تنتشر ظاهرة الارهاب المؤسسة على نمطية فكرية معينة , يطلق عليها أسم “التطرف” , بشكل رئيسي في الدول التي تعتمد الشريعة الدينية في قوانينها المدنية وبين الجاليات المحمدية خاصة في الدول الغربية , تتمظهر هذه الخاصة في مرحلة الشباب بشكل رئيسي,خاصة بعد نهاية مرحلة المراهقة الهشة القلقة والباحثة عن ماهية لحياة يريدها لنفسه ولغيره من اخوة بالدين .
يعرف انتشار التطرف درجة عالية بين الفقراء , مع العلم أنه لاوجود لدراسة تثبت كون المتطرف أو الارهابي بالضرورة فقيرا , ليس كل فقير ارهابي ,ولا يشترط ادراك الفقر أو الشعور بالفقر أن يكون المدرك فقيرا حقا !, هناك من يشعر بالفقر مع العلم أنه ليس فقير , تلازم السلفية أو الأصولية مع التطرف أو الارهاب , كمنتج للتطرف هو حقيقة لاغبار عليها, ثم أن علاقة التطرف والارهاب بمنابع فكرية معينة كالوهابية وابن تيمية وابن القيم الجوزية والغزالي وغيرهم هو امر لا شك به , لاشك أيضا بوجود علاقة بين مفهوم التوحيد والارهاب والتطرف .
للتوحيد هدف تنقية الدين من الشوائب وتحقيق التجانس المطلق بين المؤمنين , وهدف سياسي يتمثل بنشر حاكمية الله ورسوله , كلاهما يستوجب في معظم الحالات ممارسة العنف بشكله الارهابي, اضافة الى ذلك هناك تورط مفاهيم أخرى مثل الولاء والبراء وخير أمة في انتاج التطرف الارهابي , الولاء والبراء اقصائي -احتوائي , وبه يهيمن عمليا الاقصائي على الاحتوائي بشكل واضح , وبالتالي تهيمن العدائية تجاه الغير على احتواء الغير ,لايقل مفهوم خير أمة عن مفهوم الولاء والبراء تعكيرا للعلاقان الانسانية بين البشر , هنا يقود الولاء والبراء الى مناصبة الغير الكره والعداء والرفض والاقصاء بدون موجب اخلاقي , لايتقبل الغيرضمنيا تصنيف المؤمنين لأنفسهم الفوقي كخير أمة , ولكن الغير عمليا لايأبه بذلك التصنيف الهرائي .
أما مبدأ الصلاحية لكل زمان ومكان ورفض حصر الدين وآيات الكتاب من قبل السلفية الأصولية بسياق تاريخي معين , فقد شكل منبعا مؤكدا للتطرف الارهابي , تعتبر السلفية حصر الدين وأحكامه في محدودية السياق التاريخي ليس الا أخراج الدين وأحكامه من صلاحيته الأبدية , هنا يولد الخلل الذي يقود الى التأزم والتشنج وبالنهاية الى الارهاب , كذلك يفعل مفهوم دار الاسلام ودار الكفر في صناعة التنافر مع الآخر , الذي يتطور الى تأزم العلاقة مع الغير وبالتالي وفي النهاية الاستنجاد بالسيف والسكين لحسم الأمر واخضاع الآخر .
اضافة الى كل ذلك هناك مفهوم المسلم “الأعلى” , الذي يمثل الآلية الأكثر منطقية في عملية توزيع الأدوار الخاصة بقيام المتطرف بالفعل الارهابي , العمل الارهابي هو نتيجة لتضافر “المنفذ” للعملية مع “الخلفية الفكرية” التي تمثل الفاعل الحقيقي للعملية الأرهابية , الفاعل الحقيقي يمارس ارهابا مزدوجا , انه بشكل ما يرهب منفذ العملية ويحوله الى ضحية الى جانب ضحايا العملية الآخرين .
