من المنطقي أن يسأل المواطن السوري عن خلفية كل طرح , مهما كان مصدره , الا أن المواطن السوري لايسأل بتاتا , لأان تربى على الانصياع وعدم النقاش والتلقين والتملق والزيف والخداع والكذب والتمويه والتخوين والتكفير , وأحد الطروحات , التي يجب الاستفسار عن خلفيتها , هي طروحات النظام , النظام يروج على أن غيابه سيقود عبر صناديق الاقتراع الى نظام الولاية أو الخلافة والى أمير المؤمنين , أو على الأقل الى اتجاه اسلامي , يتصف بالقسر والديكتاتورية والرجعية والسلفية , تصور الخلافة وأمير المؤمنين هو تصور يتصف بالكثير من المبالغة المزاجية المجازية .
أولا يجب التأكيد , على أن اعتراف السلطة , هو اعتراف تقصد السلطة من خلاله الاستفادة , ولا تقصد من خلاله تنوير المواطن وتحذيره بنية جيدة , وانما تقصد تغبيش عينيه واغلاق أذنيه لكي لايرى ولا يسمع , بعد أن أتلف النظام عقله وغير كيانه النفسي والعضوي بما يتناسب مع استمرارية النظام . الخلفية التي على المواطن الهالك البحث عنها تتضمن السؤال عن :
1- صحة مايقوله النظام عن حتمية صعود الاخوان , بعد تجربة ديموقراطية المرة الواحدة , أي أن تكرم النظام على الشعب بالديموقراطية , سيكون لمرة واحدة فقط , بعد ذلك سيأتي الطوفان الاسلامي , والمواطن الذي عليه التفكير موضوعيا , وهو لايقوى على ذلك للأسباب آنفة الذكر , يستطيع بكل سهولة دحض هذه المزاعم , ودحض مقولة الأغلبية الافتراضية للاخوان المسلمين , فلا الوضع السوري الديموغرافي يسمح بذلك , هذا اذا انطلقنا من وضع يسطر عليه الشبح الطائفي , واذا لم يكن باستطاعة الاخوان في مصر الحصول على أكثر من 50%من الأصوات , ولم يكن باستطاعة الاخوان في تونس الحصول على أكثر من 50% من الأصوات , فسوف لن يتمكنوا من الحصول في سوريا على أكثر من 20% الى 30% من الأصوات , وهذا لمرة واحدة فقط ..الأمر ليس ديموقراطية المرة الواحدة , وانما نجاح الاخوان لمرة واحدة , وسبب النجاح لمرة واحدة واضح, لم يكن بامكانية الاخوان لحد الآن وفي كافة المجتمعات العربية الا التسول الشعبوي باستخدام مادة المظالم التي الحقتها الديكتاتوريات الطائشة بهم , ديكتاتوريات كان لها الباع الأكبر في ايقاظهم واعطائهم مادة التسول بالمظالم , التي قدمت لهم مانراه من نجاحات نسبية في مصر وتونس .
أما اذا انطلقنا من وضع يسيطر عليه العقل السياسي , وقلنا هناك الشيوعي والسوري القومي والاشتراكي وغير ذلك ,فستكون نسبة نجاح الاخوان المسلمين أشح بكثير من نسبة نجاحهم في حال سيطرة الشبح الطائفي .. ليس أكثر من 15% من الأصوات , وقد كانت نسبتهم عام 1955 أقل من 15% بكثير , الا أنه من المؤكد على أن نسبهم ستصاعد مع كل يوم نقضيه مع هذا النظام , والقضاء السريع والمبكر على النظام , هو صورة عن القضاء على الاخوان المسلمينن , انهم ظل النظام , والنظام ظلهم , ولا يمكن احراز تقدم جوهري في المجتمع السوري بصحبة النظام أو بصحبتهم .
2- صحة مايدعيه النظام عن شعبيته , حيث يقول عضو مجلس الشعب الرفيق العبود , ان 95% من السوريين يؤيدون النظام ويريدون بذل الغالي والرخيص في سبيله ,الروح والدم على سبيل المثال وليس الحصر , وبذلك تدنت النسبة من تهريجية استفتائية 99,8% وقبل ذلك 100% الى 95% و, ومن في رأسه بعض العقل يسأل , لماذا يعتمد النظام منذ أكثر من أربعين عاما مبدأ الاستفتاء ومبدأ التزوير المفضوح , اذا كانت شعبيته كاسحة بهذا الشكل ؟ ,وأين هي في هذه الحالة ضرورة المادة الثامنة ؟ والرفيق العبود لم يهتم بالنقطة المهمة , التي تتعلق بموجبات تأييد نظام معين , فالشعب يؤيد أي نظام يقدم له التقدم والرخاء والحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة والشفافية , الشعب يؤيد أي نظام لايجعل من الفساد دستورا غير مكتوب ومن الوساطة والمحسوبية والسرقة اسلوبا لتعامل الحكومة مع الشعب ..اين هو التقدم في أي مجال ؟ وأريد هنا استسباق الرفيق بالقول , ان التقدم المطلق غير مهم اطلاقا , التقدم النسبي هو الأهم , ولا شك على أن عدد المشافي مثلا ازداد في الأربعين سنة الأخيرة , ولا شك بزيادة عدد الطرقات وغير ذلك , المهم هو التالي , كيف يمكن توقع تطور الوضع الصحي أو غيره من المجالات تحت سلطة أخرى , سلطة لم ترتكب الأخطاء التي ارتكبتها السلطة الحالية , وهنا يمكن القول ان وضع سورية سيكون في القمة , وليس بين اسوء عشرين دولة في العالم , اضافة الى ذلك حصل في السنين الأربعين الأخيرة تأخر مطلق في مجالات أخرى,منها مجال الحريات ..مجال التقدم الدجيموقراطي وغير ذلك , لقد كان الوضع في الخمسينات , بالرغم من شوائبه , افضل من الوضع العليل الحالي .
