نحن الأن في مرحلة من الانحطاط التاريخي , الذي ينعكس على كافة مجالات الحياة , ان كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية ..مرحلة الديكتاتوريات الكهلة المرهقة , وبدلية الثورات المراهقة , التي لايستطيع الانسان قطف ثمارها الايجابية الا بعد سنين من العراك والغوغائية والتوهان , وستكون لها ثمار ايجابية على الأقل نسبيا , اذ لايمكن لأي وضع أن يكون أسوء من الوضع الحالي أو السابق .
من معالم الانحطاط التاريخي استتباب الظلم الاجتماعي , الذي ينعس على العمل السياسي وعلى ترتيبة توزيع الثروات ..الخ كما أنه ينعكس على الوضع الاجتماعي , وبالأخص على وضع المرأة , التي ارغمتها الترتيبات الدينية ..ان كانت سلفية أو صوفية أو نقشبندية أو غير ذلك على الاستقالة من دورها الاجتماعي , الذي يجب أن يكون بشكل طبيعي موازيا لدور الرجل , ولاحتواء الهاربات من الحياة والمتوجهات الى الآخرة , توجد مراكز الأسر والمعتقلات الذكرية , حيث يقضي فيلق النسوة مرحلة الاعتقال والأسر بين ممارسة الصلاة وبين السرير خلف الحجاب وفي المعطف الكحلي التي تتوارى به القبيسية عن الأنظار في طريقها الى المهجر السماوي .
كل ذلك يجري تحت سماء مايسمى “الدعوة ” الى الله , التي يجب على المرأة ممارستها , كما يمارسها الرجل ..انها المساواة الدينية ..فعليها أن تجد معراجا لروحها التواقة الى المغفرة ..المغفرة من ماذا ؟ولماذا؟ وأمام من ..الله يحول الانسان الى نااقص مجرم , وبعد ذلك يريد منه الاستغفار وتحرير الذات من ربقة الذنوب , وأي ذنوب هذه ؟؟؟ولماذا يتحول الانسان الى مذتب بمجرد انه ولد ؟؟؟
قافلة المذنبات المستغفرات تسير تحت مختلف الرايات , منها راية القبيسيات , التي انطلقت من سوريا , وأحدثت لها محطات في الأرن , حيث تسمى القافلة قافلة الدعويات المغلوقة والنغلقة على ذاتها , والتي تشبه الى حد ما قصور الحرملك العثمانية , الانغلاق والاغلاق , هو الصفة المميزة لكامل قوافل القبيسية , التي تدعى في لبنان قافلى السحريات , وفي الكويت بنات البيادر ..الخ!
اذا كان الانغلاق والاغلاق هو من أهم القواسم المشتركة بين القبيسيات , فان البنية التسوية للقبيسات هي من البديهيات , ومن القواسم المشتركة أيضا بعض العزوف عن الزواج طلبا للعبادة والتقرب من الله , وكأن الزواج يبعد الانسان عن الله !!, , ومن بعض القواسم المشتركة الميل الى طبقة الأثرياء وصانعي القرار , ميول أثار حفيظة المسؤولين عن الأمن السلطوي , والأمن الديني كالسلفية وحركات الاسلام السياسي الجهادية الأخرى …فالقبيسيات من منظور نسبي هي حركة دينية مشكوك بأمرها دينيا وسياسيا واجتماعيا .
اقول سياسيا لأن الحركة ازدادت انتشارا وقوة بعد عام ٢٠٠٠ في سوريا , واجتماعيا لأن الحركة اجتذبت انتباه الكثير من الحلقات التلفيزيونية في سوريا , ان كانت جدية أو هزلية ..بقعة الضوء التي عالجت ولوج القبيسيات في طبقة الأثرياء وعالجت موضوع الثراء عن طريق الدعوة التقشفية , ومسلسل عصي الدمع البذي عالج بعض التصورات الدينية للقبيسيات , ومسلسل الباقون .. الذي اختص في خاصة التبشير , ومسلسل ماملكت ايمانكم الذي أفشى النقاش حوله أسس العلاقة بين بعض أعلام المؤسسة الدينية كالشيخ البوطي وبين القبيسيات .. حيث انتهز البوطي هذه المناسبة ليعلن تأييده للقبيسيات والثناء عليهم …الأنهم يحفظون عن ظهر قلب صحيح الامام البخاري سندا ومتنا وصحيح الامام مسلم سندا ومتنا , حيث أعتبر الشيخ البوطي هذا الانجاز , على أنه الفريد من نوعه في هذا الزمان , والذي لم يتحقق في أي زمن كان !!!
