتالي إن لم يدرك هذا الأمر فلن يدرك حجم التبعات المترتبة على استثمار الاوضاع الداخلية في سوريا، والجميع بات يعلم أن هناك حقوق للناس تستثمر للتسعير وإخراج قطارها خارج السكة التي يجب أن يسير بها هذا القطار، وبالتالي فالصراع الدولي اليوم يقوم بالدرجة الاولى على الاحتفاظ بالمكانة الاستراتيجية للدول العظمى في المنطقة والأمر الثاني هو استثمار الغاز باعتباره ثروة المستقبل لقرن قادم، حيث أن منظقة شرق المتوسط في الحوض الممتد من لبنان إلى قبرص إلى سورية يشكل هذا الحوض يشكل ثروة مجموعها تعادل تقريبا ثروة تقع ما بين تركمانستان وإيران بالغاز، والامر يصل إلى حد أن روسيا تسعى جاهدة لأن يكون لها دور في شرق المتوسط لإن هذا الدور سيزيح الولايات المتحدة الأمريكية كليا من المشهد الدولي في هذه المنطقة وبنفس الوقت يضع أوروبا تحت رحمة روسيا، خاصة وأن روسيا كانت قد أقامت مشروع غاز بروم الذي ينقل بالسيل الشمالي الغاز إلى ألمانيا وفي السيل الجنوبي يمر إلى النمسا، ودعم السيل الجنوبي يأتي من نقل الغاز من إيران عبر العراق إلى سوريا وهذا ما وقعت سوريا اتفاقا بشأنه في الشهر الثامن وعندئذ بدأت حملة الهجوم على الشرعية السورية، لإن توقيع هذه الاتفاقية سيقطع الغاز على طريق غاز نابوكو وهو الخط الممتد من تركمانستان عبر تركيا إلى أوروبا في مواجهة السيل الجنوبي، ولكن بعد أن اشترت روسيا 80% من غاز تركمانستان وأصبح غاز إيران خارج لعبة غاز نابوكو ليمر وحده عبر العراق إلى سوريا أصبح اليوم خط الغاز الممتد من إيران إلى سوريا إضافة إلى غاز حوض البحر المتوسط بمثابة الداعم الاسترتيجي لخط السيل الجنوبي لروسيا، لذلك روسيا تعتبر هذه المنطقة أمن قومي روسي وخط أحمر لا يمكن تجاوزه.
وأشار الدكتور الشعيبي إلى أن تصريح بوتين يوضح فكرة أن الانفراد بعمل عسكري في المنطقة أمر غير مقبول، وأننا أمام عملية تحول جذري للنظام العالمي حيث انتهت ظاهرة الأحادية القطبية.
وبين الشعيبي أن بداية انهيار الأحادية القطبية كانت في عام 2006 عند انتصار المقاومة في لبنان حيث أصبح العالم بلا قطبية الأمر الذي فتح المجال لاحقاً أمام محاولة تشكيل النظام الدولي، ولذلك حاولت فرنسا وبريطانيا القفز باتجاه نحو هذا التشكيل ليكون لها مكان في حوض البحر المتوسط كي لا تستبعد من المنظومة الدولية الجديدة ولأمر آخر وهو الاستفادة من النفط الغاز الموجود في منطقة ليبيا والتي كانت على استعداد أن تدخل في حرب جديدة مع سوريا لأخذ الغاز، ويبدو الحماقة أعيت من يداويها لإنهم كانوا سيدفعون ثمنا أخطر بكثير مما يتوقعون ولكن مع ذلك فإن السور الصيني الروسي الكبير منع ذلك.
