المعارضة الخارجية في الماضي والحاضر

شهور  انفجار الاحتقان والأزمة السورية ترافقت  مع انفجار ظاهرة  أخرى  , وهي ظاهرة  احياء العداء والتنافربين السلطة والمعارضة الخارجية , واني متأكدة على أن البعض يظن  على أن هذا التنافر جديد , الا أن الواقع يدل على أنه مزمن  , ومن يراجع ادبيات الحراك السوري  السياسي المعارض  , الذي يوازي عمره عمر السلطة  , يلفت نظره  الكثير من التشابه  بين مواقف الماضي ومواقف الحاضر, وحتى المفردات متشابهة , والمرجع الذي بيدي الآن هو مقالة للسيدة  بارعة ياغي من عام  2004  المنشورة في “كلنا شركاء”  , حيث تحدثت الكاتبة عن  الاحتدام في الكلام بين  كل من المقفغين  المستقلين وبعض رجال الدين  ومن يمثلون المعارضة السورية في الداخل  وبين  اعضاء حزب البعث , حيث أشاد البغثيون بالمعارضة الداخلية  , ووصفوا المعارضة الخارجية بالعمالة ..وكأن التاريخ يعيد نفسه , .

ولنأخذ مثلا آخر وهو الدكتور  سليم بركات , الذي أعلن باسم القيادة البعثية  عن استعداد البعث  للحوار مع المعارضة  التي يحترمها البعث  , مشددا على  ضرورة العمل  تحت سقف وطني واحد  , ثم طالب  عام 2004باسم البعث   بالابتعاد عن التعصب  وتحقيق التكامل مع المعارضة ,’ مشيدا بالمعارضة الداخلية  , التي لاتقبل  بما تقوم به المعارضة الخارجية العميلة , على حد قول بركات  ,  والتاريخ  يعيد  نفسه  مرة أخرى ,فالبعث يحترم الآن بعض المعارضة  المقصوصة على مقاسه , والمفصلة على قوامه .

الدكتور  بركات قال أيضا,  ان البعث لايفضل المصلحة الخاصة على العامة ..! ويجب علينا الالتفات الى المسائل المهمة  ونفكر بما يدور حولنا  ,  أمريكا تطرح علينا مشروعا  ديموقراطيا  , فكيف لانفكر   بهذا   المشروع ؟؟

لافرق  جوهري بين  عام 2004 وعام 2011, ومقصدي الآن معرفة اسباب الخلاف المزمن مع المعارضة  الخارجية  وتفضيل المعارضة الداخلية عليها , وسوف لن اتمكن من بالتأكيد من رصد كل جوانب هذه  الواقعة , فقد يكون للقارئ بعض الأفكار الاضافية  أو التصحيحية ,التي أرحب بها بدون أي شك .

النقطة التي اراها مهمة جدا , هي نقطة التعرف على نظم أخرى عن طريق العيش تحت ظل هذه النظم,  ومقارنة أسس الحياة والممارسات مع نظيرهم السوري , فالذي يعيش في انكلترا  مثلا  لايستطيع فهم  مايجري في الوطن , لأنه لانظير لما يجري في الوطن في دولة أخرى ..حيث لاتوجد  في الدول الديموقراطية  مسيرات  مسيرة من قبل الحكومة , ولا يوجد ذلك  الالتصاق  السلطوي بالكرسي , كما لاتوجد فروق بين البشر أمام القانون ولا توجد المادة الثامنة, ولايمكن  لجهاز الأمن  اعدام العديد من الأشخاص  رميا بالرصاص  بسبب هتاف يطالب باسقاط النظام أو السلطة , ولي هنا  أن اختصر , وأقتصر على ذكر ماذكرته , مع العلم على أن كامل جوانب الحياة السياسية والأمنية  والاقتصادية والاجتماعية ..معاكس تماما لما يلمسه المغترب في الوطن ,وادراك  المواطن السوري  الذي يعيش  في سوريا  بهذا التعاكس , الذي لايستطيع لمسه  أقل من ادراك السوري الذي يعيش في الخارج الديموقراطي , وهذه الحالة ترفع من تطرف السوري  الذي يعيش في الخارج , وما يساعد على رفع هذا التطرف   عند السوري في الخارج  هو عدم وجود الخوف من الاعتقال  أو القمع , وهذا مانلاحظه عند المعارضة الداخلية ,  فحسن عبد العظيم  لايطالب باسقاط النظام , وكذلك ميشيل كيلو ولؤي حسين  وغيرهم , مغ أن هؤلاء وغيرهم  قضوا في السجون تحت التعذيب والأشغال الشاقة  عشرات السنين , بينما لم يسجن برهان غليون يوما واحدا  , وهو الذي يطالب باسقاط النظام . سبب ذلك ,على ما أعتقد , ليس التفاوت في الوطنية أو الأخلاق  أو النظرة السياسية بين المذكورين , انما التفاوت في  تقييم  عامل المخاطر , لو طالب حسن عبد العظيم باسقاط النظام , فسيكون مصيره السجن والتعذيب أو القتل ..وما حدث لغيرهم كمأمون الحمصي ومؤخرا للدكتور طيب  تيزيني  لايشذ عن هذه القاعدة .

