ازالة الأنظمة العربية الفاسدة أسهل من بناء أنظمة صالحة , ومهما كان البناء عسيرا فلا بديل له , والبناء يتطلب تفكيرا عميقا ورؤية ثاقبة ووعيا مفرطا , وذلك لأن عملية البناء تواجه تحديات اضافية استثنائية منها تواجد الأنظمة واقعيا بالرغم من فقدانها لرؤوسها , والوحش الكاسر بدون رأس أخطر من الوحش الكاسر برأس ,وازالة هذا االوحش ليس بالأمر اليسير , اذ أن للحيوان رؤوس أصغر , وجسد الأنظمة الذي لايزال متواجدا يفرخ رؤوسا جديدة, كل هذه الأمور تعبر عن واقع لامجال للتملص من مواجهته والتغلب عليه , الا ان المستقبل شيئ آخر , هنا توجد البدائل وهنا يمكن للسياسة السليمة أن تكون منتجة وللسياسة السيئة أن تكون مثبطة
ومن أهم العوامل السياسية ,التي ستؤثر على المستقبل هو جماعة الاخوان المسلمين , التي ترعرعت كثيرا بفعل فساد الأنظمة الحالية , فقد نالت الجماعة مايعادل 90 مقعدا في البرلمان التونسي من أصل 217 مقاعد . نسبة لم يكن لها لتحصل عليها في أيام بورقيبة الأولى , وكلما ازداد الفساد توغلا في بنية المجتمع ,ازدادت قوة الاخوان , وذلك لعدة أسباب , فالنظم الشمولية الوحدانية الديكتاوتورية لاتسمح بمشاركة أحد في الحكم لأنها لاتحكم , وانما ترحب باللصوص والزبانية للمشاركة في عمليات السرقة والافساد , لأن النظم التي لاتحكم لعدم قدرتها على ذلك , تسرق وتنهب , وذلك لتوفر قدرتها على ذلك , واللصوص هم الحلفاء الطبيعيين لهذه الأنظمة , وبسبب استئثار هذه النظم العصبوية بالسلطة وبسبب فسادها الأسطوري , تجعل من نفسها هدفا للانتقاد من قبل الجميع ومنهم الاخوان , والنقد سهل جدا , مقارنة بالنتفيذ المحرم على باقي فئات الشعب ومنهم الاخوان , لذا لايخضع الاخوان وغيرهم الى امتحان عملي , وعدم الخضوع للامتحان العملي يوفر لهم امكانية الرسوب في هذا الامتحان , ومن هنا يمكن القول , ان الأنظمة الفاسدة ساهمت بشكل غير مباشر في تقوية الاخوان, اذ عندما يخضع الاخوان في تونس الى امتحان عملي سيرسبون ويتقلص عدد نوابهم من 90 نائب الى النسبة الطبيعة لهم والتي تقع بحدود 10% من الأصوات , أي أن عدد نوابهم سيتقلص من 90 نائب الى حوالي 20 نائب , وبذلك يبقى الاخوان كما هم حقيقة ..قوة هامشية , وهذا الواقع يمكن ترجمته في مصر وسوريا , حيث ان النسبة الطبيعية لهم يجب أن تكون أقل من نسبتهم في الخمسينات , أما نسبتهم الحالية فتتجاوز ذلك بكثير الى الأعلى , والسبب هو كما قلت هو فساد السلطة الأسطوري
من يريد بناء نظام ديموقراطي , لايستطيع استثناء فئة من المجتمع , ومن يحارب التسلط لايستطيع ممارسة التسلط , ولا يمكن تبرير القضاء على المشروع الديموقراطي بخطورة الاخوان , وعندما يمثل الاخوان 40 من الشعب , فعليهم أن يحصلوا على 40 % من المقاعد النيابية , ومن لايريد للاخوان تلك القوة , عليه محاربتهم , ليس بالسبل التي ترفع من قوتهم , ليس بمجازر تدمر وحماه , وانما بالعمل السياسي السلمي الفعال ,وبممارسة القدوة في النظافة والاستقامة , ليس بأساليب البعث ,التي لم تبعث شيئا من التراث الجيد الى الوجود , والتي انهزمت هزيمة منكرة أمام رجال القرون الوسطى ,وليس للهزيمة من سبب الا ضعف البعث وغيره من الحركات القومية مقارنة بقوة الاخوان , هذه هي الحقيقة المرة , فمن يريد التغلب على الاخوان شعبيا , يجب أن يكون أفضل منهم عمليا ونظريا , ومن يجعل من الفساد دستورا وممارسة لايقتدر على دحر الاخوان , لذا فان الديموقراطية والحرية هي العلاج الوحيد الشافي من داء الاخوان القرونوسطي
من يريد تحقيق المشروع الديموقراطي , يجب عليه تحقيق هذا المشروع عمليا , وكل تبرير لتأجيل تحقيق هذا المشروع هو تبرير مشكوك به , خاصة وان الذي يبرر ليس قدوة لأحد , انه مثال الديكتاتورية والعنصرية والطائفية , ولو برر ذلك حكم مدني نظيف لكان باستطاعتي فهم ذلك , أكثر من فهمي وتفهمي للبعث , الذي لايقل سوءا عن الاخوان , وليس لهذا البعث “التقدمي” من حلفاء الا الاخوان ..ان كانت الجمهورية الاسلامية أو حزب الله , أو حماس , الا أنه لاخونجيتهم لونا آخر غير اللون السني , ولا توجد فروق بين الاخوان من أي لون كان
السلطة متهمة بممارسة التفزيع من الاخوان , وذلك بمقصد الاستئثار بالسلطة المطلقة , هل هذا صحيح ؟؟
نعم انه للأسف صحيح ,اذ لو كان هدف السلطة الوقاية من الاخوان حقيقة , لساعدت على ترسيخ أقدام نظام لاشبهة في نظافته وديموقراطيته وتحرره , واصرار السلطة على اختذال البدائل الى بديلين ..اما نحن أو الاخوان , هو دليل على أن السلطة تستخدم الاخوان كقميص عثمان , والسلطة لاتريد الا السلطة , ولا تستطيع السلطة القول انها لاتعشعش في احضان الاخوان , هاهي ترتمي في احلاف حياتية معهم ,وهل احمدي نجاد عام 2011 أكثر تقدمية من مصطفى السباعي من عام 1950 , أو أكثر تقدمية وفهما من معروف الدواليبي , وهل شرع معروف الدواليبي رجم المرأة الزانية أو تعليق من شمشم رائحة الحشيشة على أعواد المشانق ؟؟ ومن هو المسؤول عن تصحر الثقافة وعن تفشيل التنوير والوقوع في مطب الانسداد التاريخي ؟ المسؤول عن ذلك هو الحزب الذي لم يكن بامكانه انجاب مثقف واحد فقط في نصف القرن الماضي (ادعاء أدونيس ) , المسؤول هو الحزب , الذي كان بامكانه أن يتحول الى قائد فعلي للمجتمع والدولة وليس بفعل المادة الثامنة , لقد كانت هناك في الخمسينات براعم علمانية في الحزب , وبدلا من أن تزهر هذه البراعم وتثمر , قطفها الحزب وأحرقها وحول نفسه مع السنين الى مطية للعائلات , وفرقة لحماية الامتيازات , وقد وصل بعد مرهلة الترهل والانحلال الى كينونة الصفر سياسيا ,وأوصل البلاد الى حالة تغيرت بها قيم الانتماء ..من انتماء بمعظمه سياسي الى انتماء معظمه طائفي عشائري
لاحذف للمشروع الديموقراطي ولا تأجيل له بأي حجة كانت , وحصول الاخوان مبدئيا على نسبة عالية من االأصوات في اتخابات برلمانية أو رئاسية منتظرة , ليس الا سببا للتنعلق بالمزيد من الديموقراطية والحرية , اذ أن الديموقراطية هي الحارس الأمين للحرية , والدبابة لم تصنع يوما ما حرية
سؤال سطحي وإجابة قاصرة!!(myopic)
بالتأكيد الدبابة لا تصنع حرية ولكن الحرية لا يمكن أن تصنع بلا دبابة. الحرية ليست قيمة مطلقة (إلا في الأحلام الرومانسية والفلسفات اليوتوبية) وإنما هي نتاج علاقة معقدة بين الفكر (أي العقل الذي بدوره هو نتاج علاقة طويلة بين الإنسان و ثقافته والبيئة) والمجتمع (أي القوانين والأعراف والمعتقدات الاجتماعية والبنية الاقتصادية) والسياسة (أي علاقة المجتمع بالمجتمعات وكينونات أخرى بين هيمنة أو استقلالية أو تبعية لأي اعتبار كان) والحرية هي نتاج عنهم فإذا اختل أي طرف من هذه المعادلة اختلت الحرية بكينونتها العامة أو تدرجت أشكال عنها ضمن أولويات تحدد من قبل معطيات المجتمع وأي معالجة خارج النطاق الموضوعي لهذه المعادلة هو تسطيح خطير لمفهوم الحرية.
ملك الغابة راكب دبابة …هذا هو رأي الحائط
لقد لاحظت الكثير من الاهتمام لدى السيد المعلق بشخصيةبريطانيةهو روبرت فيسك , وانا لا أعرف شيئا عن هذا الرجل..وقد قرأت له في جريدة الديار ما أثار عجبي , أحببت نقل ذلك للقارئ , مذكرا بهذه المناسبة السادة الدكتور رياض متقلون والسيد ضياء أبو سلمى برغبة أي كاتب المنطقية والمشروعة بالتعليق على مضامين المقال الذي كتبه , والمقال لم يطرح السؤال عن موضوع سطحيته أو عمقه ولا عن كون الاجابات التي قدمها المقال لبعض الأسئلة قاصرة أو قادرة , وانما بشكل اساسي وبالدرجة الأولى حول اشكالية “التفزيع” وحول السبل التي يمكن بواسطتها مقاومة الأصولية السياسية والدينية , والتعليق الذي رأيته من السادة صحيح المضمون , الا ان علاقته مع المشكلة التي اردت بحثها ليست واضحة ..على كل حال اليكم تعليق السيد فيسك , الذي يهتم جزئيا بموضوع الدبابة :
فيسك: الأسد لن يرحل إلا بقوة الدبابات
Wednesday, November 16, 2011 – 01:01 PM
قال الكاتب البريطاني روبرت فيسك اليوم الأربعاء إن الرئيس السوري بشار لن يرحل إلا بقوة الدبابات على غرار ما حدث بليبا، معتبرا أن التوقعات بقرب رحيل الأسد متفائلة على نحو ميؤوس منه.
وأشار إلى أن الانشقاقات التي يشهدها الجيش السوري لا تكفي لأن الانتصار في الثورات لا يكون عن طريق رشاشات الكلاشينكوف إنما عن طريق انشقاق فرقة دبابات أو أكثر بالإضافة إلى بعض الجنرالات.
وأوضح فيسك في مقالة بعنوان: “الأسد لن يرحل إلا إذا انقلبت ضده الدبابات” أن توقعات وزارة الخارجية الأمريكية ومراكز البحوث في واشنطن والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية بقرب رحيل الأسد غير صحيحة لأنه لن يرحل الآن.
واستدرك “مازال لدي الأمل في أن الأسد هو أقدر شخص على أخذ زمام المبادرة والوفاء بتعهداته حول دستور جديد وإقرار تعددية سياسية وتطبيق ديمقراطية حقيقية”، متابعا:” إن توقعات بعض الأطراف في الغرب مبنية على مقاطع فيديو منشورة في موقع يوتيوب وليس على وقائع تحدث على الأرض نظرا الى انه يمنع اي صحفي من دخول حمص او درعا حتى لا تنكشف حقيقة الوضع هناك ”.
وأشار إلى مقابلة أجرها مع التليفزيون السوري في وقت سابق من الشهر الجاري قال فيها “إن الوقت ينفد أمام الأسد” وبسرعة إلا انها لم تذاع في وقتها بحجة ان الترجمة لم تتم واستغرقت وقتا.
وحول تصريحات عاهل الأردن عبدالله الثاني حول موقف الأسد قال فيسك: “إن وسائل الإعلام حرفت بعض الشيء كلام ملك الأردن – وانا لست من المجبين بجلالة الملك- إذ نسبت إليه الدعوة إلى تنحي الأسد في حين أنه قال بالحرف الواحد “لو كنت مكانه، لتنحيت”، وهناك فرق بين المعنيين”.
وقال فيسك إن مقابلة الملك عبدالله مع البي بي سي من أفضل المقابلات التي أجراها ولاسيما حينما قال إن المشكلة لن تحل إذ استبدل الأسد بشخص آخر من داخل النظام أي من حزب البعث الحاكم.
وختم فيسك بالقول إن هذا السيناريو لم يتبلور في الوقت الراهن، مضيفا أن النظام السوري لا يزال يحظى بالدعم العسكري الروسي حتى الآن.
ولفت إلى أنه بعد تسعة أيام فقط من رفض روسيا والصين قرار مجلس الامن الدولي بإدانة سوريا، قال مساعد مدير المكتب الفدرالي الروسي للتعاون العسكري التقني فياتشيسلاف دزيركال إنه لن يكون هناك “أي قيود على الإطلاق على شحنات الاسلحة الى سوريا”.
واضاف فيسك: “لا يثير الدهشة أن روسيا كانت مورد الاسلحة لليبيا بالإضافة الى الطائرات المقاتلة والسفن الحربية والدبابات والأنظمة المضادة للطائرات، فكانت تبيع هذه الأسلحة للعقيد معمر القذافي بعد الحصار الغربي وحظر بيع السلاح لليبيا عام 1974 ”.
وأشار إلى أنه حتى الآن في مدينة طرطوس السورية هناك منافذ للبحرية الروسية في البحر الأبيض المتوسط. ولفت الى مقطع فيديو على يوتيوب لسيارة مدرعة روسية الصنع اطلقت الآلاف القذائف في أحد شوارع حمص مما تسبب في استشهاد آلاف المدنيين .
من قال لك أني شخصيا أوأن د.رياض متقلون معجبين بافكار روبرت فيسك؟ كل ما هناك أنني أردت أن أقدم ما قاله في مجال كسر الأوهام عن “إنسانية” قطر و “فحولة” الجامعة العربية المفاجئة حول سوريةو الأزمة فيها.علما أن ثمة أناس يعيشون بأوهام مريعة تثبت أنهم فعلا كما قالت على ما أذكر الزميلة ربا صابوني أنهم أقل من يديروا جمعية للرفق بالحيوان.يبدو واضحا لي أن تعليقي على مادتك الغراء لم تعجبك أو لم تصلك معانيها وهذا ممكن جدا أرجو أن تطلع على الفرق الشاسع بين التنظير في الحب والحرية بين ما هي الحرية والثقافة.
Think of this “we have to recognize that freedom is a product of long precess of negotiation within the society and in its relations with other societies”