ونوه الدكتور عماد إلى أن المطلوب حاليا هو إنهاك سوريا من الداخل ريثما يتم تشكيل تعديل لميزان القوى وتشكيل جديد في المنظومة السورية، والمعركة ضد سوريا هي معركة من أجل نظام دولي وبناءا عليه لا يجب الاستهانة بها، ونستطيع القول ببساطة أن المعركة على سوريا اليوم هي نفس المعركة على البلقان في الحرب العالمية الاولى والمعركة على فرنسا وضد ألمانيا وضد إيطاليا في الحرب العالمية الثانية ولذلك نحن فعليا أمام مشهد من حرب كونية كبيرة ومن يحاول الاستهانة بها فهو لا يفقه شيء في السياسة، ولم يقرأ التاريخ ولا يعلم بالجغرافية.
وبناءاً على التحليل التالي أستطيع القول -والكلام للدكتورعماد- بأن انتهاء هذه المعركة بدا بالعد التنازلي، حيث أن أمريكا أعلنت استراتيجيتها في 6/1/2012 بالانسحاب من منطقة شرق المتوسط، وتتوجه نحو مواجهة جديدة مع الصين في جنوب شرق آسيا، ومن دواعي سرورنا غباء الأميركان في هذه النقطة لإنهم يعلنون هزيمتهم في مكان ما مع روسيا ليأخذ هزيمة أخرى في مكان آخر في الصين، ونحن حاليا أمام مشهد يالطا جديد تتوزع فيها القوى العظمى الأدورا وتتنازع على مناطق نفوذ جديدة، والواضح أن النفوذ الروسي هو المسيطر على الوضع مترافقا باندثار لنفوذ بريطانيا وفرنسا وتراجع تكتيكي لأمريكا.
وعلى ذلك فإن هناك أطراف كثيرة خاسرة من جراء التغيير الحاصل في المنطقة وعلى رأسها إسرائيل وتركيا وقطر والسعودية، وبالنسبة لقطر فإنها دولة أخذت دورا في الوقت الضائع منذ انهيار الاتحاد السوفيتي إلى هذه اللحظة التي يتشكل فيها نظام دولي مرورا بقدوم الاميركان إلى المنطقة ليصبحوا جيرانا بالعراق، وشبه الشعيبي قطر بالزعران الذين يستخدمون من قبل جهة كبيرة عندما تريد مجابهة أقوياء ولا تجرأ، وهكذا فعلت أميركا بقطر حيث جندتها بناءا على قوتها الإعلامية، ولهذا ظهر الأزعر القطري الذي باتت تصرفاته بعد خروج الأميركان من العراق تصرفات (من حلاوة الروح) لإنه ينتهي والكبير يعود كبيرا والصغير يعود أصغر من الصغير خصوصا وإذا كان يلعب دور الكبير، والسعودية لا تستطيع أن تأخذ أي دور في غياب الاميركان لأن لا علاقة لها مع الروس، وتركيا كانت تطمح عبر غاز نابوكو أن تاخذ مكانا كبيرا ويكون ما تفعله مع سوريا بمثابة مشاركة في الحصة الغازية وخاصة أنها اليوم تدخل في معركة مع قبرص حول مناطق الغاز وتريد دورا لاستعادة النموذج العثماني ولكن المنحنط لا يعود، وتركيا اليوم بدأت تخسر كل شي.
وبالعودة إلى الدور القطري يقول الشعيبي أن قطر لا تستطيع أن تكبر أكثر من ذلك، مع أنها كانت قد زجت بأكبر أوراقها وإمكاناتها عبر قناة الجزيرة والتي هي أداتها الوحيدة إلى أن وصلت الجزيرة إلى مرحلة الإنكشاف، لذلك فإنها لم تعد مهيأة لتلعب أي دور آخر بعد أن سقطت.
ورأى الشعيبي دور حزب العدالة والتنمية في تركيا بات ضعيفا مقارنة بالمؤسسة العسكرية من الناحية الاستراتيجية، حيث أثبتت المؤسسة العسكرية انها تملك بعد نظر أكثر من حزب العدالة، وأن وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو شاطر فقط في كتابة كتب تنظيرية تتمحور حول السياسة ولكنه وعلى ما أثبت من خلال تحليلاته و ممارسات حزبه لا يعمل بما يكتب.