ألبدوية التي أتت مع الفتوحات أصبحت بفعل التعريب القسري والبدونة القسرية دينا ولغة وتقاليد والملهم الرئيسي ثقافيا لشعوب المناطق المفتوحة ,البدوية ليست مسؤولة عن جهلها وتخلفها وعقمها الفكري , وليست مسؤولة عن ضعف التواصلية في الحياة البدوية , والتي ان وجدت كانت بشكل ممارسة العنف تجاه الآخر ثم سلبه ونهبه , تفاعل البدوية مع الغير كان تفاعل قنص غنائم , وكيف للبدوية ان تعتاش دون قنص وسلب ونهب ؟, فهل بامكان الصحراء انتاج بيئة زراعية من معالمها ثنائية العمل -الانتاج,الزراعة والعمل في الزراعة والعيش من منتجات العمل في الزراعة كانت الوسيلة الوحيدة القادرة على القضاء على ترحالية البدوية وتحويل البدو الى حضر,
اختلفت البلاد التي سميت بحق الهلال الخصيب عن الصحراء , اذ كانت هناك حياة حضر وحياة استقرار, وذلك لامكانية العمل في الزراعة , وتوفر ظروف التطبيق لثناية العمل -الانتاج , الا أن الاحتلال العربي البدوي الجزيري , الذي لم يكتف بالمعاقل وانما شمل العقول , التي طبعها بالطباع الذي جااء معه , حول هذه الشعوب الى بدو بدون صحراء , ولا يزال حال التبدون مهيمنا لدرجة ليست بالقليلة على شعوب الهلال الخصيب حتى الآن , فالشعوب لاتعمل ولا تنتج بما فيه الكفاية , انما تسرق عن طريق الفساد بما فيه الكفاية , أو ماهو فائض عن الكفاية, بالنتيجة انتاج الاثراء عند أقلية , الى جانب انتاج الجوع والفقر عند الأكثرية العظمى من ابناء هذه البلاد المتبدونة خلقا وأخلاقا على أرض لاتمت للصحراء بصلة.
يتضمن العمل في الارض وزراعتها بحد ذاته كل التمارين اللازمة لتشكيل المهارات واكتسابها بخصوص الحركة والتفاعل ورد الفعل والتجاوب والتلاؤم والانسجام والتتبع والبحث والتقصي والاستنتاج وصياغة الافكار والابداع والتمييز والابتكار والبرمجة والتخطيط والمطابقة والتقاطع والمنطق والجدل والحوار والتخمين والاستقراء والقياس والعديد من قدرات الدماغ الذهنية اللتي تشكل عناصر الوعي والفهم والمنطق ومنظومة الذكاء عند الانسان , لينطلق بهذه القدرات في معركته وجهوده من أجل الحياة..حياة أفضل !,ولكي يحقق بها النجاح والتطور حضاريا في كافة المجالات , كل ذلك توفر لشعوب الهلال الخصيب , ولم يتوفر للبدو الرحل , لأنهم لم يعملوا في البيئة الجديدة بالمحراث بل بقوا مع السيف .
هيمنة القوة العضلية الضرورية من أجل الانتصار في الغزوات والحروب حول فلسفة حياة هذه الشعوب باتجاه “الحماية” بدلا من اتجاه “الرعاية” , القوي يحمي مصالحة بعضلاته , ولا يناسبه مبدأ الرعاية المؤسس على توزيع الحماية على الجميع وبالتساوي , فلطلما هنا تباين في العضل سيكون هناك تباين في حماية المصلحة الفردية , أي تكريس عدم المساواة.
تفرض البيئة والطبيعة والظروف على الانسان تطورا منسجما معها , فطبيعة الترحال غير مؤهلة لخلق جماعات كثيفة في تواجدها , والكثافة تفرض بعض معالم الحياة المدنية من حيث التعليم والتواصل وتبادل الخبرات, ثم احترام تنوع الناس واختلافاتهم وتنوع أهدافهم ونمو مقدراتهم الاجتماعية ,كل ذلك كان متوفرا للبدو في البيئة الجديدة , التي لم يتأقلموا معها ,بقوا بدوا بدائيين كل مع سيفه بعيدا عن الشجرة والمحراث , الذي كان بجواره , بالسيف فرضوا البدونة على الناس , والازمان حول البشر الى بدو بعقليتهم ومسلكيتهم .
لاتسمح بيئة الصحراء , وما تفرضه على الانسان من قسريات ولادة فكر وحضارة وتطور , لذا تفرض هذه البيئة الغير قابلة للتغير مبدأ صلاحية اعرافها لكل زمان ومكان , فالصحراء بالنسبة للبدوي هي في كل مكان , القنص البدوي هو سلوكية طبيعية بالنسبة له , انها “المهنة ” التي قادت الى بلورة مفهوم الحق البدوي , فكل مايقتنصه البدوي هو حقه حلالا زلالا له , القنص والعضل كان اضافة الى ذلك المسؤول عن انتاج مفاهيم الارهاب المؤسسة على قطعية الحق وعلى قطعية امتلاك الحقيقة , فمن يشعر بامتلاكه للحقيقة لايتمكن من اقامة حضارة , لأن التفاعل هو أصل وأساس بناء منظومة حضارية , ومن يملك الحقيقة المطلقة لايتفاعل مع الغير ولا حاجة له بالتفاعل مع الغير , لاتسمح ظروف الحياة البدوية سوى باقامة منظومة العشيرة والقبيلة وديكتاتورية رأس القبيلة , وما نراه الآن في هلالنا الخصيب المتبدون ليس الا حكاما على مقاس وشكل زعامة القبيلة.
انتقال العقلية البدوية الى البلاد المؤهلة أصلا لبناء حضارة , والتي بنت اعظم حضارات البشرية قبل قدوم البدوية , كان المؤسس للجمود والتأخر والانسداد والقطعية والتعصب والفساد والعنف , البدوية هي استعمار لايمكن ترحيله بقرار أو مرسوم أو فرمان أو بالبندقية , انما بالتصدي للجهل وممارسة التنوير , من المفرح رصد بداية متواضعة لفك “عقدة ” البدوية , هناك رفض ليس بالقليل للثقافة البدوية التقليدية , التي تتلقى الضربات من مختلف الجهات , هناك أمل بمستقبل مشرق !