3- صحة التناقض أو التوافق بين مايدعيه النظام وبين مايتوقعه النظام , النظام يدعي الشعبية المطلقة ويدعي حيازته على تأييد الأكثرية المطلقة , هذا من ناحية , ومن ناحية أخرى لايريد النظام , بالرغم من التوسل المزمن لديه ومنذ السبعينات , السماح بانتخابات حرة , النظام يدعي التفوق ولا يريد البرهنة عليه , لأن هذا التفوق حسب رأي جماعة النظام , جلي وواضح كالشمس ..انظروا المسيرات والصور على السيارات وما تعبر عنه من ديموقراطية سورية! , وفي نفس الوقت تقول جماعة النظام , ان الاخوان قادمون عن طريق الصناديق في حال سقوط النظام , فكيف يمكن فهم كل هذا التناقض أو التعقيد , كيف يمكن لشعبية كاسحة أن تندثر على صناديق الاقتراع ؟؟ تلفيقة متخلفة عقليا , ومن ضرورات المواطنة الصحيحة السعي لفهم هذه التلفيقة وخلفيتها ,الأمر من أوله الى آخره دجل , فشعبية السلطة منهارة تماما ومنذ زمن طويل , والسلطة لاتقوى على الاستمرار ساعة واحدة بدون السجن والسجان والبندقية , كما أن توقعات النظام بخصوص الاخوان المسلميبن باطلة , النظام يوظف هذه التوقعات من أجل الحفاظ على استمراريته ومكاسب رجاله .
4- صحة التضليل التآمري , كل نسكات المجتمع السوري وتأخره وشقائه وفقره هي نتيجة للمؤامرة!! , , وتوظيف المؤامرة للتمويه ليس اختصاصا سوريا , وان ممارسة تمارسها الكثير من السلطات والأنظمة بقصد التبرئة من المسؤولية عما حصل من تطورات سيئة , واذا كانت المؤامرة مسؤولة عن الكوارث التي تصيب البلاد , فما هي وظيفة النظام عندئذ؟ , النظام هو المسؤول اخلاقيا وقانونيا وسياسيا عن ردع التآمر والمآمرات عن شعبه , ومن واجبه النجاح في هذه المهمة , وكل شعوب المعمورة تلتزم بالعرف التالي , النظام الفاشل يجب أن يودع , ماعدا النظام السوري فعليه بالبقاء , لأنه يشكل محور النضال ضد الامبريالية العالمية والرأسمالية العالمية والاستعمار والصهيونية والنضال من أجل فلسطين ودعم الحركات التحررية في العالم , ثم انه محور التفاعل الوحدوي الاشتراكي في المنطقة , اضافة الى انه ضمانة للحريات , انه قلب العروبة النابض وحامل لواء القومية العربية ..انه حامل لقضايا أكبر من تفاهة خبز المواطن , ونظرا للانشغال بهذه القضايا الكبرى العظمى وضع النظام القضايا الثانوية مثل الحريات والديموقراطية على الرف ..لأجل غير مسمى ! ومن محاسن النظام التي تدل على حرص ووطنية غير مسبوقة , هو أمر الجيش أو كتائب الأسد , حيث يلتهم هذا الجيش 56% من الميزانية العامة (لا أعرف اذا كان هذا الرقم صحيح , هذا ماقالته قبل أيام وزيرة الدفاع الفرنسية السابقة) , انه الجيش الصامد الأبي , الذي لم يلحق لحد الآن اضرارا بأي جهة معادية تفوق على الاضرار التي الحقها بالشعب السوري , هذا اذا استخدمنا عدد القتلى كمعيار , ومن ينتقد هذه الفضائح ولو تلميحا , تحيله السلطة الى محكمة أمن الدولة حيث يحكم عليه بالسجن سنين لاضعافه الشعور القومي , والشعور القومي هو الشعور القومي “العربي “حصرا , الذي لايستلطفه القومي الكردي أو القومي السوري أو غيرهم من القوميات !!..نتيجة لذلك يمكن القول ان كل كردي لايؤمن بالقومية العربية , ويعطي للقومية الكردية الأفضلية معرض لأحكام أمن الدولة ,أو بالأحرى معرض للاعتقال والسجن عشرات السنين دون محاكمة , وبفضل نظرية المؤامرة أصبح معظم الخارج الدولي متآمر على سوريا , ومعظم الشعب السوري أيضا شريك في التآمر على سوريا (اتهامات متبادلة بين مؤيدي السلطة ومعارضيها )
في النتيجة , يمكن القول , على أن مهمات المواطن السوري ضخمة جدا , وفي السنين الأربعين السابقة لم تفهم السلطة البدائية شيئا عن ضرورة بناء المواطن الناقد والذي يفكر , والذي يستطيع حمل اعباء المهمات الكبرى , لقد اهتمت ونجحت في قتل المواطنية عند المواطنين , وفي قتل السياسة والعقل عندهم , وفي تعليمهم اساليب التلفيق والتملق , ما العمل عنما لايستطيع المواطن القتيل القيام بواجباته ؟؟؟وأعلى درجات التفاؤل لاتسمح أكثر من القول ..قتل المواطن هو قتل الوطن….يتبع