يمكن القول , على أن الحركة القبيسية , التي نشأت على يد الآنسة منيرة القبيسي المولودة عام ١٩٣٣ , تمثل تقريبا الجناح النسائي لحركة الاخوان المسلمين , وقد نشأت حركة القبيسيات في أوج انتشار الحركة الاسلامية في سوريا في ستينات القرن الماضي , ومنيرة القبسي هي تلميذة مفتي الجمهورية الشيخ كفتارو , ويمكن القول على أن التركيز مبدئيا على الأوساط الثرية ساعد الحركة على الانتشار , حيث أن الطبقة الثرية وجدت طريقها بعد عام ٢٠٠٠ الى السلطة أيضا , السلطة التي مارست حماية القبيسيات وأعطت التراخيص لمدارسهم , التي يتجاوز عددها أربعين مدرسة الآن , والمال , الذي مكنهم من بناء المدارس , وتمويل أشياء أخرى من بينها حفلات التحجيب ..والمال أولا وأخيرا يجر المال ..والمدرسة أصبحت مركز ربح ولم تعد مركز خسارة مادية ..كما أن ممارسة الوساطة بما يخص التزويج أصبح من المصادر المادية المهمة للحركة , التي أصبحت تنفق أقل مما تقبض!
يقال ان القبيسيات حركة “دعوية” , أي انها ليست حركة” سياسية ” وهذا لايمت الى الحقيقة بأي صلة , وعدم تدخل القبيسيات مباشرة في السياسة لايبرهن عدم تاثيرهم على السياسة , فهم أولا وأخيرا الاحتياطي الذي يغذي الاخوان المسلمين بالكوادر ماديا وبشريا , ولا أعرف قبيسية أصبحت شيوعية الى جانب انتمائها القبيسي , وانما أعرف العديد من الآنسات المواليات للاخوان من القبيسيات ,وتنظيمهم الهرمي وخلاياهم العنقودية هم من أهم القواسم المشتركة مع الاخوان , فالقبيسية مؤهلة لتكون اخونجية وغير مؤهلة أن تصبح سورية قومية , والبنية الهرمية تتميز بالانصياع التام والكامل الى الآنسة الأكبر وبالنهاية الى الآنسة منيرة , التي تصطف في صف الألهىة من حيث تقديسها والخضوع الكامل لها , بنية لاتمت لما يسمى ” ديموقراطية” بأي شكل , ومن هذا المنطلق يمكن تصنيف الحركة بأنها معادية لأي تطور تحرري أو أي تطور ديموقراطي , انها رديف للاستبداد السلطوي السياسي , الذي يدعي المدنية , وقربهم من السلطة يماثل قرب الشيخ البوطي من هذه السلطة ..لو مايريد وللسلطة ماتريد ..خدمة متوازية متكاملة متبادلة , هدفها هو التحول الى الواقع ابلذي نعيشه , والذي يتمثل بتسلط ديكتاتوري ذو قواعد تمتد من الأرض الى السماء !.
من الجدير بالذكر , على أن القبيسيات يسيطرون على حوالي ٤٠٪ من المدارس الخاصة في دمشق , وهذه المدارس تسمى “الدار ” مثل دار الفرح في المهاجرين أو دار النعيم في المزة ..ودار المجد ..الخ , وكل هذه المدارس تبتعد توجيهيا عن الاستقطاب , بحيث يجد معظم رجال الدين الاسلامي الحركة ومدارسها قريبة منهم , وبعيدة عنهم بآن واحد …قريبة من البوطي ومن اعدائه وبعيدة عنهم جميعا ..بنية هلامية تلوي رقبتها أمام الجميع , وذلك لتسيطر على الجميع .!
