ممدوح بيطار :
تحت عنوان بويجية اسرائيل اتهم السيد غزوان الشهابي البعض بكونهم “بويجية ” لدى اسرائيل , السبب هو محاولة اختصار هؤلاء ” البويجية ” للمسجد الأقصى وأول القبلتين والقدس وحيفا ويافا بعباس ودحلان ومشعل وغيرهم , أي أن القدس فائقة الأهمية بالنسبة لمخترع مفهوم البويجي السياسي , وذلك بسبب تواجد الأقصى على أرضها , أي ان أحد أهم الأسباب المهمة للعراك مع الصهاينة , هو المسجد الأقصى , وبذلك يضع مبتكر مفهوم البويجي السياسي المشكلة الفلسطينية في الخانة الدينية , ويتوافق في تصنيفه مع حماس ومع الشيح الحويني وغيرهم , من الذين يعتبرون الاشكالية الفلسطينية- الاسرائيلية دينية في جوهرها , ولا علاقة لها باحتلال او عدم احتلال فلسطين ,الحرب على اليهود مقدسة ,ولا تتحقق ارادة الله ورسوله سوى بالنصر عليهم , الذي يكتمل فقط بابادتهم حتى أخر مخلوق منهم (الشيخ الحويني ).
لقد كان هناك قبل فتح او احتلال القدس من قبل خلافة الفاروق ابن الخطاب في القدس وفي فلسطين عموما يهودية ومسيحية , وكانت هناك معابد يهودية مثل هيكل سليمان وكنائس مسيحية مثل كنيسة القيامة , التي يطلق المشايخ والاسلاميون عليها اسم كنيسة القمامة , وذلك تكريما للديانات الأخرى , تيمنا بحديث رسولي “من آذى ذميا فأنا خصمه, ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة”, لانعرف بالضبط لماذا اعطى مبتكر مفهوم البويجية السياسية المسجد الأقصى تلك الأهمية , ولكن من الممكن في الأدبيات الاسلامية اكتشاف بعض خصوصيات هذا المسجد , لقد فضل الله الصلاة في المسجد الأقصى على غيرها من انواع الصلاة , فقد قيل ان الصلاة في الأقصى تعادل في قيمتها مئتين وخمسين صلاة فيما سواه من المساجد , أي أن أجر صلاة الأقصى مرتفع جدا عند الله ورسوله , هذا الأمر ينعكس على الجنة وخدمات الجنة مثل عدد الحوريات وغير ذلك , من يصلي في الأقصى مرة واحدة تمحى ذنوبه بالكامل , ولا يخرج من الأقصى الا بريئا من أي ذنب , كيوم ولدته أمه , بقيت مكانة الأقصى مرتفعة بالرغم من تحويل الله القبلة الأولى الى الكعبة, سبب أخر لتلك الأهمية كان الاسراء والمعراج ” سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى …..الخ , لالزوم لذكر مسببات ارتفاع مكانة الأقصى الأخرى بالتفصيل , فما ذكر كاف .
هناك غموض حول الجهة التي بنت المسجد الأقصى , منهم من يقول ان أحد ابناء النبي آدم بناه , او النبي سليمان أو الملائكة , أكثر القصص مصداقية كانت بنائه على يد عبد الملك بن مروان وتتمة البناء على يد الوليد ابنه , سبب البناء كانت الخلافات بين الأمويين وابن الزبير وغيرهم , مما قاد الى الحروب بين مختلف هذه الفئات .
ذج صاحب مفهوم البويجية السياسية الدين والمقدسات في اشكاليات القضية الفلسطينية, وبرر بشكل مباشر وغير مباشر مقاومة اسرائيل بسبب اعتدائها على المسجد الأقصى لأهميته وقدسيته , دون أن يدرك , أن مسلكية من هذا النوع ستدفع الطرف الآخر لاستخدام حجة القدسية وأهميتها , ففلسطين والقدس أهم بالنسبة للمسيحية واليهودية من أهمية القدس وفلسطين بالنسبة للاسلام , المسيحية كاليهودية ولدت في فلسطين والاسلام السياسي جاء من الجزيرة العربية الى فلسطين محتلا ومستعمرا وفاتحا متملكا ومغتصبا .
