إن ما يزعم أنه فشل مشروع العلمانيين في الوطن العربي هو كلام فارغ لأن الفشل الذي وصلنا إليه لو كان على يد الإسلاميين لكان أكبر بكثير. وهذا الفشل الذي يتمظهر في جوانب عديدة من حياتنا ليس نابعا من كون النظام علمانيا أم دينيا بل لأن الظروف الموضوعية المحلية (بنية اجتماعية متخلفة ناجمة عن دهور من الاستعمار والحروب في المنطقة العربية وكذلك بنية اقتصادية متهالكة مع تحديات عسكرية داخلية وخارجية) وظروف دولية (مساهمة الغرب وأمريكا في زرع إسرائيل لإحباط أي تطور ممكن أن يتحقق) غير مواتية لنجاح أي نظام إن كان علمانيا أم دينيا إن كان قوميا عربيا أم إسلامويا أمميا. إذا قلنا أن الأنظمة العلمانية في سورية والعراق ومصر مثلا فشلت فهل نستطيع القول أن الأنظمة غير العلمانية في السعودية والخليج والمغرب نجحت ؟(لن أتحدث عن الأردن لأنه لا يشذ كثيرا عن بقية ما يسمى محور الاعتدال العربي). الحقيقة أن الإجابة الكاملة عن هذا الموضوع جديرة بكتابة كتاب كامل عنها ولكني أقول من باب تصويب الأمر أن السؤال قد يدخل ضمن ما يقوله المثل الانكليزي”قد يسأل الأحمق سؤالا في ثانية واحدة يحتاج الى سنة كاملة كي يجيب عليه العالم.” و لا أستبعد أن الأسئلة من نوع ما طرحه كتاب مقالات هذه الفترة في تناول وصول الإسلاميين للسلطة في بعض الدول العربية أن لا يخرج عن نطاق ما يمكن أن يكون “حملة ” وأقول ” حملة مشبوهة”(*) تطبل وتزمر للإسلاميين لغاية في نفس يعقوب تخدم أنظمة “الرجعية” العربية ذات العمالة للغرب وهدفها أن تعمي الأبصار عن حقيقة الأمر وتخلق وهما مفاده أن “ أن الديمقراطية يمكن لها أن تنشأ وتترعرع بطريقة طبيعية وصحية في جو ثيوقراطي إسلامي. “(**) .
إن الأحداث الأخيرة في منطقتنا تستدعي أن نحي ربما من جديد المعين اللغوي والفكري السياسي الذي تخلينا عنه لبضعة عقود وربما علينا إعادة إحيائه من جديد من نوع: أنظمة “الرجعية” العربية وأخرى تقدمية وغيرها تماما كما يبدو أن أجواء الحرب الباردة آخذة في التشكل على خشبة المسرح السياسة الدولية بين روسيا والصين من جانب وأمريكا والغرب من جانب آخر. بقي أن أشير الى نقطتين الأولى أن مسحا للتعليقات الواردة في أسفل المقالات المكتوبة من قبل مثلا عبد الباري عطوان الصحفي الخاص والمتخصص بابن لادن و”قاعدته” ثم تبعه علي سالم (صاحب مشروع التطبيع مع إسرائيل) وكذلك انضم إليهم الصحفي الأردني الفذ عريب الرنتاوي صحفي حكام الأردن الأشاوس وشلتهم النتينة أكثر من نتانة “نتنياهو” نفسه تدل بوضوح عن جهل فكري مريع في الخلط بين العلمانية والكفر وهذا خطير جدا إذ ثمة فروق شاسعة بينهما ولكن رجال الدين في بلادنا وبعض المستكتبين الجدد يخلطون بين الأمرين عن سابق إصرار وترصد بقصد بقاء هذا الجهل والتجهيل بحيث تظهر الى الغالبية العظمى من الأميين العرب (وهم السواد الأعظم من العرب والتي تشير الإحصاءات أنهم يقرؤون ربع صفحة في السنة مقارنة بالأوربي الذي يقرأ من بين 2 الى 3 كتب شهريا ) أنها كما كانت معركة بين الشيوعية والإيمان فإنها الآن بين العلمانية والإيمان. والنقطة الثانية أن القول أن صندوق الاقتراع هو الحكم فهو حق يراد به باطل ذلك أن الصندوق يصبح فعلا هو الحكم لما يصبح المقترع حرا ولا يدخل في قراره الحر في الاقتراع رجل يلتحي أو رجل يدعمه رجل ملتحي أي لما يصبح صوته منحازا فقط لمن يعمل بحرية لمصلحة الإنسان ومعياره الوحيد هو الإنسان فوق كل اعتبار وليس معياره فتوى “شرعية” وليس طمعا في مغنم أخروي ولا خوفا من عقاب دنيوي أو أخروي. لقد بدأت الديمقراطية في أثنيا اليونانية عندما أصبح الإله إنسانا وصارت درجات المعابد بحجم خطوة وقدم الإنسان في حين أن معابد الشرق الفرعوني والبابلي ألأرامي السوري كانت بحجم كبير جدا تتناسب مع الاعتقاد أن الإله فوق الإنسان وكل شيء يقاس به وليس بالإنسان.
ولا بد من الإشارة أن على العقل الإنساني أن يستفيد من التراكم المعرفي الإنساني بمعنى أن تصنيع السيارة مثلا يجب أن لا يبدأ من اكتشاف النار وعقاب الآلهة لبرومويثيوس لسرقته للنار وإعطائه هذه النار للإنسان بل علينا أن نعمل العقل بحيث نتجنب خوض سفك الدماء الذي شهدته أوربة خلال القرون الوسطى حتى القرن العشرين حتى وصلوا الى قناعة حتمية بضرورة فصل الدين عن الدولة وأن هذا الفصل ليس كفرا بل انتصارا للإنسان الذي هو الهدف الأسمى لأي دين وبالتالي يجب علينا أن لا نجرب المجرب وهم الإسلاميون لمدة خمسين سنة لنصل الى ما وصلنا إليه الآن.
ملاحظات إضافية:
(*) أي نظام مشابه ما هو معمول به في إيران أو السعودية مثلا .
(**) كما أن الكثير من بعض المقالات تدخل ضمن “شيطنة” السلطات العلمانية ووضع القارئ بين خيارين أن السلطات والنظام العلماني شر مطلق وتعلق عليه كل الموبقات والأخطاء وحتى التي ورثناها من بنية المجتمع العربي منذ آلاف السنين ولسان حال هذه المقالات يقول “وقد يكون النظام الاسلاماوي فيه بعض الشر الذي يمكن أن يجعلك أيها القارئ تعترض عليه ولكن تذكر أنه أقل شيطانية من النظام العلماني.”
رياض متقلون- مدرس جامعي.
يدرس في جامعة دمشق مسرح وفكر عصر النهضة الأوربية ومسرح شكسبير- قسم اللغة الانكليزية.
الاتجاهات الثقافية في العصور الوسطى والعالم العربي الحديث قسم الترجمة في برنامج التعليم المفتوح في جامعة دمشق.
وفي الجامعة السورية الافتراضية قسم الدراسات القانونية.