أما لماذا يتبنى بعض الشباب الممارسة الارهابية التطرفية ؟ هناك العديد من المقاربات التي يمكنها تكريس التطرف والارهاب , مثل مقاربة الارهاب مع تدني المستوى الاجتماعي للبعض ,الذي يعتبر عاملا شديد الأهمية بما يخص مفهوم المسلم الاعلى , فالجماعة تعيد تأهيل المتدني والمتردي اجتماعيا , بتزويده بوسام المسلم الأعلى , وغالبا يكون هذا المتردي اجتماعيا مدمن مخدرات او كحول أو سجين سابق بسبب الاجرام أو الاعتداء على الغير , تزويده بالوسام يمثل معاوضة لنواقصه , ويحوله من ناحية أخرى الى عبد مأمور للجماعة التي أهلته بالوسام الملفق , يتحول هذا الشخص الى منفذ لأي فعلة أو عمليةارهابية تطلبها الجماعة منه ,التي يطيعها بدون قناعة .
هناك المقاربة الدينية مع الارهاب , فالجهاد هو ركن من أركان الدين , وتمظهراته تكاد تنحصر بممارسة العنف ذو خلفية مؤسسة على فقه متشدد وعلى نصوص عدائية , تأويل العديد من الآيات والأحاديث بالشكل الذي يكرس التطرف الارهابي سهل جدا , لم تفتقد أي عملية ارهابية مايناسبها من فتوى مدعومة بالآية أو الحديث أو التراث .
هناك مقاربة اجتماعية للتطرف الارهابي , هذه المقاربة ليست محمدية حصرا , وتقوم على أي فكر أو مفاهيم أخرى ذات علاقة بالوضع الاجتماعي للضحية وللارهابي في ظروف مؤهلة وسياق مؤهل لممارسة التطرف الارهابي, يريد التطرف الارهابي هنا تأسيس حياة جديد خالية من الاستغلال والهامشية والدونية , ومنطلقة من الاعتقاد بالأحقية في بناء علاقات اجتماعية تؤمن للارهابي والجماعة وضعا يتناسب مع تقييمه لنفسه وللغير …مثلا خير أمة !!, ثم المفهوم الذي يرفض أولياء الأمر من أهل الكفر, الذي يدفع لممارسة الارهاب وفقا لتصنيف الناس الى مؤمن أو كافر .
لعب الجو الذي تأسس على مفهوم صراع الحضارات , خاصة صراع التراث المحمدي الحتمي مع الحضارة الغربية دورا ليس بالقليل في تكريس التطرف والعدائية المتجلية بالارهاب , هذا الى جانب الشعور بدونية “الأنا” وبالمظلومية على أساس الهوية , هناك هوية ظالمة وهوية مظلومة , ولا تشابه بين الظلم وبين المظلومية , قالظلم هو أمر قضائي , أما المظلومية فهي اداة سياسية ,لابدرك ولا يفهم التطرف الارهابي ذلك الاختلاف والتباين بين الظلم والمظلومية , لذلك يظن خاطئا انه بالارهاب يصحح الخلل , حقيقة الارهاب لايصحح اي خلل , لأنه يمثل بحد ذاته خللا كبيرا .
الشخص الفرد كان الارهابي حصرا لفترة طويلة , الا أن الارهاب أخذ في السنين الأخيرة أشكالا تنظيمية جماعية , كارهاب داعش والنصرة والعديد من الفصائل المسلحة الأخرى في كل أنحاء العلم خاصة في المنطقة العربية , تطور الارهاب من الشخص الى المؤسسة , التي تضم ارهاب الدول والجماعات كمؤسسات منظمة , ترافقت التغيرات الهيكلية في منظومة الارهاب مع تمظهرات جديدة , منها تمظهرات المشهدية كبتر الرؤوس أمام الكاميرا , أو الباس الضحيا لباسا برتقاليا كرمز لسجناء غوانتانامو, أو الحرص على التكريسات السلفية كالتعامل مع السبايا بيعا كسلع , كما حصل مع الايزيديات وغيرهم في المناطق التي خضعت لسيطرة بعض الفصائل المسلحة , وذلك من منطلقات فكرية تهدف الى احياء ممارسات السلف الصالح , كان سبي نساء بني قريظة شبيه بسبي نساء الأيزيديات وبالتالي لافرق بين الدواعش وبين رجال ذلك السلف الصالح .