السياسة الفاشلة هي السياسة التي تطلق السهام عشوائيا , لتعود هذه السهام الى راميها وتصيبه بمقتل ,أي انقلاب السحر على الساحر , هنا أسأل ! , ماذا استفاد بدو الجزيرة تاريخيا وعلى المدى البعيد من الفتوحات ومن فتح القدس وفلسطين ؟؟, وهل التشديد على اهمية المسجد الأقصى للقضية الفلسطينية سوف لن يوقظ التشديد على أهمية هيكل سليمان بالنسبة لليهود , الذي بني المسجد الأقصى على انقاضه , وهل التشديد على المسجد الأقصى , واقصاء رموز بقية الأديان سوف لن يؤثر على مواقف بقية الأديان ؟ سوف لن يكون المسيحيون سعداء بتسمية كنيسة القيامة باسم كنيسة القمامة , ولم يكونوا سعداء بعد تهديم كنيسة القيامة (القمامة) , نقرأ نص الأمر الذي أصدره الخليفة الشيعي الحاكم بأمر الله , وقد خرج أمر الامامة في هدم كنيسة القيامة -القمامة “على أن يصير سقفها أرضا وطولها عرضا ” ثم نقرأ ماكتبه الامام الذهبي “وأمر النصارى بتعليق صليب في رقابهم زنته رطل وربع بالدمشقي وألزم اليهود أن يعلقوا في أعناقهم قرمية في زنة الصليب إشارة إلى رأس العجل الذي عبدوه وأن تكون عمائمهم سودا وأن يدخلوا الحمام بالصليب وبالقرمية ثم أفرد لهم حمامات وأمر في العام بهدم كنيسة قمامة وبهدم كنائس مصر”.
لايمثل ماذكرته عن الخليفة سوى محاولة للبرهنة عن المخاطر التي تكمن في عملية ذج الدين في السياسة ,ومحاولة اقصاء الآخرين وتدميرهم , كما فعل الخليفة الحاكم بأمر الله , وما فعله الحاكم بأمر الله فعله الخليفة المتوكل وفعله الرشيد وغيرهم , وذلك بالرغم من ألآية المكية “لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ” , فحديث الرسول “لا يجب أن تبقى قِبْلتان بالأرض “وحديث عائشة “لا يُترك بجزيرة العرب دينان” أخافهم بالواقع, لا يستقيم هذا الحديث مع الاعلان بأنه لاخوف عليهم ولا هم يحزنون,أمر هدم الكنائس لايزال ساري المفعول حتى هذه اللحظة , وللتأكد يمكن مراجعة سيل ضخم من القتاوى الآمرة بالهدم … الشيخ شقناد والشيح الحيوني والمفتي ابن باز وغيرهم
قضية فلسطين هي قضية سياسية , لها علاقة مع الاستعمار الاستيطاني , ومحاولة التلطي وراء قدسية الأقصى , كما نوه الى ذلك مبتكر مفهوم البويجية السياسية , هو أمر ضار بمصالح المتضررين من هذا النوع من الاستعمار , اضافة الى كون ذلك ممثلا لثقافة منحطة مخاتلة مخادعة كثقافة سارق كنيسة أيا صوفيا اردوغان , الذي رأى مؤخرا ضرورة ارسال قواته الى اسرائيل للدفاع عن الأقصى المقدس …اردوغان لم ينتهك حرمة الكنائس , لذا على نيتانياهو الاقتداء به …!!!
لايمثل التشديد على امر القدسية والمقدسات بخصوص القضية الفلسطينية , والذي طالب به صاحب مفهوم البويجية السياسية , سوى دعوة وترويج للانطواء تحت جناح حماس , اي تحت جناح الاخونجية , الذين يحاولون افراغ القضية من مضمونها السياسي الانساني الاجتماعي , وملئه بالمضمون الديني ,ثم أنه لاوجود حقيقي للبويجية السياسية الاسرائيلية , سوى في مخ مبتكر هذا المفهوم , فمن يتهم هو أصلا بويجي اخونجي حماسي , لاعلاقة لي بشخص المبتكر , ولكن بكونه أحد أفراد القطيع المكفر والمخون للآخرين .