موضوع الحصول على الأخبار ومصداقية أجهزة الاعلام , هو عامل مهم جدا ..ولأنه لاتوجد معارضة معترف بها , لاتوجد صحافة معارضة  , وما يأتي بشكل معارض من الخارج  يخضع للرقابة , ولا عجب أن تأتيك  مجلة  , وقد انتزعت الرقابة بعض صفحاتها ,  ولم يكن للمواطن  سابقا  وقبل  التطورالاعلامي  الأخير  وقبل انتشار الفضائيات , أي وسيلة للتعرف على الرأي الآخر ..الآن الأوضاع   في هذه النقطة كثيرا   وأصبحت المعلومات والأخبار في متناول كل انسان  , ولا تستطيع السلطة ممارسة  الرقابة  ثم القص والحذف ..الخ

الوضع المادي  للمغتربين مقارنة بالسوريين في الوطن يلعب دورا مهما , ولا يوجد مغترب  تقريبا  , الا ويقوم بواجبات  مساعدة  وحتى اعالة  بعض أفراد عائلته وأقربائه , وبسبب ذلك  ينشأ وضع  نفسي  يتمثل بالشعور بالأبوة تجاه القريب  السوري في الوطن , والأبوة تعني الوصاية , والوصاية تفرض نوعا من التأمر ومارسة التوجيه , لذا نرى على أن تأثيرالمغتربين  لايتناسب تماما مع عددهم , وهذا ما تنتقده السلطة  قائلة  بأنه لاوزن للمعارضة الخارجية  في الداخل  , حيث يقول  خلف المفتاح  مدير عام مؤسسة الوحدة للصحافة والنشر  , ان هذه المعارضة مصابة بالانتفاخ  والتضخم السياسي والاعلاني , ولا تمثل الا نفسها , والسيد خلف مفتاح يرفض  أي حوار مع من يدعو الى اسقاط النظام ,  لأن النظام يستند الى قاعدة  شعبية عرضة , وهذا ما لايستطيع المغترب فهمه , اذ يسأل المغترب عن الانتخابات , ويقال لاتوجد انتخابات , انما  يوج استفتاء  كانت نتيجته 100% لصالح الرئيس , هنا يهز المعترب برأسه  مستعيذا بالله من الشيطان الرجيم , لايعرف المغترب ترتبات استفتائية من هذا النوع  , ويعتبر ان الأمر مفارقة غريبة , وبها تتمثل قمة التزوير  واحتقار المواطن الذي لامثيل له في بلد الاستضافة .

كل هذه الأمور , وغيرها بالتأكيد ساهم في استمرار  العداء المزمن بين السلطة والمعارضة الخارجية , التي لاتختلف عن الداخلية  جوهريا , الا أنه من  مصلحة السلطة تفتيت المعارضة بشكل  أو بآخر  , واحدى وسائل التفتيت  هي التقرب من جزء والابتعادعن جزء آخر , مدح جزء وقدح جزء آخر ,  اضافة الى ذلك  فالسلطة تفضل المعارضة الداخلية  , المتواجدة تحت الرقابة  وفي متناول يد الأمن , كما أن ترويضها أسهل من ترويض المعارضة الخارجية   , التي لاتستطيع السلطة التأثير عليها بشكل قمعي  فعال.

ليس للسلطة مصلحة بوجود معارضة موحدة , لأن وجود معارضة موحدة  سيعجل في القضاء عليها , ولا يهدف انتقاد تفتت المعارضة من قبل السلطويون  الحث على توحيد  صفوف المعارضة , وانما البرهنة على  عدم جدارة المعارضة بالحكم او المشاركة به ,أي أن السلطة لاتريد للمعارضة ان تحقق أي شيئ  يقلص من سلطانها , كما انه ليس من المنطقي  ولادة  معارضة واعية  في ظل سلطة غير واعية , السلطة هي المؤثر الأكبر على كينونة المعارضة , ولطالما بقي الوضع بعيد عن المعايير الديموقراطية , ستبقى المعارضة  بعيدة  عن النضوج السياسي ,  وما حالة “لاغالب ولا مغلوب ” الحالية  الا برهان على  عدم مقدرةالأطراف من ايجاد حل لأزمة  لاوجود لها في الديموقراطيات , وانما حصرا في الديكتاتوريات .

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *