لقد أصبح من المألوف الآن تشديد طرف من الأطراف على وجود المؤامرة , وتحفظ طرف آخر على مفهوم المؤامرة , وأظن على أن التحفظ مدعوم جزئيا بنوع من الترفع الثقافي الشائع , وان التشديد مدعوم بنوع من ادراك لاشعوري أو شعوري بالفشل السياسي , اذ أن نظرية المؤامرة توفر للفاشلين خدمة سهلة في مفاكرة الآخر , وفي اقناع القطيع بشرعية وضرورة ممارسات في أغلبها تعسفية , نظرية المؤامرة هي عنوان لمقالة بدون نص , وطرحها بالشكل الذي تطرح به عادة , يستلزم الغاء النص أي أي الغاء التوضيح والشرح ..رسالة اسغباء موجهة الى أغبياء .
الصراعات التاريخية تعرف العديد من الثوابت والقواسم المشتركة , وهناك نسق شديد الثبات وله تسميات علمية مختلفة , هذا النسق هو مايسمى تكتيك أو استراتيجية أو خطة حربية ميدانية أو خطوة سياسية أو سياسة بشكل عام , واستخدام هذه النسق ,الذي يسميه البعض “مؤامرة” ليس طوعي ولايمثل هذا الاستعمال خيارا من خيارات متعددة , فحياتنا بأكملها ان كانت اجتماعية أو سياسية أو حتى عاطفية , تخضع لضرورة استخدام نسق التكتيك والاستراتيجية أي المؤامرة أو السياسة ..والاعتراف بوجود تناقضات في الحياة , هو اعتراف بضرورة وجود تلك الآليات , واعطيها ماشئت من التسميات .
تخضع ممارسة تلك الآليات ومنها مايسمى “مؤامرة ” الى الكثير من التباين الكمي , هناك ممارسات بسيطة وصريحة , وهناك ممارسات سرية ومعقدة ,هناك تكتيكات أو مؤامرات لمدى قريب أو متوسط أو بعيد , وهدف التكتيك أو المؤامرة أو السياسة كان دائما وسيبقى نصرة طرف على طرف آخر , والخاسر يقول ان هذه السياسة هي مؤأمرة غادرة ,والآخر يقول ان هذه السياسة منصفة وعادلة .
واقعنا العربي وخاصة السوري لايشذ سياسيا عن ماذكر من أسس ومبادئ , هناك ادراك لاشعوري أو شعوري بالفشل والضعف من قبل فئة , وهذا الفئة تريد الاحتماء والنجدة , حيث تستنجد بمفهوم المؤامرة ,التي تفندها وتفسرها وتعرفها بشكل سوريالي بسيط وساذج , معتمدة على العديد من الآليات , منها تسولي واستعطافي , حيث يقال هناك مؤامرة دنيئة ضد الفئة الأكثر عقلانية واستنارة ووطنية واستقامة ومدنية , ومنها تبريري , حيث أن سبب فشل هذه الفئة ليس ضعفها , وانما عظمة وجبروت المؤامرة وتحدياتها العملاقة , ومنها تفاؤلي تشجيعي .. فالفئة ستنتصر بعونه تعالى , ثم توحد هذه الفئة نفسها مع الشعب , اذ تقول ..الشعب سينتصر ..وبذلك ترتدي هذه الفئة عباءة الشعب المظلوم ,والذئب المتنكر في هذه العباءة ينتقل فورا من تعظيم شعبه وشعبيته الى مسخ شعب وشعبية الطرف الآخر , بالقول بأن المسخ مؤلف من قطاع الطرق والمخربين والمندسين والعصابات والارهابيين وبمجموعهم قطعان من الجرذان والجراثيم .
الذئب المتنكربالعباءة الشعبية والمعرض الى شرور المؤامرة ,لايتورع عن ممارسة القدح الخبيث باستقلالية المسخ الشعبي , وحتى لو تطابقت مطالب هذا المسخ مع مطالب السلطة بخصوص مكافحة الفساد مثلا , لايحق له المطالبة بالتاكد من زوال الفساد, ولا يحق له القول على انه لايشعر بانحسار الفساد , المطالبة تعني استقلالية , والاستقلالية ممنوعة , السلطىة هي التي ترتكب الأخطاء والسلطة هي التي تعرف كيف يتم تصحيحها, وما عليك ايها المسخ الا الصبر ولعقود , كما توقع الصحفي ابراهيم الأمين , المصلح يصلح ما أفسدته يداه , وما عليك ايها المسخ المتآمر الا أن توفر له الهدوء ليعمل بدون ملل.. فضجيج المظاهرات مزعج , وأعمال العصابات مؤذي , اصمت واسكت أيها المسخ المتآمر في الداخل والخارج , فشعب الجرذان والجراثيم ليس أهلا لمعرفة تفاصيل الاصلاح, ولا يملك السيادة للقيام بالصلاح , السيادة هي لمن نال في الاستفتاء 100% من أصوات الشعب السوري الأصيل , السيادة هي لمن سارت مسيرة مليونية من أجله ..بكل حرية وشفافية .
لايمكن للاستغباء أن يتم , ولنظرية المؤامرة أن تنتشر مدمرة حس “الفهم” عند البشر, الا في ظل تلميح ملتوي يقول ان المسخ الشعبي قاصر عقليا ووطنيا وسياسيا , وليس أهلا للديموقراطية , كما تفضل بعض اعلام النظام بالقول , اضافة الى ذلك تحالفه مع قوى الشر والغدر في العالم ومع الارادات الخفية التآمرية الخطرة على الوطن وعلى الوطنية وعلى الأيدي “الأمينة” الحافظة للنظام والاستقرار والأمن , هذه الأيدي “الأمينة” توحد وتذيب أمن الوطن واستمراريته مع أمن السلطة واستمراريتها , فبدونها لايوجد وطن , والمسخ يسأل بوقاحة , هل يوجد وطن بوجودها ؟؟
هل ما يطفو على سطح بحورالدماء في طول البلاد وعرضها , هو “وطن” , وهل يمكن القول ان هذه السفينة سوف لن تغرق في طوفان الدماءالمتدفقة من ينابيع الحل الأمني .؟ وهل ستمنع صناعة العملاء هذه السفينة من الغرق , أو أن صناعة العملاء ستغرق هذه السفينة حتما