لاتعرف الحركة القبيسية مرجعية فقهية معينة , وهذا مايجعل رجال الفقه والدين يتهافتون الىى التقرب من الجماعة القبيسة بهدف تملكها والسيطرة عليها , كما أن التنظيم الهرمي المحكم يجذب رجال الدين الى هذه الحركة , بقصد توظيفها في خدمتهم , وكون الحركة تمثل احتياطيا غير مستقطب , يجعل منها هدفا مهما لرجال الدين التنقليديين والباحثين عن مؤيدين , القوة المادية للحركة تجذب الكثير من المؤسسات الدينية التقليدية , كما أن النفوذ السلطوي يجعل الحركة جذابة جدا لمن يريد التقرب من السلطة , ناهيكم عن التخصص النسوي للحركة , الذي لامثيل له في الحركات الاسلامية الأخرى التي يغلب عليها الطابع الذكوري .
لاتقتصر جاذبية القبيسيات على ماذكر , وانما تتعدى ذلك الى الجاذبية العلمية , فالقبيسيات لايرفضون العلم قطعا , والكثير منهم هم من المتعلمات الحائزات على شهادات علمية عالية , ونسبة المتعلمات منهم أعلى من نسبتها عند الحركات الاسلامية الأخرى , ومن هذه الناحية , فقد اخترقت حركة القبيسيات حاجز الجهل التقني , وأصبحت حركة لها طابع علمي لايمكن تجاهله , وبالرغم من ذلك تبقي الحركة القبيسية النقيض الأكثر تطرفا للحركة العلمانية (بفتح العين) .
عندما يريد المواطن السوري انشاء مدرسة مدنية تبشر بالعلمانية(بفتح العين) , لا يستطيع استصدار الترخيص اللازم لذلك , وهذه التجربة ليست نتاج اشاعات , وانما معروفة جدا عند كاتب هذه السطور , وكيف هو الحال مع القبيسيات ومدارسهم , والسماح لهم باعطاء دروس في العديد من المساجد , وبذلك تحولوا من المنزل الى المسجد ., وما هو سر تمكنهم من لوي رقبة السلطة ؟؟
البوطي يبرر ذلك بالدعاء المستمر الذي تمارسه القبيسيات للرئيس الأسد , دون التطرق للسياسسة , وهل يمكن اعتباء الدعاء المستمر لسياسي هو رئيس الجمهورية على أنه ليس تطرق للسياسة ؟؟نعم انه تطرق واضح جدا ..انه دعاية لجهة سياسية معينة , واتخاذ لموقف داعم لهذه الجهة , وهذا ما تطرقت له احدى السيدات في تعليق على موضوع القبيسيات السابق , والبوطي قال ,ان ولاء القبيسيات للرئيس لاغبار عليه , الا أن هناك من يضيف الى ذلك بالقول , ان للشيخة الكبيرة منيرة القبيسي علاقة مع المخابرات السورية وعلاقة مع عائلة الرئيس ..كل ذلك يمكنه تفسير بعض الأمور , في حين تبق أمور اخرى غامضة !.
تمتاز أفكار القبيسيات بتطرقها فقط الى العموميات وتجنب التفاصيل , وتجنب التفاصيل هو العامل الذي سمح للحركة الكثير من امكانية الانتشار , الخصوصيات هي شأن الخواص وليس شأن العموم , وحتى تصل القبيسية الى رتبة الخصوص يلزمها الكثير من الصقل والتوجيه والبناء, الذي يبدأ بالتحقق من ثباتها الاسلامي الديني, وبعدها يحق لها غطاء الوجه , والصقل يتضمن الكثير من الاذلال , كالشعور بالتشرف عن الشرب من كأس الشيخة , وحيث يجري الالتصاق بالشيخة وربط مصير القبيسية بارادة الشيخة , لأنه على الفبيسية أن تلتزم بالقاعدة التي تقول “لا علم ولا وصول الى الله من دون مربية “, ولتمجيد الشيخة تحولت الشام الى مكة للقبيسيات , حيث يجب الحج الى الشام عند تيسر الأمر,..رحلة كعبة المباني , حيث تتمكن القبيسية من مقابلة الشيخة والتبرك بها وتلقي التوجيه والارشاد منها ..من لاشيخة له ..فشيخته الشيطان !!