لايكف بعض السلطويون عن اعلان تقززهم من الربيع العربي يوميا , انهم يرون في هذا الربيع مؤامرة كبيرة , تهدف الى النيل من مقدرات الأمة والى اشعال نار حروب طائفية ثم الى القضاء على الاستقرار والأمن في البلاد ..وكال من يتفهم العمل الثوري هوخائن عميل ومنفذ لمخططات أمريكية صهيونية , ثم انه فاشل تماما , وبما يخص الفشل , لي كلمة مقتضبة .. تهمة الفشل هي من ألطف التهم التي توجه الى كل معارض للسلطة , فبرهان غليون وغيره اضافة الى كونهم عملاء هم فاشلين في الحكم , والعجيب هنا كيف تحكم مؤسسة الشبيحة والذبيحة والنبيحة بفشل أشخاص بعد أشهر من شروعهم بانشاء تنظيم سياسي وفي ظروف صعبة , هناك بعض التسرع في اطلاق هذه الأحكام , ولا أود أن أسأل عن تقييم النبيحة للسلطة , فهذا أمر آخر , وأظن على أن النبيحة تجد الوضع الآن ملائم وجيد جدا , يصولون ويجولون تخريبا وسرقة دون حسيب أو رقيب …والخط البياني لتطور الفاسد أصبح شاقولي , هم بحاجة كبيرة الى الماديات وذلك بعد تجميد مسروقاتهم المودعة في الخارج , والتي ذهب معظمها هباء منثورا … مليارات رامي وماهر وغزالي وغزال وشوكت وغيرهم “طارت” ..أكلتها الجرابيع !!
هناك عواقب وعقوبات لممارسة الخيانة , والعقوبات القانونية بحق الخائن هي الشنق حتى الموت , والمتهم بالخيانة هو حسب منطق السلطة خائن وذلك بدون بحث وتمحيص أو مداولة قضائية , يقولون انه خائن , أي انه حائن , والبعض طالب حقيقة وصراحة باعدامهم جميعا , وحتى التقدمي بسام القاضي اراد تنظيف الحارات والبيوت من هؤلاء عن طريق اعدامهم ومحقهم عن بكرة أبيهم , شنقا حتى الموت !!.
لاشك بأن مايقوله البعض في هذا الخصوص مبالغ به , ولربما ليس القصد هو التعليق الفعلي على أعواد المشانق , وانما التعبير عن مدى البغض والرفض الذي يكنه الانسان السوري للآخر الآن , بغضا ورفضا غير مسبوق في تاريخ هذا المجتمع , الذي عاش ألوف السنين في أوضاع لم تكن دائما بمنتهى الجمال , الا أن قبحها لم يصل يوما ما الى درجة القبح الحالية , وأظن ان الحالة الآنية هي اشتثنائية , اذ لايمكن للبغض والحقد والرفض أن يكون متأصلا في نفوس البشر الى هذا الحد , ولو كان متأصلا لما استطاع هؤلاء البشر من العيش مع بعضهم البعض ألوف السنين, الا أن هذا الادراك يطرح سؤالا آخر , بما اننا شعب واحد وعشنا مع بعضنا البعض ألوف السنين وسنعيش مع بعضنا البعض , فما هي الفائدة عندئذ من المجازر وما هي الفائدة من التخوين والمطالبة بالتعليق على اعواد المشانق ؟؟.
لايمكن ان تتحول حياة الانسان السوري الى “استثناء” ولا يمكن أن تزول عن هذه الحياة صفة ” الطبيعية ” , الا بجهود فئة أو مجموعة تستفيد من هذا الاستثناء واللاطبيعية , , ومن يبحث عن المستفيد يجده بسهولة , ولا أريد هنا البدء بالخارج , لأن الخارج لايهمني كثيرا , وليس من البديهي أن يعمل الخارج على تحقيق السعادة والتقدم للوطن السوري , الداخل هو الأساس والداخل هو الملزم اخلاقيا وقانونيا باحترام الوطن والمواطن , والقانون يقول بمحاسبة المفسد المستفيد من اللاطبيعية السورية , القانون السوري لايلزم ساركوزي أو غيره من الخارج بذلك , والقانون لايستطيع معاقبة ساركوزي عل تجنيه على الوطن , وانما يطلب القانون من الشعب والحكومة أو السلطة احترام ذلك تحت طائلة العقوبة.
لو بدأنا بالسلطة التي لاتشك هي أصلا بفسادها, ولا يشك أحد من الداخل بفسادها , ولا تستطيع السلطة البرهنة على أن الوطن تقدم وتحسن وترقى تحت قيادتها المستمرة منذ نصف قرن , ولايمكن لأحد القول على ان وقوف المجتمع السوري على أبواب حرب أهلية هو منجز جيد لسلطة تنخرت بالفساد وممارسة اللصوصية والسرقة والمحسوبية , التي لم تعد فردية وانما مؤسساتية , ولا يمكن لأحد القول ان الطائفية والفئوية تناقصت تخت رعاية هذه السلطة …وعند معرفة كل ذلك ,يصبح رصد المستفيد من اللاطبيعية والاستثنائية السورية أمرا سهلا , انها السلطة أولا والسلطة أخيرا , ورئيس هذه السلطة اعترف قبل أيام بعدم ديموقراطيتها , وقد قال ذلك بدون ادراك واقعي لفداحة التهمة التي وجهها للسلطة , من يقول ان سلطته لاديموقراطية ينفي عن هذه السلطة صفة الشرعية , والحل الوحيد هنا هو الرحيل , وقد رحلت في هذا العام على الأقل سبعة حكومات أوروبية , وذلك بسبب عدم قدرتها على حل بعض المشاكل , وليس لأنها ديكتاتورية أو لصوصية , رحلت الحكومات السبعة دون أن تتدمر أوروبا وتتخرب.
لو لم يكن للسلطة منافع من البقاء على الكرسي , لما بقيت ولما تكالبت على البقاء , ولما عرضت البلاد الى حرب أهلية وغزو خارجي من أجل هذا البقاء , الذي لا أستطيع تفهمه اطلاقا ..تكالب غير مسبوق في هذا العالم , ولا أعرف نظاما جمهوريا في هذا العالم بقي خمسين سنة تقريبا على سدة الحكم ..الا في سوريا وأقل من ذلك في ليبيا , ثم مصر واليمن ..الخ , اني أفهم جدا مطالب انسان سوري بحياة أفضل , والحياة الأفضل لايمكن أن تتم الا في جو ديموقراطي , لاوجود له في هذه البلاد .
انعدام الديموقراطية هو اعدام للحرية , وانعدام الديموقراطية هو الحاضن الأمثل لكل مساوئ سلطة ما , وهذه السلطة التي نحن بصددها , فشلت حسب اعترافها على الأقل في اداروة البلد , أي اداريا , الا أنه كان هناك أمل بأن لاتفشل هذه السلطة في تقييم الأضرار التي الحقتها بالوطن , وأن تمتلك هذه السلطة مايكفي من الحساسية الاخلاقية الانسانية , التي تمكنها , ليس فقط من الاعتراف اللفظي بفشلها , وانما بممارسة عواقب هذا الاعتراف ,اي الرحيل ,, وعدم الرحيل طوعيا هو أحد المسامير الضخمة والطويلة التي دقتها السلطة في نعشها , وقد كان بودي الترحم على كل من مات , الا أني اجد صعوبة في الترحم على هذه السلطة.